نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول نجاح
تنظيم الدولة في تنفيذه مشروعه، المتمثل في إقامة "دولة" على أجزاء من
سوريا والعراق، قالت فيه إن التنظيم نجح في إدارة الصراع وتنظيم صفوفه، بشكل فاجأ خصومه وكذّب توقعاتهم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن فكرة إقامة "
خلافة إسلامية" في أذهان أبي بكر البغدادي ورفاقه، لم تكن مجرد حلم، فعندما أعلن التنظيم دولته في 28 حزيران /يونيو 2014، على الأراضي التي سيطر عليها في سوريا والعراق، كان مقاتلو التنظيم قد أعدوا مسبقا برنامجا حقيقيا لإقامة دولة، ورسموا صورة إدارة قوية ومنظمة قادرة على الاستمرار وفرض إيديولوجيا التنظيم على الناس.
واعتبرت أن نجاح مخططات التنظيم كذب كل توقعات الدول الغربية والعربية، الذين رأوا فيه مجرد نسخة جديدة من تنظيم القاعدة، الذي يعتبرون أنه فشل في تحقيق أهدافه. وقد قال الرئيس الأمريكي باراك حينها ساخرا: "حين تقوم مجموعة من الهواة بارتداء قمصان فريق كرة سلة محترف، فهذا لا يعني أنهم لاعبون محترفون".
وأضافت الصحيفة في السياق نفسه أن أوباما وجد نفسه مضطرا في سنة 2015 إلى الاعتراف بخطئه، بعد أن حافظ التنظيم على سيطرته في ثلث الأراضي السورية والعراقية، وأصبح
يتحكم في حوالي عشرة ملايين ساكن.
ووضع يده على موارد مالية ضخمة من الثروات الطبيعية، جعلته التنظيم المسلح الأثرى في العالم، ونجح أيضا في جذب أكثر من 30 ألف مقاتل أجنبي، وحاز ولاء مجموعات جهادية أخرى في عشرات الدول، وتبنى عددا من الهجمات في الخارج، كان آخرها هجمات باريس التي أوقعت 130 قتيلا.
وذكرت الصحيفة أن تنظيم الدولة منذ الأشهر الأولى لظهوره، وضع خطة محكمة لإقامة دولة بأتم معنى الكلمة، وفكر حتى في أصغر التفاصيل، وهو ما كشفته الوثيقة المتكونة من 24 صفحة التي تم نشرها مؤخرا، والتي تنقسم إلى عشرة محاور، مصممة لتكوين الإطارات الإدارية لهذا التنظيم.
فقد كتبت هذه الوثيقة على يد عضو في التنظيم يدعى أبا عبد الله المصري، في الفترة بين تموز/ يوليو وتشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2014، تحت عنوان: "المبادئ الإدارية التي تحكم الدولة الإسلامية".
وأضافت الصحيفة أن الوثائق التي تم الحصول عليها من داخل التنظيم، تتضمن تعليمات إدارية ودينية، وإعلانات عمومية، وأجزاء من دفاتر حسابات مالية، وهو ما مثل نافذة على النظام الداخلي لهذا التنظيم، بعيدا عن الدعاية التي يواصل بثها عبر شبكة الإنترنت.
وذكرت الصحيفة أن التنظيم أراد المرور من المستوى النظري لفكرة الجهاد وإقامة الخلافة الإسلامية، إلى وضع مخططات مكتوبة ودقيقة، تهدف لتثبيت وجوده على الأرض، عبر استغلال الثروات بطريقة فعالة ومنطقية، من أجل كسب رضا الناس، عبر توفير الخدمات الأساسية من تعليم وإدماج المهاجرين مع نشر الدعاية بين الناس.
وقد تمت ترجمة هذه المخططات عمليا عبر تركيز نظام إداري مركزي، يتكون من 16 وزارة، تعمل في ولايات التنظيم كافة. وقد وجد قادته العسكريون أنفسهم ملزمين باتباع الآلاف من القوانين والتنظيمات الصارمة، في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، والمجال الثقافي والاجتماعي.
واعتبرت الصحيفة أنه على الرغم من نجاحه في تطبيق مخططاته الإدارية، فإن التنظيم وجد نفسه في أحيان كثيرة مجبرا على التعامل مع واقع متغير وفي تطور مستمر؛ فقد اضطر التنظيم على الرغم من معارضته للعقلية القبلية، إلى التعامل مع هذا الواقع ووضع جهاز يهتم بالعلاقات بين القبائل.
كما أن قيامه بإزالة الحدود بين سوريا والعراق، باعتبار أن هذا التنظيم لا يعترف بحدود سايكس بيكو التي رسمها الاستعمار سنة 1916، سبب له عقبات كثيرة في المعاملات اليومية.
كما أشارت الصحيفة إلى أن أحد أهم مجالات التصرف الإداري في التنظيم هي التصرف في الموارد الطبيعية، التي تعتبر مفتاح بقاء التنظيم على قيد الحياة.
وتشير الوثائق إلى أن التنظيم يؤكد على مسألة التصرف في هذه الموارد بشكل مركزي، سواء تعلق الأمر بالنفط أو الغاز أو الماء أو القطع الأثرية، والإنتاج العسكري والغذائي وطرق التموين.
وقد تمت ترجمة ذلك عبر تكليف مسؤولين يدينون بالولاء للتنظيم، بالإشراف على كل مواقع الإنتاج. كما حافظ التنظيم على الموظفين من أصحاب الخبرة والكفاءة الذين كانوا يعملون سابقا ضمن الدولتين السورية والعراقية.
وفي الختام قالت الصحيفة إن شهادات الفارين من مناطق سيطرة تنظيم الدولة، تؤكد أن الصورة الوردية التي يسعى التنظيم لرسمها في منشوراته الدعائية، التي يسود فيها النظام والاستقرار، بعيدة جدا عن الواقع، حيث أن اقتصاده يمكن اعتباره اقتصاد حرب، يقوم على افتكاك الموارد من أجل ضمان الاستمرار.