نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للصحافية مائيف كندي، حول
شاكر عامر (48 عاما)، الذي كان آخر المواطنين البريطانيين خروجا من سجن
غوانتانامو، والذي قال إن 14 عاما من الألم غسلتها دموع فرح لم شمله مع زوجته وأولاده. وكان شاكر قد عاد إلى المملكة المتحدة بعد إخلاء سبيله من القاعدة العسكرية الأمريكية في كوبا، حيث كان محتجزا دون محاكمة.
وتنقل الصحيفة عن عامر قوله إنه وحتى بعد أن طارت به الطائرة كان خائفا من أن يكون الإفراج عنه مجرد خدعة، وأنه في طريقه إلى بلد آخر، مثل السعودية، ليسجن فيه. ولم يقتنع أنه في إنجلترا إلا بعد أن رأى الحقول الخضراء حول مطار بيغين هيل في مقاطعة كنت، وبعد أن التقط أول أنفاسه لما سماه "الهواء البارد الرطب اللذيذ".
وتحدث عامر في مقابلة مطولة له مع "ميل أون صندي" عن السعادة والترقب، اللذين أحس بهما لدى جمع شمله مع عائلته، وغرابة الاعتياد مرة أخرى على الحياة البيتية العادية. كما وجه رسالة قوية للمتطرفين في المملكة المتحدة قائلا: "أخرجوا من هنا".
ويشير التقرير إلى أن أن عامر التقى بالمحامين والأطباء بعد عودته للمملكة المتحدة، ثم التقى بزوجته زنيرة في شقة أحد أصدقائه في لندن، بعيدا عن عدسات ومايكروفونات الإعلام. ويقول: "أخيرا وصلت اللحظة التي كنت أحلم بها ودخلت زوجتي من الباب، وتلك اللحظة غسلت 14 عاما من الألم. وغسلت التعب والمعاناة والضغط. وكانت كأنها لم تحدث، وتعانقنا وبكينا، بقيت معها تلك الليلة ولم نستطع النوم، وبقينا نتحدث ونتحدث".
ويقول إنه كان قلقا من مقابلة أولاده مرة ثانية؛ جهينة، التي عمرها 18 عاما، ومايكل، الذي عمره 16 عاما، وسيف وعمره 15 عاما، حيث كانوا أطفالا صغارا عندما رآهم آخر مرة. أما ابنه الأصغر فارس، الذي بلغ من العمر 13 عاما الآن، فلم يره أبدا، حيث ولد في 14 شباط/ فبراير 2002، في اليوم ذاته الذي وصل فيه عامر إلى معتقل غوانتينامو.
وتلفت كندي إلى أنه بالكاد رأى بعض الصور لأطفاله، فكانت زوجته ترسل الصور له، ولكن رسائله كانت مراقبة، ويصادر منها بعض المحتويات. ورفض المحققون لسنوات عديدة تسليمه الصور، وبدلا من ذلك علقوا تلك الصور يوما على حائط غرفة التحقيق.
ويقول عامر: "دخلت الغرفة ورأيت الصور على الحائط، صور كبيرة وصور صغيرة في كل مكان. ولن أنسى ذلك اليوم أبدا؛ لأنني تركتهم صغارا وأستطيع أن أرى أنهم كبروا. أرادوا كسر إرادتي، وقالوا لي إن كنت تريد صور أطفالك فعليك أن تتحدث".
ويقول إنه بكى عندما سمح له بمكالمة عام 2009، حيث تحدث مع زوجته وابنته، وبعد ذلك في عام 2012، قام بالاتصال عدة مرات عن طريق "سكايب". وقابل أطفاله أخيرا بعد يوم من عودته. ويقول: "كنت أريد أن أعانقهم وأقبلهم، ولكنهم كانوا واقفين متسمرين في أماكنهم، تقطع قلبي، إنهم أطفال خجولون ابتداء، وكانوا ينظرون إلي ثم يشيحون بنظرهم، وكان موقفا صعبا جدا". ويقول إنه قال لفارس: "لا أتوقع منك أن تحبني مباشرة، ولكن أريدك أن تثق بي؛ لأنه من الصعب أن تحب شخصا لا تعرفه".
وقال فارس لصحيفة "ميل أون صندي": "مع أن حواسي تقول لي بأنه عاد، إلا أنه وفي دماغي لا أزال لا أستطيع التصديق. عندما كنت أصغر كنت أظن أنه لن يعود".
وتذكر الصحيفة أن العلاقات لم تعد إلى طبيعتها إلا بعد أسبوع، عندما عاد عامر إلى بيت العائلة في جنوب لندن، حيث يقول: "قمت بعمل حفلة شواء في الحديقة لهم، بالرغم من برودة الجو قليلا، وأحبوا ذلك جدا، حيث رأوا أنني لم أفقد براعتي في الطبخ. والآن أعمل بجد في البيت، فأجلي الصحون، وأنظف البيت، وأستمتع بالطبخ للأطفال. وبدأنا نعتاد على بعضنا البعض، آخذهم للمسجد. وعندما يتحسن الجو سأشتري دراجات هوائية لنقوم برحلات عليها خلال عطلة نهاية الأسبوع".
ويقول مايكل، الذي رأى أباه آخر مرة عندما كان يبلغ عامين: "كانت أمي تخبرنا بأن أبانا في المدرسة، ولكن أستاذه لا يسمح له بالعودة إلى البيت. ولكن وصلت رسالة من غوانتانامو يوما وقرأتها أختي، وبدأنا نبحث على الإنترنت، لمعرفة ما الذي كان يحصل، وعندها صدمنا حين عرفنا أنه سجين، وأنه ذهب وقد لا يعود أبدا".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن عامرا يحاول منذ عودته التعود على الحياة في مدينة وجد أنها تغيرت كثيرا، فأصبحت أغنى وأكثر تنوعا ثقافيا. فتعود على استخدام بطاقة الأويستر للتنقل في قطارات الأنفاق والحافلات بمساعدة ابنته، ولكنه لم يعتد بعد على الهاتف الذكي الذي أهداه إياه ابن أخيه من السعودية.
وتبين الكاتبة أنه عندما ذهب ليفتح حسابا في البنك، سأله الموظف أين كان يسكن، فقال له: "كنت أسكن في أمريكا"، وعندما سأله عن المدة، قال له 14 عاما، وعندما طلب منه عنوانه في أمريكا قال:"قلت لنفسي لن أكذب على بنكي، ونظرت إليه، وقلت: كنت في غوانتانامو لمدة 14 عاما"، ويضيف: "فوجئت بردة الفعل، حيث كنت أتوقع أن يقول لي انتظر حتى أسأل مديري، ولكنه مد يده وصافحني، وقال لي أتشرف بالتعرف عليك".
وتورد الصحيفة نقلا عن محامي عامر قولهم إنه عذب خلال سجنه، وإنه سجن انفراديا لمدة 360 يوما. وخسر عامر نصف وزنه عام 2005، عندما أضرب عن الطعام. وتحدث لصحيفة الميل عن المعاملة الوحشية، من ربط الأقدام مع الأيدي بينما كان يواجه حوالي 200 محقق.
ويفيد التقرير بأن عامرا عبر عن آراء قوية تجاه المتطرفين الذين يعيشون في المملكة المتحدة، قائلا: "كيف يمكنكم أن تعطوا لأنفسكم الحق بالعيش هنا بين الناس، والتصرف وكأنكم منهم، ثم تخرجون للشارع وتحاولون قتل الناس؟"، وقال إن الإسلام لا يسمح بقتل المدنيين "حتى لو كانت هناك حرب، لا يسمح بقتل أي شخص مهما كان، فلا يسمح بقتل الأطفال، ولا يسمح بقتل رجال الدين، فلا يمكنك أن تذهب للشارع وتحصل على سكين وتبدأ بطعن الناس، وإن كنت غاضبا على هذا البلد لهذه الدرجة، فبإمكانك الخروج منها إلى الجحيم".
وبحسب كندي، فقد أبدى عامر قلقه من الهوة بين المسلمين وغير المسلمين، قائلا: "إن ذلك يساعد المتطرفين، فإن كنت تنظر إلى الناس على أنهم إرهابيون قبل أن يقوموا بأي عمل، فإنك تدفعهم دفعا نحو العنف". مشيرة إلى أنه مدرك بأن فترة سجنه ستصاحبه طيلة حياته، حيث يقول: "ستبقى تلك الفترة قابعة في ذاكرتي في موقع خلفي هناك، وتأتي من فترة لأخرى، كانت فترة طويلة لا يمكن أن تذهب بتلك السهولة".
وتنوه الصحيفة إلى أنه في عام 2007، تم إسقاط التهم ضد عامر، حيث أصر على أنه عندما وجد في مناطق حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، كان يبحث عن حياة أفضل لعائلته، حيث كان السكن والغذاء أرخص هناك.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه مع أنه كان من المتوقع أن يرفع عامر قضية ضد الحكومة البريطانية؛ وذلك لأن المخابرات العسكرية البريطانية الداخلية والخارجية قامت بالتحقيق معه في غوانتانامو، وهما على علم بما عاناه من سوء معاملة على أيدي السجانين الأمريكيين، لكنه قال في مقابلة مع "بي بي سي" إنه لا يعتزم رفع قضية على أحد، ولكن يريد أن يعرف الناس الحقيقة.