كتب فهمي هويدي: تابع المجلس القومي لحقوق الإنسان بقلق بالغ الشكاوى المتعلقة بحالات الادعاء باختفاء قسري، في الوقت الذي يتولى فحص الحالات التي سبق ورودها له، "يهيب" المجلس المتقدمين بالشكاوى المتعلقة بالادعاء بالاختفاء القسري استيفاء المعلومات المتوفرة عن ذويهم، وفقا للبيانات المطلوبة من المجلس لتسهيل مهمته في متابعة الشكاوى.
كما "يهيب" أصحاب الشكاوي أو المنظمات التي تقدمت بشكاوى سابقة، الإبلاغ بأي تطورات أو معلومات تفيد بإجلاء مصير ذويهم، حيث تبين من خلال المتابعة عودة بعض الغائبين لأسرهم. ويطالب المجلس القومي لحقوق الإنسان وزارة الداخلية بضرورة الالتزام بقواعد قانون الإجراءات الجنائية، فيما يتعلق بإحالة المقبوض عليهم إلى جهات التحقيق وفقا لأحكام الدستور.
حيث تبين أن الإخلال بقواعد قانون الإجراءات الجنائية في الفترة الماضية وعدم الالتزام بالمواعيد التي قدرها، أدى إلى الالتباسات المتعلقة بالاختفاء القسري في زيادة الشكاوى المتعلقة بها.
أعلاه نص بيان أصدره المجلس المذكور يوم الأربعاء الماضي 16 ديسمبر. وقد حرصت على إثباته كما هو رغم ركاكته اللغوية، لسببين أساسيين. الأول أنه تضمن اعترافا بأن هناك أصلا لظاهرة الاختفاء القسري في
مصر. الثاني أنه نموذج للبيانات المراوغة التي تحاول إمساك العصا من المنتصف، بحيث ترضي وزارة الداخلية مجاملة للحكومة من ناحية، وترضي أهالي المختطفين من ناحية ثانية من خلال التجاوب اللغوي مع حملة الحقوقيين والنشطاء الداعية إلى وقف الاختفاء القسري. وهي الخلفية التي جعلتني أستقبل البيان بخليط من مشاعر الارتياح والاستياء.
أما الارتياح فراجع إلى مسألة الاعتراف بوجود الاختفاء القسري، الذي دأبت وزارة الداخلية على نفيه
وإنكاره طوال الوقت. وأما الاستياء فله أسباب عدة أوجز أهمها فيما يلي:
< إن البيان تحدث عن الاختفاء القسري مستخدما مفردات التشكيك. إذ كرر مرتين أنه مجرد "ادعاء" ووصفه في موضع آخر بأنه بمنزلة "التباسات" من جانب الأهالي، ثم إنه هون من شأنه حين أشار إلى أن بعض الغائبين عادوا إلى بيوتهم، الأمر الذي فتح الباب لاحتمال أن يكون ذلك "الادعاء" مجرد سوء ظن بالداخلية من جانب الأهالي.
< الاحتمال الذي أورده بيان المجلس تفوح منه رائحة التضليل والتدليس؛ لأنه لم يشر بكلمة إلى الذين اختفوا لعدة أشهر ثم ظهروا فجأة أمام النيابة بعد طول احتجاز في أماكن مجهولة، أو الذين شوهدوا مصادفة في بعض السجون، أو الذين اختفوا منذ سنة أو اثنتين ولم يظهر لهم أثر حتى الآن. وهذه الفئات الأخيرة تمثل الأغلبية التي تم توثيق حالاتها في تقارير المنظمات الحقوقية. لكن البيان تجاهلها رغم خطورتها وتحدث فقط عن الاستثناء المتمثل في عودة البعض إلى بيوتهم على فرض صحة المعلومة.
< الجزء الأخير من البيان الذي طالب وزارة الداخلية بالالتزام بقواعد قانون الإجراءات الجنائية كي لا تحدث "التباسات" في مسألة الاختفاء القسري، هذا الجزء أضاف الغموض إلى المراوغة. ذلك أن الاختفاء القسري ينطبق على حالة كل من تم احتجازه في مكان غير معلوم، دون أن يتمكن من إبلاغ أهله أو الاتصال بمحاميه، حتى إذا ظهر في أي مكان بعد ذلك. والإخلال المشار إليه في النص يتمثل في أمرين أولهما اختفاء الشخص قسرا وتمديد حبسه الاحتياطي لآجال مفتوحة، بقرارات من الجهاز الأمني تنفذها النيابة وتهدر في ظلها نصوص القانون وكرامات المواطنين. هذه المعاني طمسها البيان المذكور بعبارات تسترت على ممارسات الداخلية بأكثر مما أفصحت عن حقيقة الانتهاكات التي تمارس بحق المواطنين.
لا يفاجئنا موقف المجلس، فسوابقه في المراوغة حاضرة في الذاكرة، إذ ليست منسية مثلا فضيحة زيارة بعض أعضائه لسجن العقرب سيئ السمعة وشهادتهم التي جاءت تبرئة للداخلية وتسترا على أدائها، وهو ما استنكره أعضاء آخرون في المجلس ذاته. ومشكلته الحقيقية تكمن في أنه يتصدى لقضية شديدة الحساسية، يتعذر فيها إمساك العصا من المنتصف ومحاولة التحرك في المساحة الرمادية. ذلك أن
حقوق الإنسان مثل الديمقراطية، إما أن تكون أو لا تكون. وإذا لم تكن معها فأنت ضدها حتى إذا توهمت أن هناك مسافة رمادية بين المنزلتين يمكن الوقوف فيها، لذلك فإن البيان الأخير الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان يعد شهادة إدانة للمجلس ولا يبرئ ذمته كما تصور الذين أعدوه.
< ملحوظة:
صوبني القارئ محمود حامد في بعض ما ذكرته عن كندا يوم الأربعاء الماضي (16/12)، فقال إن كورال الأطفال الكنديين الذين رددوا أغنية "طلع البدر علينا" لم يكن مخصصا لاستقبال المهاجرين السوريين رغم انتشاره في تلك المناسبة، ولكنه كان ضمن فقرات احتفال أقامته مدرسة فرنسية في كندا يوم 3 ديسمبر لإظهار تنوع الثقافات والأديان ــ لذا لزم التنويه.
(عن الشرق القطرية)