نشرت صحيفة لوموند الفرنسية؛ تقريرا حول ما كشفته التحقيقات الرسمية عن اللحظات الأخيرة قبل مداهمة خلية مسلحة في
بلجيكا، كانت تستعد لشن
هجمات على مركزي أمن في العاصمة بروكسل.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن أفراد الشرطة البلجيكية نجحوا في وضع أجهزة تنصت للاستماع لما يدور في داخل شقة في منطقة فيرفاي، في جنوب شرق العاصمة بروكسيل، بعد أيام قليلة من هجمات
شارلي إيبدو والمتجر اليهودي في فرنسا.
عملية التنصت هذه كانت تستهدف الشابين خالد بن العربي وسفيان أمغار، وكشفت عن محادثة مثيرة في يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2015، حيث تحدث الشابان بكل إعجاب عن الأخوين شريف وسعيد كواشي، وعن خروجهما بكل برودة دم من مقر الصحيفة بعد قتل 11 شخصا من هيئة التحرير.
وقال أحدهما: "هل رأيت فيديو الأخوين كواشي؟ إنه على فيسبوك وفي كل مكان، لقد خرجا وتوجها نحو السيارة، ثم وصلت الشرطة وبدأا في إطلاق النار بكثافة، أنت أيضا إياك أن تنسى إعادة تلقيم البندقية".
وذكرت الصحيفة أن الشابين اللذين دار بينهما هذا الحوار، كانا يستعدان لشن هجوم مسلح على مركزين للشرطة البلجيكية، من بينهما مركز رئيسي للشرطة الفدرالية.
ورغم أن الحوار الذي دار بينما كان هادئا وغير خطير في ظاهره، وكانا يتجنبان ذكر الأسماء والأماكن صراحة، ربما لأنهما كانا يعلمان بإمكانية أن يكونا تحت المراقبة الأمنية، فإن موعد تنفيذ العملية كان وشيكا، وهو ما كانت الشرطة متأكدة منه، بعد أن ظلت تتابع ما يدور في تلك الشقة لأيام، عبر أجهزة ميكروفون صغيرة الحجم زرعت فيها، وجمعت معلومات كثيرة عن خالد بن العربي وسفيان أمغار.
وذكر التقرير أن المحادثات المثيرة التي تم تسجيلها، تكشف ما يمكن أن يدور في اللحظات الأخيرة قبل تنفيذ أي مجزرة مروعة، قد تكون وقعت أيضا بين الأخوين كواشي، أو بين أحمدي كوليبالي ورفاقه الذين جلبوا له السلاح.
وقد انتهت عملية التنصت في يوم 15 كانون الثاني/ يناير، بعد أن قررت الشرطة مداهمة الشقة وإلقاء القبض على خالد بن العربي وسفيان أمغار، بعدما جمعت ما يكفي من الإثباتات؛ التي نجحت صحيفة "لوموند" في الوصول إليها رغم سرية التحقيق.
واعتبرت الصحيفة أن المحادثات التي تم تسجيلها تكشف الحالة النفسية لهذا الجيل الجديد من المتشددين، حيث إن خالد بن العربي يبلغ من العمر 23 سنة، وسفيان أمغار عمره 26 سنة، وقد عانيا في ليلة الهجوم المفترض من حالة أرق وارتباك، ويمكن سماع صوت سفيان أو خالد في الخامسة والنصف صباحا يقول: "أسمع صوت باب، هل ترى الضوء؟ إذا حدث أمر ما... تقف هناك.... أنا أطلق النار ناحية الباب وأنت تفتحه بسرعة".
وقالت الصحيفة أن هذين الشابين كانا يعلمان أن ما سيخوضانه هو أشبه بحرب حقيقية، فعلى غرار سعيد كواشي الذي تدرب في سنة 2011 في اليمن في معسكرات لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، سافرا هما أيضا لسوريا وعادا قبل ستة أشهر من اعتقالهما، بعد أن قاما بدورة تدريبية في صفوف
تنظيم الدولة في ربيع 2014.
كان سفيان وخالد يتكلمان من أجل شحن المعنويات وكسب الثقة: "أنا أذكر جيدا ما رأيته هناك، عندما سمعت الصوت لأول مرة شعرت بقشعريرة، ولكن فيما بعد أصبح الأمر عاديا، في الأول فقط كنت ألهث وقلبي يدق كلما...".
كما ذكرت الصحيفة أن سفيان وخالد كانا يحاولان حفظ سيناريو الهجوم، خاصة ما يتعلق بمهاجمة مركز الشرطة في حي مولنبيك، الذي يحمل سمعة سيئة لدى عديد الشباب في المنطقة، ولكنهما كانا يستعملان كلمة "دار" باللغة العربية، في محاولة للتمويه.. "لدينا أسبقية عليهم.. عندما يتقدم أفراد الشرطة إلى هنا.. وينسون هذا المكان.. وهؤلاء يدخلون من هنا ثم يتوقفون هنا.. تعلم ماذا تفعل حينها".
وقالت الصحيفة إن في خلفية التسجيل يظهر صوت التلفاز، يتحدث عن أرقام قياسية من مبيعات صحيفة شارلي إيبدو، ثم يتوقف أحدهما عن الكلام عن الخطة ويقول: "أنظر هذا ما حذرت منه..". كأنه يقصد أنه كان يحذر من أن الهجوم على مقر الصحيفة سوف يسبب نتائج عكسية وسيزيد من شعبيتها.
وبينما كان الشابان يشاهدان ردود الأفعال إثر الهجوم على الصحيفة، والمظاهرات الحاشدة في كافة أنحاء العالم، قال أحدهما: "كلهم جبناء، ربما سأبدأ بأولئك"، في إشارة لرجال الشرطة. ويرد الآخر: "لا أشعر أبدا بالخوف". ثم يواصل الأول: "لم يفعلوا شيئا عندما نشرت الصحيفة صورا مسيئة في سنة 2006".
واعتبرت الصحيفة أن التحاق شاب ثالث بلجيكي يبلغ من العمر 25 سنة بخالد وسفيان في هذه الشقة في فيرفاي، يدعى مروان البالي، مثّل منعرج الأحداث، وقد عجل وصوله بقرار الشرطة بالتدخل، ولكنه من سخرية القدر كان الوحيد الناجي من تبادل إطلاق النار أثناء المداهمة، بعد أن قفز من النافذة.
حين دخل هذا الشاب ألقى التحية على سفيان وخالد، لأول مرة يتخلى الجميع عن حذرهم ويتكلمون بكل وضوح، ليقدموا أدلة دامغة تكفي لإدانتهم، حيث قال مروان ضاحكا: "لقد غالطت الجميع، وأحضرت الطرد، هذا كلاشنكوف، وهذه بندقية فرنسية طويلة ومسندها مصنوع من الخشب، إنها من النوع الجيد".
وفي الختام قالت الصحيفة إن عملية التنصت ساهمت في إفشال عملية إرهابية، كانت ستأتي بعد أسبوع واحد من هجمات شارلي إيبدو، حيث اقتحمت الشرطة المكان، وآخر صوت سمع في التسجيل، هو: "إنها الشرطة.. لا إلله إلا الله.. محمد رسول الله.. الله أكبر".