ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير أعده الكاتب ديكلان وولش، أن الرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي أصبح يستخدم الخطاب
الديني لتعزيز سلطته وقمع منافسيه.
ويشير التقرير إلى وصف الإعلام مناسبة افتتاح فرع جديد لقناة السويس في آب/ أغسطس بأنها "عطية الله". وحث رجل دين مرتبط بالنظام عبر التلفاز المصريين على التصويت لانتخاب نواب البرلمان في كانون الأول/ ديسمبر، باعتبار أن ما يفعلونه يعد "طاعة ولي الأمر والقيادة العليا"، أي السيسي، وأشار إليه بطريقة غير مباشرة بأنه "ظل الله على الأرض".
ويستدرك الكاتب بأنه مع أن وزارة الأوقاف وشيوخها ترددوا في دعم منتجع شرم الشيخ؛ باعتباره منطقة ترتكب فيها المعاصي، إلا أنهم دعوا إلى قضاء العطلات فيها، بعد تحطم الطائرة الروسية في تشرين الأول/ أكتوبر، وقتل ركابها الـ224.
وتلفت الصحيفة إلى استخدام الدين من أجل منع التظاهرات لإحياء الذكرى الخامسة لثورة يناير عام 2011، حيث حذرت وزارة الأوقاف المصرية في بيان لها من أي نشاطات؛ لأنها ستقود إلى التخريب والقتل والدمار، ما يجعلها "جريمة كاملة".
ويعلق وولش قائلا إن استخدام الدين ليس جديدا على القادة العرب، إلا أن السيسي ذهب أبعد من هذا، وقدم نفسه كونه مصلحا دينيا، ودعا إلى "ثورة دينية" من أجل مواجهة التطرف.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الإصلاح الديني، الذي دعا إليه السيسي، لم يشجع على الحوار بل قمعه، وفسر على أنه ملاحقة الأئمة غير المسجلين في وزارة الأوقاف، بالإضافة إلى إغلاق المساجد الشعبية.
وتنوه الصحيفة إلى ما أثاره المحامي إسلام البحيري الذي هاجم
الأزهر، ودعا إلى إعادة النظر بالسنة التي يستخدمها الجهاديون لتبرير العنف، وطالب بنقد الكتب القديمة التي يعتمدون عليها.
ويذكر الكاتب أن البحيري اتهم بازدراء الدين وتشويه سمعة الأزهر، مستدركا بأن كلام البحيري بدا وكأنه تطبيق لدعوة السيسي في خطابه في بداية عام 2015 في الأزهر، الذي طالبه فيه شيوخ الأزهر بتطهير الإسلام من الأفكار التي يستخدمها المتطرفون.
ومن هنا يقول وولش، إن محاكمة البحيري تظهر محدودية فكر السيسي "لتحديث الإسلام"، فالأزهر، وإن ارتبط بالحكم منذ أكثر من ستة عقود، فإنه يحاول الحفاظ على موقعه في العالم الإسلامي، كونه مرجعية دينية أولى.
وينقل التقرير عن بروفيسور دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، قوله إن بعض العلماء تعاملوا مع دعوات السيسي على أنها هجوم على مؤسستهم، "واستهجنوا قيام رئيس وجنرال بالمحاضرة عليهم".
ويرى الكاتب أن محاكمة البحيري كانت محاولة لإظهار قوة المؤسسة الدينية التي كانت واضحة في دعمها للسيسي، مشيرا إلى حضور شيخ الأزهر أحمد الطيب في المؤتمر الصحافي، الذي أعلن فيه الجنرال السيسي عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وتلفت الصحيفة إلى تبرير المسؤول الديني البارز علي جمعة، القمع ضد الإخوان المسلمين، الذين وصفهم بأوصاف منها أنهم "سفلة، وريحتهم نتنة"، وقال إن الملائكة تؤيد رجال الأمن والشرطة.
ويجد وولش أن دعم المؤسسة الدينية للسيسي قد تعطيه نوعا من الشرعية في نظر الكثير من المصريين، لكن هناك العديد من الإشارات التي تشير إلى محدودية فكر السيسي، خاصة بين الشباب، الذين شاهدوا فترة ما بعد ثورة 2011، التي لم يعد فيها للدولة تأثير على الخطاب الديني.
ويشير الكاتب إلى زيارة قام بها الشيخ الطيب الشهر الماضي إلى جامعة القاهرة، حيث رد على أسئلة الطلاب الساخطين من إجراءات إدارة الجامعة، وإغلاقها للمصليات كلها، وهدمها جامعا في داخل الحرم الجامعي، حيث أجبرت الطلاب على الصلاة في جامع واحد، في محاولة لمنع التظاهرات. مبينا أن أجوبة الشيخ الطيب لم تقنع الطلاب. ونقل عن طالبة تعليقها على لقاء الشيخ: "هذه وسيلة أخرى للسيطرة"، وأضافت: "لا توجد ديمقراطية أصلا، والأن يقولون لنا أين نصلي. وتقوم الحكومة بالضغط على الشباب، وستنفجر في وجوههم" أي السلطة.
ويلاحظ التقرير كيف تتم السيطرة على النقاشات في حرم الجامعات، التي كانت مركز المعارضة. ويقول وولش إن الطلاب ترددوا بالحديث خوفا من عيون السلطة، ودعم آخرون موقف الإدارة بقوة، واعتقدوا أنه من الضروري السيطرة على النقاش الديني.
وتورد الصحيفة أن الطالبة أميرة محمد، لم تخف رفضها لكلام الشيخ الطيب. وقالت إنه في الحقيقة ليس شيخا حقيقيا، وأضافت: "الجميع يعرف أن الفتوى جاءت من الرئيس".
ويفيد وولش بأن الحكومة تدافع عن تلك الإجراءات، وتقول إنها ضرورية لمكافحة التطرف عسكريا، كما في سيناء، التي تشهد تمردا من أتباع تنظيم الدولة، وأيديولوجيا من خلال مراقبة المنشورات الصادرة عن المتطرفين بلغات عدة منها الصينية والأردو. مستدركا بأن البعض يقولون إن هذه التشريعات ما هي إلا محاولة خفية للقمع السياسي.
وينقل التقرير عن المدرس، الذي منع من الخطابة بسبب نقده للطغاة، علي قنديل، قوله: "أي شخص يتحدث يقتل، وإن لم يقتل يعتقل، وإن لم يعتقل يهرب، وإن هرب يعد خائنا".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول: "لعل استخدام الخطاب الديني ضد المعارضين يعكس في النهاية الخوف من أحداث شغب واضطرابات تجري لإحياء ذكرى ثورة يناير، ولذلك يجري التجييش السياسي والإعلامي لها، في محاولة لإحباط دعوات المعارضين للانقلاب".