أثارت التصريحات التي أدلى بها ولي ولي العهد السعودي، الأمير
محمد بن سلمان، حول الإصلاحات التي ستتم خلال الأشهر القليلة المقبلة، جدلا واسعا على مستوى العالم، خاصة أن
السعودية هي أضخم منتجي النفط في العالم، وتتمتع بمكانة مهمة في الأسواق الدولية.
وكان الأمير محمد بن سلمان أكد في تصريحاته لمجلة "إيكونوميست"، حول اعتزام إدراج شركة "أرامكو" في سوق الأسهم، أن السعودية تتجه لمجموعة من الاصلاحات التي تستهدف تنويع مصادر الدخل العام بعيدا عن النفط الذي تهاوت أسعاره بنسب قياسية.
ما تردد في وسائل الإعلام يؤكد أن المملكة تتجه لإصلاحات جذرية، حيث يعكف ولي ولي العهد السعودي وبمعاونة مستشارين غربيين ومحليين على وضع خطة مدتها خمس سنوات للتحول الوطني نحو تنويع اقتصاد المملكة وتقليص اعتمادها على النفط وتطوير القطاع الخاص، ومن المتوقع إعلان تفاصيل الخطة خلال الأيام القليلة المقبلة.
ومنذ بداية العام الجاري وخلال أقل من أسبوعين تهاوت
أسعار النفط بنسب حادة، حيث خسر منذ باية العام نحو 15% من قيمته، فيما خسر نحو 6% في يوم واحد فقط.
وتشكل عائدات النفط نحو 90% من إجمالي الميزانية السعودية، ومن المتوقع وفي ظل استمرار تهاوي أسعار النفط أن تتكبد الميزانية السعودية عجزا ضخما قد يصل إلى 20% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي الذي توقع أن تسجل المملكة عجزا قياسيا في الموازنة قد يتجاوز الـ120 مليار دولار هذا العام.
"تحول وطني" استراتيجي
مصادر مطلعة توقعت الإعلان عن خطة "التحول الوطني" خلال الأيام القليلة المقبلة وعلى الأرجح ستكون خلال الشهر الجاري، وتتمثل تلك الاستراتيجية في تحويل سلطة وضع السياسة النقدية إلى الأمير محمد بن سلمان ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه، وإلى وزارة الاقتصاد والتخطيط.
وستقوم وزارة المالية بتمويل المشروعات الجديدة بعد موافقة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي أمر بتشكيله العاهل السعودي الملك سلمان بعد توليه الحكم، وستكون القرارات مرتبطة بشكل وثيق بالوضع المالي للحكومة.
وتنطوي الخطة على خصخصة بعض الجهات الحكومية لتحفيز النمو وخلق وظائف وخفض العبء المالي على القطاع العام، وسط إعلان الهيئة العامة للطيران المدني الشهر الماضي أنها تستهدف بدء خصخصة بعض المطارات وقطاعات متعلقة بها في عام 2016.
وتجري الاستعانة بعدد من الجهات الاستشارية الأجنبية لتقديم المشورة بشأن السياسة الاقتصادية، إذ قال تقرير صدر الشهر الماضي عن ماكينزي آند كو، وهو أحد هؤلاء الاستشاريين، إنه بإمكان المملكة مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي وخلق وظائف لستة ملايين سعودي بحلول عام 2030، إذا تمكنت من تحقيق تحول يركز بصورة رئيسة على الإنتاجية والاستثمارات.
خفض نفقات وتنمية
وبدأت المملكة بخفض النفقات غير الضرورية، مع الاستمرار في التركيز على مشروعات التنمية الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية لما لها من أهمية في النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
وفي إطار إجراءات تعويض نزيف أسعار النفط، فرض مجلس الورزاء السعودي رسوما سنوية على كل أرض فضاء مخصصة للاستخدام السكني أو السكني التجاري داخل حدود النطاق العمراني، مملوكة لشخص أو أكثر من ذوي الصفة الطبيعية أو الصفة الاعتبارية غير الحكومية، وذلك بنسبة 2.5% من قيمة الأرض.
وتدرس المملكة خفض الدعم عن أسعار الطاقة، إضافة إلى اتجاه حكومي لرفع تعريفة مياه الشرب.
وقررت الهيئة العامة للطيران المدني تحصيل أجور استخدام مرافق المطارات السعودية للرحلات الدولية على كل مسافر، سواءً أكان قادما أم مغادرا، وذلك اعتبارا من مطلع كانون الثاني/ يناير المقبل 2016، وحددت 87 ريالاً مقدارا لهذه الرسوم على جميع المسافرين على متن جميع الناقلات الجوية وشركات الطيران العاملة في مطارات المملكة كافة.
وربطت المملكة بين أجور استخدام مرافق المطارات السعودية وبين معدلت التضخم، بحيث تضخع للمراجعة كل ثلاث سنوات، إما بالزيادة أو النقصان.
وتستعد السعودية لخفض مليارات الدولارات من ميزانيها، حيث تعمل على مراجعة خطط الإنفاق الرأسمالي وتأخير تنفيذ بعض المشاريع. وتشير التقديرات إلى أنه سيتم تقليص الإنفاق في العام الحالي بمقدار 382 مليار ريال سعودي ما يعادل حوالي 102 مليار دولار ما نسبته 10%.
وإلى جانب مراجعة إنفاقها الرأسمالي، فقد تؤخر المملكة تنفيذ بعض المشاريع الاستثمارية أو تقليصها لتوفير الأموال.
وقالت مصادر مطلعة إن السعودية تدرس بيع أسهم في مشروعات للتكرير مع شركات نفطية أجنبية، لكنها لن تعرض حصصا للبيع في أنشطة التنقيب وعمليات إنتاج النفط الخام لشركة "أرامكو" السعودية النفطية الحكومية العملاقة.
ومن ضمن الإصلاحات التي تعتزمها المملكة، تعهدها بخفض الزيادة في رواتب القطاع العام من 450 مليار ريال (120 مليار دولار)، لكنها لم تفصح إلا عن القليل من المعلومات عن الطريقة التي ستنفذ بها هذا التعهد في بلد يعمل غالبية أبنائه لدى الدولة.
وإلى جانب تطبيق أول زيادة في أسعار الوقود منذ عشر سنوات، فإن اللجنة التي يقودها الأمير محمد بن سلمان أنشأت بالفعل مكتبا جديدا لإدارة المشروعات لضبط الإنفاق وخفض ميزانيات الإدارات الحكومية بالإضافة للالتزام بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وكشفت ميزانية العام المقبل عن الأرقام بشفافية لم تعرف في السابق.
توقعات وتصنيفات
وتوقعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، أن تتخذ السعودية مزيدا من الإجراءات لخفض الإنفاق الحكومي، لمواجهة العجز المالي المتزايد في موازنتها، بسبب انخفاض أسعار النفط.
وقالت الوكالة، إنه بدون اتخاذ مزيد من إجراءات خفض الإنفاق الحكومي أو رفع العائدات الحكومية غير النفطية، فإن أكبر منتج للنفط في العالم سوف يواجه احتمال تأثر جدارته الائتمانية، متوقعة أن يصل عجز الموازنة للعام الحالي إلى 411 مليار ريال.
وخفضت وكالة "ستاندرد أن بوزر" التصنيف الائتماني السيادي للسعودية مع نظرة سلبية.
ووفقا للتقارير والأرقام الرسمية، فقد وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 6.4% بنهاية العام الحالي مقارنة بنحو 1.6% في العام الماضي.
ولم تكتفِ المملكة بترشيد الإنفاق العام أو إرجاء مشاريع جديدة، ولكنها لجأت إلى سحب أكثر من 80 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية منذ آب/ أغسطس 2014.
ودفعت الأزمات المتزايدة الحكومة السعودية نحو بيع سندات بقيمة 20 مليار ريال تساوي نحو 5.33 مليار دولار، وذلك لتغطية عجز الموازنة الذي من المتوقع أن يتزايد خلال العام المقبل.
ومن المرجّح أن تنعكس الإيرادات الضعيفة للصادرات السعودية على إجمالي الناتج المحلي خلال السنوات المقبلة، خاصة مع تباطؤ النمو السنوي من 4.2 % هذا العام إلى 3.9 % في عام 2016.
وكالات التصنيف الدولية كان لها تعليقات على الإصلاحات التي تعتزم السعودية اتخاذها والتي بدأت بما طرأ على ميزانية العام الجاري من تعديلات جوهرية، حيث أكدت وكالة "فيتش" أن الميزانية السعودية لهذا العام تتضمن إصلاحات هامة، وجاءت كمتابعة لسلسلة من إجراءات ضبط الإنفاق في النصف الثاني من العام الماضي، ظهرت في نسبة عجز جاءت دون التوقعات.
وأوضحت الوكالة أن امتداد العجز متعلق بوتيرة وطبيعة تنفيذ إجراءات خفض النفقات، التي شملت زيادة أسعار البنزين وتعرفة الكهرباء، موضحة أنه في العام 2015 تجاوز الإنفاق الفعلي الإنفاق المخطط له، بنحو 13%، ما يقل بكثير عن متوسط هذه النسبة للسنوات العشر الأخيرة وقدره 24%.
أما وكالة "موديز" فأرجعت تفاؤلها بالسياسة الاقتصادية للمملكة إلى خططها لتطبيق عدد من الإجراءات خلال الأعوام الخمسة المقبلة، والتي من شأنها ترشيد الإنفاق مقابل زيادة استثمار القطاع الخاص، فيما تواصل الحكومة الإنفاق على مشاريع البنى التحتية والخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والأمن، مرجحة أيضا استمرار الإنفاق على مشاريع أخرى لا سيما المتعلقة بالطرق والكهرباء.
وتوقعت "موديز" أيضا أن تقوم المملكة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة بشكل تدريجي خلال خمس سنوات، الأمر الذي سينوع من الإيرادات الحكومية ويحسن اتزان الميزانية.