بعد الضجة التي أثارتها تصريحات الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، وما أحدثته الموازنة الجديدة للمملكة من جدل، حول نية المملكة لتصحيح مسارها وتنويع مصادر دخلها، وتجاوز الاعتماد على مصدر واحد للناتج المحلي الإجمالي، وهو
النفط الذي يشكل نحو 90% من إجمالي عائدات المملكة.
"عربي 21" رصد أهم القرارات التي جاءت في برنامج التحول الوطني الذي يسعى إلى تحقيقه ولي ولي العهد السعودي، والذي يبدأ بخصخصة بعض الشركات والمطارات، وفرض رسوم جديدة على الأراضي، ورفع تعريفة المياه والكهرباء، وخفض أجور العاملين في الدولة، إضافة إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة خلال العام الجاري.
هذه الاتجاهات كلها أطلقت عليها
السعودية عدة الإصلاحات، التي تستهدف تنويع مصادر الدخل العام، بعيدا عن النفط الذي تهاوت
أسعاره بنسب قياسية خلال الفترة الماضية.
وآخر ما أعلنت عنه المملكة على لسان ولي ولي العهد السعودي الذي أعلن إدراج شركة "أرامكو" في سوق الأسهم، بعد الخسائر التي خلفها تهاوي أسعار النفط وتكبد الميزانية السعودية عجزا ضخما، قد يصل إلى 20% من حجم الناتج المحلي، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
كما بدأت المملكة خفض النفقات غير الضرورية، مع الاستمرار في التركيز على مشروعات التنمية الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، لما لها من أهمية للنمو الاقتصادي على المدى الطويل، ناهيك عن الاتجاه إلى خفض الدعم عن أسعار الطاقة، إضافة إلى اتجاه حكومي لرفع تعريفة مياه الشرب.
وفي إطار إجراءات تعويض نزيف أسعار النفط، فرض مجلس الورزاء السعودي رسوما سنوية على كل أرض فضاء مخصصة للاستخدام السكني أو السكني التجاري داخل حدود النطاق العمراني، مملوكة لشخص أو أكثر من ذوي الصفة الطبيعية أو الصفة الاعتبارية غير الحكومية، وذلك بنسبة 2.5% من قيمة الأرض.
أيضا، قررت الهيئة العامة للطيران المدني تحصيل أجور استخدام مرافق المطارات السعودية للرحلات الدولية على كل مسافر، سواء أكان قادما أم مغادرا، وذلك اعتبارا من مطلع يناير/كانون الثاني المقبل 2016، وحددت 87 ريالا مقدارا لهذه الرسوم على جميع المسافرين على متن جميع الناقلات الجوية وشركات الطيران العاملة في مطارات المملكة كافة، علاوة على أن المملكة ربطت بين أجور استخدام مرافق المطارات السعودية ومعدلات التضخم، بحيث تخضع للمراجعة كل ثلاث سنوات إما بالزيادة أو النقصان.
كما أعلنت الهيئة العامة للطيران المدني الشهر الماضي، أنها تستهدف بدء خصخصة بعض المطارات وقطاعات متعلقة بها في عام 2016، حيث تضمنت الخطة تخصيص مطار الملك خالد الدولي تحت مسمى "شركة مطارات الرياض" خلال الربع الأول من 2016، إضافة إلى تخصيص قطاع الملاحة الجوية تحت مسمى "شركة خدمات الملاحة الجوية" في الربع الثاني من عام 2016، فيما سيتم تخصيص قطاع تقنية المعلومات تحت مسمى “الشركة السعودية لنظم معلومات الطيران" خلال الربع الثالث من 2016.
كما تستعد السعودية لخفض مليارات الدولارات من ميزانيها، حيث تعمل على مراجعة خطط الإنفاق الرأسمالي وتأخير تنفيذ بعض المشاريع، وتشير التقديرات إلى أنه سيتم تقليص الإنفاق في العام الحالي بمقدار 382 مليار ريال سعودي، ما يعادل حوالي 102 مليار دولار ما نسبته 10%، وإلى جانب مراجعة إنفاقها الرأسمالي قد تؤخر المملكة تنفيذ بعض المشاريع الاستثمارية أو تقلصها لتوفير الأموال.
من ضمن الإصلاحات التي تجريها المملكة، تعهدها بخفض الزيادة في رواتب القطاع العام من 450 مليار ريال "120 مليار دولار"، لكنها لم تفصح إلا عن القليل من المعلومات عن الطريقة التي ستنفذ بها هذا التعهد في بلد يعمل غالبية أبنائه لدى الدولة.
ومن المتوقع أيضا تطبيق أول زيادة في أسعار الوقود منذ عشر سنوات، حيث إن اللجنة التي يقودها الأمير محمد بن سلمان أنشأت بالفعل مكتبا جديدا لإدارة المشروعات لضبط الإنفاق وخفض ميزانيات الإدارات الحكومية، بالإضافة إلى الالتزام بتطبيق ضريبة القيمة المضافة.
ولم تكتف المملكة بترشيد الإنفاق العام أو إرجاء مشاريع جديدة، لكنها لجأت إلى سحب أكثر من 80 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية منذ أغسطس/آب 2014، بل ودفعت الأزمات المتزايدة الحكومة السعودية نحو بيع سندات بقيمة 20 مليار ريال تساوي نحو 5.33 مليار دولار، وذلك لتغطية عجز الموازنة الذي من المتوقع أن يتزايد خلال العام المقبل.
ووفقا لما صرح به بعض المصادر الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم بشأن خصصخة شركة أرامكو، أن الخيارات المطروحة هي إنشاء شركة قابضة تجمع حصص أرامكو في الوحدات التابعة المشتركة في أنشطة المصب، منوها إلى أن الشركة القابضة هي التي يمكن إدراجها وليس أرامكو نفسها".
لكن هناك سابقة للبيع بالفعل هي شركة رابغ للبترول والبتروكيماويات "بترورابغ"، وهي مشروع مشترك بين أرامكو وسوميتومو اليابانية للكيماويات، وتبلغ حصة كل منهما فيها 37.5 في المئة، وتم إدراج أسهم بترورابغ بطرح عام أولي في بورصة الرياض عام 2008.
وأيضا ستعمل الحكومة السعودية على أن تحقق أرباحا من تحويل أصول غير مستغلة إلى شركات ستطرح أسهمها للبيع في نهاية المطاف، كمثال على ذلك إلى أرض مساحتها خمسة ملايين متر مربع على الساحل في وسط مدينة جدة مملوكة حاليا للدفاع الجوي، ناهيك أن الحكومة ستفرض ضرائب على استيراد بعض السلع مثل السجائر والتبغ.
أما التقرير السنوي للمؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق بالمملكة العربية السعودية، فقد أوضح أنه سيتم خصخصة قطاع المطاحن بالمؤسسة عبر تقسيمه إلى 4 شركات، يتم طرحها على القطاع الخاص والمستثمرين بعد استكمال البرنامج الزمني المعد لذلك، والمتوقع الانتهاء منه في نهاية هذا العام، وفق أسس تلتزم بموجبها تلك الشركات ببيع الدقيق بالأسعار الحالية، على أن تتحمل الدولة فرق الدعم عن طريق توفير سلعة القمح لتلك الشركات بالأسعار المدعومة.