تشكل المسألة الكردية في الشرق الأوسط أحد العناوين الرئيسية في المنطقة منذ أكثر من أربعة عقود.
بالطبع جذور هذه المسألة تعود إلى حوالي القرن مع تقسيم المنطقة وفقا لاتفاقية سايكس بيكو، وتوزيع الأكراد على أربعة كيانات هي العراق وتركيا وسوريا وإيران.
وتباينت ردة الفعل الكردية بين دولة وأخرى، وفي حين كان أكراد تركيا الأكثر حراكا وتمردا ضد إجراءات مصطفى كمال أتاتورك في العشرينيات والثلاثينيات، فإن المفارقة أن أكراد إيران استغلوا ظروف الحرب العالمية الأولى، وأعلنوا إقامة جمهورية مهاباد برعاية سوفيتية، غير أنه سرعان ما انقلب الروس عليهم ما سهل على الشاه أن يخمد ثورتهم ويطوي دولتهم.
على امتداد العقود اللاحقة توزع الحراك الكردي بين تركيا والعراق ولكن كان العراق العنوان الأبرز؛ حيث قاد الملا مصطفى البرزاني تمردا استمر لعقود، نجح في مطلع السبعينيات في انتزاع منطقة حكم ذاتي اعتبرت مكسبا تاريخيا للأكراد، غير أن العراق توافق مع إيران الشاه على الثورة الكردية فكانت اتفاقية الجزائر عام 1975 التي أخمدت الثورة الكردية في العراق.
من بعد ذلك استلم راية تصدر الأحداث أكراد تركيا عبر تشكيل عبدالله أوجالان لحزب العمال الكردستاني، الذي بدأ حربا مسلحة في منتصف العام 1985. وقد اتسع نطاق التمرد في التسعينيات ولم يتراجع إلا مع اعتقال أوجالان في العام 1999، وتبع ذلك فترات هدوء تخللتها فترات من المعارك المستمرة حتى اليوم.
لكن مرحلة التسعينيات كانت مرحلة أكراد العراق حيث فرضت القوى الكبرى منطقة حظر جوي فوق المنطقة الكردية في شمال العراق، التي باتت عمليا تحت حماية قوة المطرقة الدولية التي كان مقرها في تركيا.
وفي هذه الفترة أي من العام 1991 إلى العام 2003 تبلورت ملامح كيان كردي كامل مع تشكيل حكومة خاصة بكردستان العراق، كما انتخب مجلس نيابي وتشكلت قوات عسكرية وشرطة خاصة بالإقليم.
وعندما احتلت الولايات المتحدة العراق في العام 2003 تحول هذا الكيان الكردي لاحقا إلى جزء رسمي من الصيغة العراقية الجديدة تحت مسمى الفيدرالية. وأظهرت التجربة أن هذه الفيدرالية كانت "دولة" بكل معنى الكلمة وتصرفت كما لو أنها كيان مستقل عن الحكومة المركزية في بغداد. وتأكد ذلك من الموقف من استخراج النفط وتصديره والخلاف مع بغداد حول ذلك.
لكن مع بدء مرحلة "الربيع العربي" ولاسيَّما انفجار الحرب في سوريا، كان الأكراد على موعد مع بُعد جديد من مسألتهم تخص سوريا تحديدا. إذ إنه من أبرز نتائج الحرب الدائرة في سوريا هي نجاح الأكراد في السيطرة على مساحات واسعة من المنطقة التي يرون أنها تشكل غرب كردستان. وبالفعل فإن الأكراد السوريين بزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المؤيد لحزب العمال الكردستاني، باتوا يسيطرون على كامل الشريط الحدودي مع تركيا، الممتد من الحدود العراقية إلى نهر الفرات الغربي أي بطول لا يقل عن خمسمائة كيلومتر وأكثر، إضافة إلى منطقة عفرين حيث أعلن الأكراد حكما ذاتيا في كل هذه المناطق.
لكن المسألة الكردية التي شهدت هدوءا استمر حوالي الثلاث سنوات، سرعان ما عادت إلى الانفجار في خريف العام الماضي، أي منذ ثلاثة أشهر وبصورة عنيفة جدا كان مسرحها هذه المرة المدن الكردية، في ما يمكن وصفه بحرب مدن بين مقاتلي الكردستاني والجيش التركي. مع إضافة أخرى أن أكراد تركيا أعلنوا رسميا قبل فترة أنهم يريدون إقامة الحكم الذاتي في تركيا.
في اختصار للمشهد الكردي في الشرق الأوسط، فإن هذه المسألة لم تهدأ. وأينما وجد أكراد كانت تتحقق إنجازات خاصة بهم ولو على حساب وحدة وسيادة الدول. ولم تقتصر هذه التحولات على بلد دون آخر. وربما نرى بعد سنوات أن المشهد الشرق أوسطي الذي يتحدث الآن عن توازنات وصراعات بثلاثة أضلاع بين عرب وأتراك وفرس، قد يتحول إلى توازنات وصراعات مربعة الأضلاع.
عن صحيفة الشرق القطرية