طلب مني المنظمون أن ألقي كلمة لمدة ثلاث دقائق في جلسة افتتاح المؤتمر الثاني في نظرية المنهاج النبوي عند الشيخ عبد السلام ياسين في إسطنبول الذي ما لبث أن عطل بأمر من السلطات التركية (نزولا عند رغبة الحكومة
المغربية كما أشيع). لعلي تجاوزت الدقائق الثلاث بقليل، لست متأكدا، ولكن ماذا عساك تقول في ثلاث دقائق، الكثير، صدقوني. شكرت المنظمين على جهودهم وعلى مبادرتهم التي جمعت هذا الحشد في هذا الزمن الصعب. وقلت بمناسبة ذكر التغيير إن الكثير قد تغير منذ أن اجتمعنا ههنا في إسطنبول في المؤتمر الأول - في ديسمبر من عام 2012، إذ كنا حينها نحلق بتوقعاتنا في الآفاق وتحدونا الآمال أن يستكمل الربيع العربي دورته فيجرف من عالمنا العربي حكام الظلم والظلمات، وكانت القدس تبدو قاب قوسين أو أدنى، لأن الثورة العربية كانت تعدنا بإزالة من جثموا على صدورنا عقودا طويلة يسهرون في حراسة إسرائيل والحفاظ على أمنها.
وقلتُ ما أحوجنا في هذه المرحلة الحرجة، وقد أمست أوضاعنا فيما نحن فيه من صعوبة أحوال، أن يذكر بعضنا بعضا بما علينا من واجبات، ولعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" يلخص ذلك بأفصح العبارات. لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم لنا أن علينا واجب نصرة المظلوم من خلال الوقوف إلى جانبه بينما ننصر الظالم بردعه عن ظلمه ومنعه من التمادي فيه.
وذكرتُ أننا يجدر بنا اقتداءً بهذا التوجيه النبوي السامي أن نقف مع إخواننا الذي تعرضوا للظلم في كل مكان، ولا يجوز بحال أن ننأى بأنفسنا عنهم أو نتردد في الدفاع عن حقوقهم حفاظا على منصب أو مكسب، فمثلاً، حين يتعرض "إخوان مصر" للاضطهاد ينبغي علينا أن نعلن صراحة ودون مهادنة أننا اليوم كلنا "إخوان"، وحينما تتعرض حركة حماس في غزة لعدوان إسرائيلي غاشم فكلنا يومها "حماس"، وحينما يخضع كاميرون لابتزازات الطغاة الفاسدين في العالم العربي لينقض على الإخوان المسلمين في بريطانيا فكلنا نصبح حينها إخوانا مسلمين، وحينما تتعرض جماعة العدل والإحسان للشيطنة في المغرب فكلنا جماعة العدل والإحسان.
وأما الشق الثاني، المتعلق بردع الظالمين، فيستدعي منا ألا نجامل أحدا، ولا حتى إخواننا ورفاق دربنا، إذ يظلمون ويجورون، وذكرت مثالاً على ذلك حادثة تعرض المعلمين والمعلمات المتدربين والمتدربات في المغرب للضرب والتنكيل على أيدي قوات الأمن لمجرد احتجاج سلمي يطالبون فيه بحقوقهم، وقلت إننا لا يجوز بحال أن نتردد أن نقول لإخواننا الذين يتحملون المسؤولية عن ذلك، لأنهم في موقع المسؤولية، إن هذا لا يجوز بحال. فامتهان كرامة الإنسان وانتهاك حقوقه مرفوض ومدان ولا يقبل تبريره على الإطلاق.
وختمتُ كلمتي بالتحذير من أن تتحول مشاريعنا إلى مقدسات نتنازل في سبيل الحفاظ عليها عن الفكرة، فالفكرة هي المقدسة وما المشاريع سوى أدوات لخدمة هذه الفكرة، وإذا ما تحول المشروع إلى معول يهدم الفكرة، فتبا لهذا المشروع، وليسقط المشروع وتحيا الفكرة (أرجو ممن توفر له تسجيل للكلمة أن يزودني بها، مع الشكر الجزيل).
وبعد أن منع المؤتمر من استئناف أعماله ولم ينتصف بعد يومه الأول، سواء كان القرار أمنيا أم سياسيا، نقول لإخواننا الذين يحكمون اليوم في
تركيا، لم يكن ذلك عشمنا فيكم، وقد عهدنا لكم مواقف رفعتم بها رؤوسنا عاليا، انتصرتم فيها للمظلومين وتحديتم الظالمين. من الخطأً الجسيم أن تنصاعوا لضغوط من أي جهة كانت إذا كان المطلوب هو لجم الأفواه وتقييد الحريات. ولو كانت ظروف بلادكم لا تسمح بانعقاد مثل هذا المؤتمر، رغم أنه مؤتمر فكري علمي لا تحريض فيه ولا عدوان، كان ينبغي ألا توافقوا ابتداء على التئام شمله وقد توافد للمشاركة فيه المئات من خارج تركيا ومن داخلها. لم يكن من الحكمة أن توقفوه بعد أن بدأ مسيره وافتتحت أعماله. لقد أسأتم التصرف يا إخواننا، وخيبتم آمالنا. غفر الله لنا ولكم.