قالت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها إنه من السهل تصوير
الثورة المصرية، التي حلت ذكراها الخامسة يوم الاثنين، بأنها كانت قصة عن الآمال الكبيرة التي تبعتها خيبة وإحباط.
وتشير الافتتاحية إلى أنه "قبل خمسة أعوام كان ميدان التحرير حافلا بالحياة ومليئا بالمتظاهرين، وهو الآن دوار مغلق كئيب المظهر في وسطه راية، أما الرجال والنساء، الذين كانوا في تلك اللحظة المفرحة في الشوارع، فقد ظلوا في بيوتهم. وهناك البعض يدعم الرئيس عبد الفتاح
السيسي، أما من لا يدعمونه، فقد أصبح ثمن الاحتجاج غاليا جدا، يؤدي إلى السجن أو إلى أسوأ من ذلك".
وتستدرك الصحيفة بأن "أفعال النظام التي تشير إلى أن فكرة الثورة قد هزمت هي فكرة خاطئة، فحكومة السيسي تحكم عبر التخويف، فهي تحكم عبر الخوف؛ لأنها تسيء للناس وتعامل حتى نقادها اللطيفين بوحشية، وتحكم من خلال الخوف؛ لأنها لا تزال تبني شرعيتها على مظاهر القلق، التي كان يشعر بها الكثير من المصريين عندما كانت حكومة محمد مرسي على ما يبدو تميل نحو خلق نسخة إسلامية شمولية من الحكم".
وتلفت الافتتاحية إلى أن "ذكرى الثورة مخيفة بشكل عميق بحد ذاتها، كيف لا وقد بذل النظام المصري جهدا كبيرا في مداهمة المراكز الثقافية والنوادي والمنازل، الأمر الذي يهدف إلى تشويش حياة الذين يعتقد أنهم ناقدون للحكومة، ولكنهم لا يمثلون تهديدا حقيقيا".
وتتساءل الصحيفة: "لماذا يقوم النظام باعتقال الناس ووضعهم في السجون بطريقة وصفها صحافي مخضرم بأنها تمثل أسوأ قمع منذ عقود، أسوأ مما كان عليه الحال في عهد مبارك أو أي من أسلافه؟ والجواب جزئيا هو أن حكومة السيسي تستمر بتبرير دعايتها، وهي أسطورة أن مصر منخرطة في حرب كبيرة ضد الإرهاب والتطرف الإسلامي، التي يجب أن تنتصر فيها بأي ثمن، والتي تبرر من خلالها أنواع الإجراءات القاسية كلها. مصر تعاني من مشكلة إرهاب، ولكن الحكومة تبالغ وتزيد من سوء المشكلة بسبب سياساتها".
وتنبه الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، قائلة: "من خلال الخلط بين عدد كبير من الأضداد، وحشرها بتصنيفات الإرهاب الجماعي، والمتعاطفين مع الإرهابيين، ومن يساعد حمقهم الإرهاب على النمو، فإن النظام يتبنى مسارا يقف على طرف النقيض من المسار الذي يحقق نتائج جيدة في مثل هذه الأوضاع، إنه يستفز أيضا القيام بهجمات مضادة من الإرهابيين الحقيقيين، الذين ربما قاموا باستهداف ما تبقى من أعمدة الاقتصاد المصري، وهو السياحة".
وتعلق الصحيفة قائلة: "لكن يجب أن يكون الشك هو أن الخوف الحقيقي للنظام ليس من الإرهابيين، بل من قدرة النظام في النهاية على السيطرة على مجتمع غيرته تجربة ثورة عام 2011 وبشكل عميق، ولا يرغب بشكل أساسي بتقبل حكم نخبة صغيرة من العسكر والبيروقراطيين ورجال الأعمال المتحالفين معهم".
وتنوه الافتتاحية إلى الكتاب الصادر بعد أيام لمراسلها السابق جاك شينكر، الذي وثق فيه بعض الطرق التي تغير فيها المجتمع، التي يؤكد من خلالها نفسه، وليس على المستوى السياسي الرسمي، لكن على مستوى القاعدة، مشيرة إلى أنه "لهذا السبب خرجت نسبة قليلة للتصويت في الخريف للانتخابات البرلمانية، ولكن المزارعين المتمردين والعمال والمغنين الشعبيين والناشطات النسويات والناشطين يصنعون سياساتهم الخاصة من القاع".
وتذهب الصحيفة إلى أن "هذا قد يكون تقييما متفائلا، ولكن لا أحد ينكر أن النظام السياسي المصري منذ عبد الناصر، الذي يقوم على نخبة من العسكريين ورجال الأعمال، مع بعض الإصلاحات المحدودة، والمطالب بالطاعة، ويقوم بإدارة اقتصاد يقدم للأجانب أرباحا كبيرة، ويمنح العمال حقوقا أقل، ويلقى الدعم من الشرطة، التي تمارس سياسات قمعية، قد انهار".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول إنه "كان للنظام ملمح لطيف وأبوي، ولكنه لم يعد يظهر مع مرور السنين، وتغير المصريون، فالمعارضة الضيقة تتوسع، وعليه فإن الحكم المناسب على الثورة والثورة المضادة التي تبعتها هو أن كلاهما لا يزال معنا، ولهذا فإن القصة لم تنته".