نعى المخرج
المصري والنائب البرلماني خالد يوسف على صفحته على "فيسبوك" الكاتب المصري المعروف محمد حسنين
هيكل، الذي أعلن عن وفاته صباح الأربعاء، وقال في منشوره بطريقة "النثر":
يرحل "الأستاذ" ويأخذ معه عبق جزء عزيز من تاريخ مصر..
يرحل ويأخذ معه قبسا من ضوء القمر الهادي في صحراء يسيطر عليها ظلام دامس..
يرحل آخذا معه شعاعا من نور الشمس التي نتدفأ بها في شتائنا الطويل.
يرحل ويأخذ معه بعضا من ظل الشجر الأخضر الذي نحتمي فيه من أشعة الغباوة وضيق الأفق.
يرحل آخذا معه فيضا من نهر النيل كنا نرتوي وننهل منه شرابا طهورا يغذي العقل ويثري الوجدان.
يرحل ويأخذ معه حصنا من حصون الوطن التي كانت تحمينا من سهام الجهلة.
يرحل حزينا وهو يرى وطنه تغيب فيه الرؤية، وتحتار فيه البوصلة.. وترتبك فيه الأولويات، ويختفي فيه الرشد السياسي، ليحل محله ترسانة من الهواجس الأمنية التي تدير وتقود.
يرحل مهموما وسط محاولات إخفات للصوت الذي ردده شعب مصر "أمة عربية واحدة تناضل من أجل نفس الهدف ويهددها نفس الخطر وينتظرها نفس المصير"، وكان هو أحد أهم رموز هذا الصوت، وأعظم من كرس له عبر عقود، وكان أمينا عليه وحافظا له وناقلا له لأجيال وراء أجيال.
يرحل مستاء وهو يرى وطنه شاخصا ومتيقظا ومستنفرا إلى عدو غير عدوه..".
وأضاف يوسف، مدافعا عن وجهة هيكل بخصوص اليمن وسوريا:
"يرحل بعد أن بح صوته محذرا أن عدونا ليس في الجنوب الثائر (حوثيين اليمن )، ولا الإقليم الشمالي (نظام الأسد في سوريا)، إنما يقبع في البوابة الشرقية مسرورا ومنتشيا مما نصنعه بأنفسنا في أنفسنا.
يرحل كمدا وهو يرى أمته وقد استبد بها الجنون وتموج بصراعات طائفية ومذهبية عقيمة.
يرحل وهو ممتعض مما يرى من تحول دينه لرمز للإرهاب والعنف والتشدد، بعدما كان رمزا للسماحة والمحبة والسلام..
يرحل مغموما من تفضيل بعض أبناء الوطن الانتماء لتنظيم إرهابي يقتل ويدمر ويرهب على انتمائهم لوطنهم وشعبهم.
يرحل وهو مشدوه من تحول دور مصر التنويري وإثرائها للحضارة الإنسانية إلى مصر المصدرة لأفكار التطرف والجهالة والتخلف وبعض أصحاب الرأي وراء الأسوار.
يرحل مندهشا وهو شاهد على تحول بلاد منابع النيل وبلاد عربية شقيقة من دول ترى في مصر القائدة والمعلمة وصاحبة الأفضال إلى دولة صغيرة يتنافس معها هؤلاء الصغار، بل ويضيقون عليها منافذ الحياة، ومنهم من يطرح نفسه بديلا عن دورها القائد وتأثيرها الهائل.
يرحل غاضبا على تعالي الأصوات الكافرة بثورة شعبه ونضاله من أجل الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال الوطني والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، بينما المؤمنون بها يضيق عليهم وبعض منهم محبوسا أو مذموما أو مشهرا به.
يرحل محسورا بأنه لم ير شعبه حتى الآن وهو يذوق ثمار صبره وثورته، ويأخذ تعويضا لمعاناته، ويسترد حقوقه المسلوبة.
يرحل محاولا أن يغض النظر حتى لا يشاهد حالة الفوضى الإعلامية غير المسبوقة وتحول الإعلام إلى ضجيج بلا طحن، وعندما تحاصره المشاهد المؤسفة يرحل معترضا علي انتهاك القواعد المهنية ولمنظومة قيم آمن بها وأرسى مبادئها.
فهل لنا أن نحلم بأن يجيء اليوم الذي نكافئ روحه الهائمة هو وآلاف المخلصين الذين رحلوا، ونحقق لهم ولنا الحلم في الوطن الذي يليق بنا وبتاريخنا وبإسهامنا الحضاري..
ما زال لدي أمل يا أستاذ هيكل وأرجو ألا أكون واهما..".