لا أدرى كيف أبدأ رسالتي هذه، لكنى أتعجب إلى ما وصلت إليه المحروسة من هذا الانحطاط الخلقي والتدني الإنساني والاستهزاء بمصائر العباد وأرواح البشر في ذلك البلد المكلوم، لقد صدر الأربعاء الماضي 17 من فبراير 2016 من منصة القضاء العسكري حكم تشيب له الولدان وتسخر منه الجرذان، حيث قضت المحكمة العسكرية بغرب القاهرة، بسجن 116 شخصا بينهم طفل لا يتجاوز عمره الأربع سنوات في قضية أعمال شغب تعود إلى 2014، وقد نال الطفل أحمد منصور قرني الذى لم يتجاوز عمره الآن ثلاث سنوات ونصف لأنه شارك بأعمال شغب منذ عامين وحُكم عليه بالمؤبد، رغم تقديم هيئة الدفاع للضابط رئيس المحكمة شهادة ميلاد الطفل، ولكن الضابط أبى أن يسمع أو أن يقرأ وتعجل بإصدار حكم المؤبد على ابن الثلاث ربيعا ونصف.
ولي هنا وقفة، هذا الضابط الذى اعتلى منصة القضاء العسكري، وحكم على 116 متهما بينهم طفل لم يتعد عمره الأربع سنوات بالمؤبد، لهو دليل كاف على عدم اطلاعه على أوراق القضية، وبالتالي فهذا دليل جازم على أنها تهم ملفقة بالتأكيد، وأنه ليس عنده ضمير أو عقل قبل أن يخط بقلمه وقلبه الأسودين حكما كهذا، بل إن هؤلاء العسكر أصبح عندهم هاجس خوف من فقد السلطة التي استولوا عليها من الشعب المكلوم، فأصبحوا يطلقون أحكامهم على أفراد الشعب جُزافا دون دراية واعية عما سيصيبهم من شرر من وطأة هذه المظالم، ولا أقول إنهم لا يخشون الله، لأني أدرك تماما أن هؤلاء لا يعلمون أصلا أن لهذا الكون ربٌا يُمهل ولا يهمل.
لكن هذا الحكم الصادر من ضابط مُغيّب، وكذلك أحداث طغيان ضباط الشرطة وأمنائها في الأيام والأسابيع الماضية، هي ليست تصرفات فردية – كما يزعمون – ولكنني أزعم أن هذه حرب ممنهجة بين المؤسسة العسكرية والشُرَطية، لا ننسى أن العسكر قاموا بإشعال
ثورة 25 يناير حتى يتخلصوا من مبارك وأسرته، ويتجنبوا مشروع التوريث الذي أصرّت عليه الهانم "سوزان مبارك" وأبو جمال، واستطاعوا في الوقت نفسه التخلص من أقوى رجلين في
مصر؛ اللواء عمر سليمان "الشُرَطي" وكذا اللواء حبيب العادلي، حتى ينجلي لهم الطريق للاستيلاء على السلطة، ثم ما فتئوا أن تخلصوا من وقود وأيقونات الثورة بمؤامرة دنيئة، ثم وضعوا على قمة هذه المؤامرة الرجل الطماع - أغبى من في المجلس العسكري - الذى زجّ به مبارك في المجلس العسكري في نهاية عام 2010 كي يحميه من الجنرالات، ولكن السيسي نفسه وقع هو كذلك فريسة لهم، فقد استخدموه ليعتلي هذه المؤامرة ومنحوه أعلى الرتب العسكرية "مشيرا" حتى يغتر في نفسه، ومنحوه الرئاسة التي كان يحلُم بها في شبابه " تاج الجزيرة أو السلطانية في قول أدق".
والآن عادت الحرب تشتعل بين المؤسستين العسكرية والشُرَطية مرة أخرى مثلما كانت في نهاية ديسمبر 2010 ويناير 2011، الشُرطة تحاول الإساءة إلى النظام وإشعال حدة الاحتقان والكره للنظام الحاكم بما يفتعله ضباط وأمناء الشرطة من جرائم في حق الشعب، مستغلين وعد السيسي بأنه لن يُحاكم ضابطا أو جنديا على قتل أحد من أفراد الشعب، وقد صدق في وعده حتى الآن، وحتى الآن تم تبرئة كل الضباط والأمناء الذين قتلوا أفراد الشعب المصري قبل وبعد ثورة 25 يناير، تم تبرئة قاتلي السيد بلال خالد سعيد، و37 من معتقلي أبي زعبل داخل سيارة الترحيلات، وقتل طلعت شبيب داخل قسم شرطة الأقصر، والمحامي كريم حمدي بقسم المطرية، وبراءة الضابط الذى قتل خال الممرضة بدمنهور، بالإضافة إلى 19 حكما ببراءة المتهمين بقتل متظاهري ثورة 25 يناير، وكذلك إخلاء سبيل أُمناء الشرطة الذين أهانوا أطباء مستشفى المطرية، وأمين الشرطة المتحرش بامرأة داخل إحدى محطات المترو، وأخيرا الأمين الذى حاول اغتصاب امرأة بالمرج وعندما فشل سرق حقيبة يدها وفر، أما عن البراءات القادمة فستكون لقاتل سائق الدرب الأحمر باعتبارها قتلا خطأ أو دفاعا عن النفس، وغيرها من أحداث قتل الشعب اليومية بسلاح ميري من ضباط وأمناء الشرطة بالخصوص وأسوان وغيرها، وأصبح أمر البراءات الباطلة من الصعب إحصاؤه.
حتى هذه اللحظة لم يُقدّم إنسان واحد بتهمة قتل آلاف المعتصمين برابعة والنهضة، بل تم إصدار أكثر من 1742 حكما بالإعدام بتهم ملفقة على أبرياء من مناهضي الانقلاب على الرئيس الشرعي للبلاد، وبالفعل تم تنفيذ حكم الإعدام على سبعة من الأبرياء حتى الآن.
وأقول إلى أي هاوية تقود المؤسستان المتنازعتان هذه البلاد وشعبها، ولماذا يقف المجتمع الدولي صامتا أمام هذه الجرائم، بل وأضحى يدعمها، ولماذا يترك جنرالات العسكر هذا المهووس – السيسي - يدمر البلاد، هل هم يدفعونه لفِعل هذه الجرائم حتى يتخلصوا منه، ولماذا يتعاون الآن التوجيه المعنوي العسكري على تشويه الرئيس المُلهم الطبيب عبدالفتاح السيسي ومؤسسات الدولة، ولماذا ينطق الآن الإعلام – الخاضع للتوجيه المعنوي - بتشويه سُمعة الشرطة ونشر جرائمهم من سرقة السيارات والإتجار بالمخدرات واغتصاب النساء وسرقة الشعب !!! من الواضح أن لكل منهما مخططا للآخر ولكن للأسف الضحية هو الشعب، وإلى أي مصير يقود جنرالات العسكر البلاد إليه، وهل هذا نذير لانتفاضة أخرى يقودها العسكر ضد السيسي بشكل غير مباشر كما تم في يناير 2011؟ إن في جعبة الأيام المقبلة الكثير من الخبايا والأسرار لا يعلم منتهاها إلا الخالق، لكن {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}.