أدلى ملايين الناخبين
الإيرانيين بأصواتهم اليوم الجمعة في اثنتين من أهم
الانتخابات التي قد تغير موازين القوى داخل النخبة السياسية الحاكمة التي يهيمن عليها
المحافظون وقد تؤذن إما بعودة الخط الإصلاحي أو تشديد قبضة المحافظين على السلطة.
ويعتبر المحللون أن الانتخابات لحظة فاصلة قد ترسم مسار مستقبل الجيل القادم في دولة تقل سن نحو 60 في المئة من شعبها البالغ عدده 80 مليون نسمة عن الثلاثين.
وذكر التلفزيون الرسمي أن إيران مددت فترة التصويت لساعتين لشدة الإقبال على الإدلاء بالأصوات في الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء.
ونقل التلفزيون عن وزارة الداخلية قولها: "تم تمديد ساعات التصويت لساعتين حتى الساعة الثامنة" (16:30 بتوقيت جرينتش). وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها الساعة الثامنة صباحا (04:30 بتوقيت جرينتش) وكان من المقرر أن تغلق الساعة السادسة مساء (14:30 بتوقيت جرينتش).
ولاحت منذ بداية اليوم مؤشرات الإقبال على المشاركة في أول انتخابات تجريها الجمهورية الإسلامية منذ إبرام الاتفاق النووي مع القوى العالمية الست العام الماضي، والذي أدى إلى رفع العقوبات وخروج إيران من عزلتها الدبلوماسية والاقتصادية.
واصطفت طوابير طويلة أمام مراكز التصويت في العاصمة طهران، كما عرض التلفزيون الرسمي لقطات لأعداد كبيرة من الناخبين في الأهواز وشيراز، ولم يتضح مدى تأثير هذا الإقبال على تحديد النتائج.
ويصوت الإيرانيون لاختيار أعضاء البرلمان وعددهم 290 عضوا ومجلس الخبراء الذي يضم 88 عضوا ويمتلك سلطة تعيين وإقالة الزعيم الأعلى الإيراني، ويسيطر المحافظون على المجلسين في الوقت الراهن.
وخلال فترة ولاية مجلس الخبراء التي تمتد ثماني سنوات قد يختار خليفة لخامنئي الذي يبلغ من العمر الآن 76 عاما ويشغل المنصب منذ عام 1989.
وسيؤثر التيار المسيطر على البرلمان على قدرة الرئيس المعتدل حسن روحاني -والمقيدة حتى الآن- على الوفاء بتعهداته بإتاحة المزيد من الحريات والإصلاحات الاقتصادية وكذلك على فرص إعادة انتخابه في العام المقبل.
واستبعد مجلس صيانة الدستور -الذي يعين خامنئي نصف أعضائه وتعين السلطة القضائية المتشددة النصف الآخر- آلاف المرشحين من خوض الانتخابات التشريعية كما استبعد نحو 80 في المئة من الساعين لعضوية مجلس الخبراء من بينهم المعتدل حسن الخميني حفيد زعيم الثورة الإيرانية الخميني.
نتطلع إلى المزيد من الحريات
وانتظر الإيرانيون بصبر في طوابير طويلة خارج مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم ومن بينهم أسر بأكملها اصطحبت معها أطفالها الصغار.
وفي طهران، قال محشد أميري (33 عاما) وهو مهندس كان ينتظر دوره للإدلاء بصوته إن الإصلاحيين المتحالفين مع روحاني لديهم استراتيجية واضحة للتنمية الاقتصادية والانفتاح على العالم.
وأضاف: "نحن مع الحركة الإصلاحية ليس فقط لتوجهاتها السياسية بل أيضا بسبب النهضة والصحوة الدينية... نتطلع إلى المزيد من الحريات والثقافة والفنون وحقوق الإنسان وحقوق أفضل بكثير لنسائنا".
أما مارجوهان رانجباج (36 عاما) وهي أم لطفلين، فتفضل المعسكر المحافظ حيث قالت: "بحثت وقررت التصويت للمتمسكين بالمبادئ الثورية، هم الأفضل وهم يهتمون بتحسين معيشة الناس".
ويواجه مؤيدو روحاني -المناصر للاتفاقية النووية والمتوقع أن يرشح نفسه لولاية رئاسية ثانية- المحافظين المعارضين بقوة للتقارب مع الغرب.
وأكد روحاني أنه لن يألو جهدا في حماية أصوات الناخبين وضمان انتخابات سليمة ونزيهة وفق ما ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء.
وأورد موقع (كلمة) الإلكتروني التابع للمعارضة أن المشاركة في الانتخابات أعلى منها في الانتخابات السابقة دون أن يخوض في ذكر تفاصيل.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه الإصلاحيون المشاركة الواسعة في الانتخابات فرصة للتغيير، يراها المحافظون دعما شعبيا هائلا للنظام السياسي في الجمهورية الإيرانية ولتمديد الوضع القائم حاليا.
وقال رجل الدين المحافظ محمد يزدي الذي يرأس مجلس الخبراء: "المشاركة في الانتخابات إقرار بالموافقة على النظام الحاكم للبلاد".
هذا الشعب لن يهيمن عليه العدو بعد الآن
نقلت وكالة "فارس" عن المتحدث باسم السلطة القضائية ورجل الدين المتشدد البارز غلام حسين محسني أجئي: "حين يرى الغربيون مشاركة الملايين ستختلف حساباتهم بالقطع... سيكتشفون أن هذا الشعب لن يهيمن عليه العدو بعد الآن ولن يؤثر فيه أو يقمعه".
وذكر موقع (كلمة) أن رجل الدين المعارض مهدي كروبي أدلى بصوته للمرة الأولى منذ وضعه تحت الإقامة الجبرية عام 2011، في بادرة ربما تعزز وضع الإصلاحيين المقربين من روحاني.
وانتقل مركز اقتراع متحرك إلى منزل كروبي حيث يحتجز منذ خمس سنوات.
وكان كروبي ومير حسن موسوي الإصلاحي أيضا -وكلاهما في السبعينات من العمر- مرشحان للانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو عام 2009 وتحولا إلى رمزين للكثير من الإيرانيين ممن اعترضوا على نتائج الانتخابات التي يعتقدون أنها زورت بغية إعادة الفائز الرسمي فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى السلطة.
وقالت وزارة الداخلية الإيرانية يوم الأربعاء إنها ستسمح لكل الإيرانيين بالتصويت في الانتخابات.
ومن جانبه قال الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، المتحالف مع روحاني، إن الإيرانيين يدركون أن هذا هو "يوم القدر" مشبها إياه "بليلة القدر".
وعندما سئل عما يمكن أن يحدث إذا لم يفز الإصلاحيون قال: "ستكون خسارة كبرى للأمة الإيرانية".
ودعا رفسنجاني السلطات المشرفة على الانتخابات لحماية أصوات الناخبين وقال: "يجب أن تظهروا لشعبنا أن أصواتهم ستكون مصانة وفي أيد أمينة".
تحديد المسار
قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي قاد المحادثات النووية وهو يدلي بصوته في مسجد بشمال طهران، إن الإيرانيين سيستمرون في دعم السياسات التي تمخضت عن الاتفاق النووي.
وأضاف: "الرسالة التي توجهها هذه الانتخابات للمجتمع الدولي هي أن الإيرانيين يقفون بقوة وراء حكومتهم... سيستمرون في تأييد السياسات التي تم إقرارها وأدت إلى إتمام الاتفاق النووي وتنفيذه بنجاح وهذا سيستمر".
وقال شهود إن المئات هتفوا لحسن الخميني لدى وصوله للإدلاء بصوته في جاماران. كما حظي الرئيس السابق الإصلاحي محمد خاتمي باستقبال مماثل.
ودعا مؤيدو المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين الذين استبعدهم مجلس صيانة الدستور الناخبين إلى دعم حلفاء روحاني واستبعاد المحافظين.
وإذا طلب من مجلس الخبراء أن يختار خلفا لخامنئي فإن قراره سيحدد مسار الجمهورية الإسلامية لأعوام بل وربما لعقود مقبلة.
ولا يزال انعدام الثقة في الغرب سائدا وسعى المحافظون لتقويض مصداقية حلفاء روحاني باتهامهم بأن لهم صلات بقوى غربية.
لكن النظام السياسي في إيران -مهما كانت النتيجة- يضع سلطة كبيرة في يدي الزعيم الأعلى الذي يرأس مؤسسة محافظة تشمل مجلس صيانة الدستور والسلطة القضائية والحرس الثوري ووسائل الإعلام.
وقال مسؤول انتخابي إن فرز الأصوات سيبدأ مساء اليوم الجمعة، ومن الممكن أن تعلن النتائج في عدد من الدوائر الصغرى صباح السبت. ويتوقع إعلان النتائج كاملة مطلع الأسبوع المقبل.
لكن الصورة الواضحة عن الفائز الأكبر في الانتخابات قد تستغرق وقتا أطول مع قيام العديد من الأحزاب الصغيرة والمرشحين المستقلين بتشكيل تحالفات وإعلان ولاءاتهم.