نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" في بريطانيا تقريرا للكاتب غاي تشازان، يقول فيه إن فراس
الشاطر يستطيع بالكاد فتح عينيه، فقد أفاق منذ الساعات الأولى من الفجر، ليحضر مقابلة مع برنامج "صباح الخير" في التلفزيون الألماني، وتحاول القناة الإسرائيلية العاشرة ترتيب مقابلة معه، وقد دعاه الرئيس الألماني يواخيم غاوك إلى حفل استقبال.
وينقل التقرير عن الشاطر قوله إنه مجنون، مشيرا إلى مفكرته على شاشة الحاسوب الممتلئة بمواعيد المقابلات، ويقول إنه مشغول "من التاسعة صباحا حتى التاسعة مساء، دون توقف".
ويعلق الكاتب قائلا: "يمكن أن يكون الشاطر في طريقه ليصبح أكثر اللاجئين في ألمانيا شهرة، فقد حقق مشاهدات عالية على (
يوتيوب) لأول فيلم قصير عمله، حيث جذب 2.5 مليون مشاهدة، كما أن اسمه أصبح معروفا لدى الصحف الألمانية، ويطلب منه أن يعطي رأيه في إغلاق الحدود المقدونية أمام اللاجئين في برامج التلفزيون الحوارية، وقد طلبت عدة مستخدمات لـ(يوتيوب) الزواج منه".
وتصف الصحيفة الشاطر بأنه شاب في الرابعة والعشرين من عمره، وهو قصير القامة وممتلئ، ويلبس حلقا في شفته، وحليق الرأس ويطلق لحية، ولدى سؤاله عن سبب شعبيته، فإنه يقول: "هناك الكثير من الكراهية على الإنترنت الآن، والناس يحتاجون لمن يدخل السرور إلى قلوبهم".
ويعلق تشازان قائلا إنه "من الواضح أنه أدخل شيئا من الهزل إلى موضوع جاد جدا، وهو أزمة اللاجئين والحوار المحلي حولها، والفيديو الذي شهره هو عبارة عن ثلاث دقائق بعنوان (من هؤلاء الألمان؟)، حيث يقف معصوب العينين في ميدان ألكساندر بلاتز وسط برلين، ويحمل لافتة كتب عليها: (أنا لاجئ سوري، أنا أثق بكم – هل تثقون بي؟)، ومن يثق به يدعى ليعانقه".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الشاطر وقف في الميدان لمدة ساعة ونصف قبل أن يبدأ العناق، لكن بعد ذلك توالى عناقه وبكثافة، ويقول: "إن الألمان بحاجة إلى شيء من الوقت وبعدها لا شيء سيوقفهم، ولذلك فإن الاندماج سينجح في يوم ما".
ويضيف الشاطر للصحيفة: "إنها رسالة متفائلة في وقت كئيب، وقد تغير المزاج في ألمانيا منذ الخريف الماضي، عندما فتحت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل الباب على مصراعيه أمام اللاجئين من سوريا والعراق، في وقتها وقف الألمان في محطة ميونيخ للقطارات يستقبلون اللاجئين، ويوزعون عليهم الحلوى".
ويستدرك الشاطر بأن "اللاجئين استمروا بالوصول، حيث وصل العام الماضي فقط 1.1 مليون لاجئ، فامتلأت نشرات الأخبار بالتقارير حول المظاهرات المعادية للأجانب، وحول الهجمات وإشعال النار في فنادق اللاجئين، ودعوات السياسيين من حزب ميركل لوضع قيود على الهجرة، وعن الشلل السياسي، الذي أصيبت به بروكسل في هذا الموضوع".
ويورد الكاتب نقلا عن منتج
الأفلام الوثائقية جان هيليغ، الذي أنتج أفلام الشاطر، قوله إن الانقسام في ألمانيا حول اللاجئين "أسوأ منه حول جدار برلين"، ويضيف أنه "ليست هناك أرضية حيادية وعليك أن تختار، لكن في الحوار الدائر حول إيجابيات وسلبيات اللجوء، هناك طرف غائب تماما هو
اللاجئون أنفسهم".
ويقول هيليغ إن فراس الشاطر قد يستطيع تغيير ذلك "لقد فتح طاقة في الجدار، ويقول تعالوا وانظروا، وقد يساعد على تقريب الطرفين"، مشيرا إلى أن هناك عشرات التعليقات على "يوتيوب" و"فيسبوك" تطالب بعودة السوريين جميعهم إلى بلادهم، لكنهم أحبوا الفيديو في الوقت ذاته، ويقول: "لم يكن لدينا إلا عدد ضئيل من الكارهين والمتصيدين".
وينقل التقرير عن المعلق الألماني على الشؤون الثقافية بيتر ليتيغر، قوله إن أصالة الشاطر هي ما يجذب، وقال: "إنه بالتأكيد مر بالكثير، لكنه استطاع تغيير ذلك إلى شيء مسل"، مضيفا أن الشاطر يتميز بذكاء وظرافة تجعلانه شخصا محبوبا.
وتذكر الصحيفة أن الشاطر من سكان دمشق، وقد تعرض للتعذيب من نظام الأسد؛ بسبب تقارير الفيديو حول الحرب، مشيرة إلى أنه حضر إلى ألمانيا قبل عامين ونصف للعمل في شركة هيليغ "فيلمبيت"، وبعد أن وصلته تهديدات من نظام الأسد ومن تنظيم الدولة قرر البقاء هناك.
ويلفت تشازان إلى أن الشاطر يعترف بصعوبة التأقلم مع الحياة في ألمانيا، ويقول: "تعتقد أنك تستطيع أن تعثر على النقود في الحديقة أو تطبعها في البيت"، وعن صعوبة اللغة يقول: "إن الحياة أقصر من أن تستطيع تعلم الألمانية".
وينوه التقرير إلى أن فيديو العناق كان نتيجة طلب من منظمة خيرية أرادت رؤية أفلام ينتجها اللاجئون ويبرزون فيها، مشيرا إلى أن الشركة قامت منذ ذلك الحين بنشر أعمال تكميلية، بما في ذلك فيلم يظهر مجموعة من اليمينيين الذين يرتدون الأسود ويأخذون دروسا في كيفية لمس أول مولود لاجئ.
وتبين الصحيفة أن شركة "فيلمبيت" تتفاوض مع التلفزيون الألماني لعمل برنامج يقدمه الشاطر، حيث يجمع البرنامج بين ألمان ولاجئين يطبخون معا، كما أن الرجلين يعملان على كوميديا على شاكلة "بيغ بانغ ثيوري"، لكنها تبرز مجموعة من طالبي اللجوء عنوانها مبدئيا "كوكو ألمانيا".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الشاطر يعترف بأنه كان قلقا قبل التجربة في ميدان ألكساندر بلاتز، ويقول: "إنك لا تعرف إن كان أحد سيعانقك أو يضربك، لكنها تجربة كانت تستحق المغامرة؛ لإيصال الرسالة بأنه ليس الألمان كلهم عنصريون، كما أنه ليس اللاجئون كلهم يرغبون بتفجير المكان".