تجري الآن مغالطة كبيرة حول الموقف من قرار تصنيف
حزب الله كمنظمة إرهابية من قبل أنظمة عربية أبعد ما تكون عن مقاومة
الإرهاب بل هي مصدر تمويله واستعماله وينحرف النقاش عمدا كما انحرف منذ نصف قرن مستعملا
فلسطين مطية للتخوين والمزايدة.
وكعادة السجال السياسي القائم على المغالطة دفعت المواقف إلى (مع أو ضد) حزب الله والأصل هو أن يكون مع أو ضد الحرية للشعب السوري الممانع الحقيقي وحامي ظهر فلسطين والمقاومة منذ انطلقت قبل نصف قرن.
معركة الحرية في الأقطار العربية أولا:
نصف قرن من الحديث باسم فلسطين في انتظار تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو لخوض المعركة الفاصلة. لم يتحقق هذا التوازن لكن باسمه صودرت الحريات في بلدان المواجهة أولا وفي بقيه الأقطار البعيدة. أنبنى خطاب الأنظمة على تأجيل معركة
الديمقراطية والتنمية في الداخل إلى ما بعد تحرير فلسطين. ومحبة في فلسطين صمتت الشعوب العربية عن حريتها وصبرت على التضحية بالتنمية ورأت أوطانها تتحول إلى مزارع خاصة للأنظمة ولأسر الجنرالات في أغنى البلدان العربية بإمكانيات التنمية والقوة الاقتصادية المنتجة بالضرورة للمنعة السياسية(وهي التوازن الاستراتيجي الحقيقي مع العدو). كانت الأنظمة الأعلى صوتا مع فلسطين هي الأكثر قمعا لشعوبها. فلما اهتزت انكشف الفقر والخصاصة وتبين أن التجويع والتجهيل تقنية حكم متبعة بدقة وليست ضرورات معركة موجهة لتحرير فلسطين.
في الثورة العربية للقرن 21 عادت معركة الحريات إلى الواجهة. وفي قلبها رفعت الشعوب لا الأنظمة المتهاوية الشعب يريد تحرير فلسطين. البوصلة الشعبية التي لم تته أبدا عن شمالها عن قدسها عن الأرض المحتلة. فجوات الحرية القليلة كشفت معدن الشعوب وكشفت مطلبها ومركزية القضية فيه. هذه الشعوب هي التي صفقت للمقاوم دوما وقبلت جبينه وحذاءه. بقطع النظر عن خلفيته الأيديولوجية والمذهبية. هذه الشعوب لم تجمع على ضلال أبدا. لا جديد هنا من وقف مع المقاومة وقف مع معركة الحريات بينما وقف عدو المقاومة ضد الحرية وخربها لأنه أعرف الناس بضررها على عرشه ومنافعه المسروقة من خبز شعبه.(لا فرق بين نظام نفطي متخلف وبين نظام عسكري يزعم التقدمية ويعيش بكذبة الممانعة).
مصادرة وعي الشعوب وتبكيت ضميرها
لا ينكر إلا جاحد أن الشعوب العربية أسبق وعيا من الأنظمة في الدفاع عن فلسطين والأمثلة كثيرة.
فمنذ اتفاقية العار المصرية لم يقبل الشعب المصري الفقير أن يطبع ويتمتع بنتائج التطبيع المادية وهي معروضة عليه. والحركات القليلة التي قامت بها الأنظمة الغاشمة لتحرير فلسطين تحولت إلى باب غفران شعبي لدكتاتورية النظام وتجاوز عن سيئاته الداخلية. فالمهم هو خوض المعركة الصحيحة ولو بتأجيل الحريات. لقد مات صدام حسين بطلا لأنه ضرب إسرائيل وتناسى العراقيون ما الحق بهم من جور وعندما يلعن العرب النظام السعودي يستثنون الملك فيصلا الذي وضع النفط في المعركة وعندما يرون بشاعة نظام الجنرالات في الجزائر يغفرون لبومدين لأجل مواقفه القومية وعندما ينقدون نظام بورقيبة يذكرون نجدته للمقاومة الفلسطينية وفتح حضن تونس لها وهي شريدة بين مواني العالم. وفي العام المضطرب لحكم الإخوان في مصر لن ينكر إلا مغرض فتح أبواب غزة للعرب وتسليح حماس. الشعوب تعرف الصالح وتتحمس له وتنكر ما تفعله بها أنظمتها لكنها تغفر لها إذ يتعلق الأمر بفلسطين ومن هنا الحكم الآن على تغيير موقع حزب الله لموقعه في المعركة القومية. البوصلة الشعبية تعرف ما تريد. لكن بوصلة بعض النخب منحرفة. ومغرضة وتهرب من حقيقة مهمة أن الحرية في الأقطار هي باب الطريق إلى فلسطين.
يقوم إسناد النخب للأنظمة التي تزعم الممانعة (وأخصص على النظام السوري) على أن الشعوب ستخون المقاومة إذا سقط النظام وهي مصادرة تغفل وعي الشعوب الممانع الحقيقي والفعال. هذا باطل بكل المقاييس والوقائع تنقضه من الأساس. فالشعب السوري احتضن اللبنانيين يوم كان سلاح حزب الله موجها للعدو.(تمويلا وإيواء ورعاية حتى نهاية المعركة) ولم يكن ذلك بأمر النظام. القول بوطنية النظام وخيانة الشعب تبكيت لفطرة الشعوب السليمة. تجعل النظام هو المالك الحقيقي والوحيد للصواب السياسي والنضالي بينما الشعب جاهل وخائن ومستعد للبيع وقبض الثمن(ثمن فلسطين).
وأريد هنا أن أطرح تحديا على المثقفين خاصة وعلى عامة النخب المتحكمة في المشهد التونسي والتي وقفت فجأة وبلا مقدمات مع نظام بشار الممانع ومع المهمة القذرة لسلاح حزب الله. تعالوا نعرض على الشعب التونسي في استفتاء حر التطبيع مع العدو الصهيوني مقابل حل كل المشاكل المالية والأمنية التي يتخبط فيها. تعالوا نعرض على فقير في جبل عرباط مائة نعجة وولود مقابل أن يقول لحكومته افتحي سفارة للعدو في العاصمة.. أنا واثق من النتيجة. الشعب التونسي الأمي المجهل والمقموع منذ عقود سيقول يجوع الحر ولا يأكل بفلسطين والتحدي مطروح والاستفتاء مقنن بالدستور.
تقنية تحويل المعركة تقليد قديم وفاسد
ليس جديدا أن يتم تحويل النقاش من معركة الحريات الأساسية لكل مواطن عربي إلى معركة جانبية تحت يافطة الممانعة. فالمعركة ليست معركة ممانعة من عدمها بل معركة حرية أساسا. الحفر يكون هنا. هل تؤمن أيها الممانع أن الشعب الحر يمكنه أن يختار معاركه ويفرض توازناته الاستراتيجية معتمدا على حريته أم أنك توكل الأمر إلى نظام عسكري غاشم لفعل ذلك بديلا عن الشعوب وأنت ترى النتائج منذ نصف قرن. لديك وقائع إن أردت أن ترى أن النظام الرسمي العربي بشقيه النفطي والعسكري الغاشم لم يفعل ذلك بل حول القضية الفلسطينية إلى وسيلة دعاية لحماية نفسه يبيعها تحت الطاولة ويقبض فوقها استقرارا وسلما يمكنه من رقاب شعبه. وأنت ترى بأم عينك آخر الأمثلة نظام العسكر المصري الذي انقلب على الحد الأدنى الديمقراطي الأخذ في التشكل وحول التعاون مع الفلسطينيين إلى جريمة عقوبتها الإعدام في حين يعيد فتح سفارة العدو ويخنق غزة (2 مليون فلسطيني) ويجعل جيش مصر في حماية ظهر الأرض المحتلة من احتمال مقاومة. أنت ترى أنظمة النفط تضع الاحتمال الديمقراطي المصري الحامي لغزة واحتمال المقاومة اللبناني على نفس الخط و تحاربهما. فكيف يستقيم في ذهنك أن تسندها في مصر وتحاربها في
سوريا؟ هي منسجمة مع نفسها ومصلحتها بينما أنت ترقص بين المواقف كرقاص ساعة فاسدة.
أنت أيضا تخاف من الحرية. الحرية تختبرك فتخيفك. وتحب أن يقوم غيرك بمعركتك. الحرية مهما جاءت مقطرة تقطيرا ستعرضك على الانتخاب. وتجعل الناس تراك وتسمعك وتقيمك وتحسم فيك. أما في ظل الدكتاتورية فأنت محمي من الصندوق الخطر. هنا يصير شعار الممانعة مصلحة ضد الحرية. مصلحتك في أن تدوم معركة الكلام لتحرير فلسطين وفي معركة الكلام العالي أنت مدرب على الشعارات الكبيرة التي لا تساوي شيئا في الصندوق. منذ نصف قرن أنت تتمعش من الكلام الكبير الفارغ كطبول حرب لا تقوم أبدا ولا تتوقف عن القرع باسم التوازن الاستراتيجي مع العدو. ولكنك واقف قريبا ويا لسوء منقلبك أمام حقيقة ساطعة فدم الشهداء ما يمشي هباء والشعب السوري الذي ثار وحارب الدكتاتورية وحارب الدواعش وحارب الطائفية لن يعود إلى الوراء. كل ما في الأمر أن الثمن سيكون ثقيلا عليه. وأنت تساهم الآن في جعل ثمن حريته مرتفعا. وهو يراك ويصنفك في قائمة الأعداء.