قالت صحيفة "زود دويتشه تسايتنغ" الألمانية إنها اطلعت على
وثائق سرية لتنظيم الدولة، حصلت عليها الأجهزة الأمنية الألمانية عن طريق وسيط سوري، وتضمنت قوائم بالآلاف من أعضاء التنظيم، والإجراءات التي يعتمدها مع الملتحقين الجدد بصفوفه، والأسئلة التي يتم طرحها عليهم.
وقالت الصحيفة، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن الحصول على قوائم كاملة بأسماء مقاتلي
تنظيم الدولة، كان حتى وقت قريب مجرد حلم يراود أجهزة المخابرات في دول العالم، ولكن بفضل البيروقراطية الإدارية التي اعتمدها التنظيم، والفساد الذي بدأ يتفشى داخله، تحول هذا الحلم إلى حقيقة.
وقالت الصحيفة إن هذا التنظيم شهد تطورا كبيرا عبر الوقت، حتى أصبح يتصف بالبيروقراطية ويعتمد على المعاملات الورقية الرسمية. وبفضل هذا النوع من الوثائق، تم سابقا اكتشاف معلومات عديدة حول نظام العقوبات داخل هذا التنظيم، والتقسيم الإداري داخله، والإجراءات والمعايير المعتمدة لاتخاذ قرار مثل استئصال أعضاء "الأعداء" لإنقاذ حياة مقاتليه.
وذكرت الصحيفة أن المعلومات التي تسربت حديثا، وحصلت عليها ألمانيا، تتضمن قوائم بأسماء عشرات الآلاف من المقاتلين، الذين انضموا لتنظيم الدولة، مع ملف خاص بكل مقاتل. كما تكشف هذه الوثائق أن كل مقاتل أجنبي يخضع لاستجواب أثناء دخوله لمناطق سيطرة تنظيم الدولة، من قبل جهاز يشبه جهاز إدارة الحدود في الدول. وتتضمن هذه القوائم أسماء مقاتلين ألمان وآخرين من جنسيات أوروبية.
وأضافت الصحيفة أنها تمكنت بالتعاون مع إذاعتي NDRو WDR الألمانيتين من القيام ببحث في هذه الوثائق المسربة، التي تخص إدارة مناطق قرب الحدود السورية التركية وفي شمال العراق، وقد عكست هذه الوثائق درجة الفساد الذي أصبح يمثل مشكلة حقيقية داخل هذا التنظيم، حيث أصبحت ظاهرة بيع مقاطع الفيديو والوثائق بمقابل مادي شائعة جدا في سوريا والعراق، ورغم أن بعض هذه المعطيات المسربة قد حصلت عليها المليشيات الكردية أثناء المعارك، فإن أغلبها قام أعضاء من داخل التنظيم نفسه بسرقتها وتسريبها؛ طمعا في الحصول على مبلغ مالي كبير جراء بيعها لجهات أجنبية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الوثائق الجديدة تضمنت بطاقة استجواب تتكون من 23 سؤالا يقوم بالإجابة عنها كل مقاتل أجنبي لدى قدومه، وهي تتضمن الاسم الأصلي، والاسم القتالي الذي يريده كل شخص لنفسه، وتاريخ ميلاده، والتجارب السابقة التي يملكها في حمل السلاح، وعلاقاته داخل الشبكات الجهادية، وما إذا كان يريد القتال أو القيام بعملية انتحارية، والأطراف التي يجب الاتصال بها في حال وفاته.
واعتبرت الصحيفة أن هذه الوثائق المسربة تكتسي أهمية كبرى بالنسبة للقضاء الألماني؛ إذ إن حوالي 800 مقاتل من ألمانيا غادروا البلاد نحو مناطق سيطرة تنظيم الدولة في سوريا والعراق، بحسب إحصاءات مكتب الشرطة الفدرالية، وقد عاد حوالي ثلثهم إلى البلاد مؤخرا، وهم يخضعون الآن للتحقيق وجلسات الاستماع في المحكمة، وهذه الوثائق الجديدة ستلعب دورا حاسما في تحديد مصيرهم؛ ذلك أن أغلب هؤلاء العائدين نفوا أي صلة لهم بالتنظيم، والسلطات كانت عاجزة عن إثبات هذه الصلة، رغم أنها تعلم أنهم سافروا إلى مناطق سيطرة التنظيم، ولكن الآن ستتغير الأمور. وبالنسبة لأغلبهم، فإن وجود أسمائهم من عدمه في هذه الوثائق يعني الفرق بين السجن والحرية.
ونقلت الصحيفة في هذا السياق تصريح المتحدث باسم الشرطة الفدرالية الألمانية، الذي قال "إن هذه الوثائق على الأرجح صحيحة، وستساعد في التحقيقات القضائية الجارية، وتحديد أسماء من انضموا فعلا لتنظيم الدولة"، كما أكد وزير الداخلية توماس دي ميزيار أن "المحققين الألمان سيعتمدون على هذه الوثائق في تسريع التحقيقات، وضمان صدور أحكام مشددة ضد العائدين من صفوف التنظيم".
وأوردت الصحيفة أن من بين المعنيين بهذا الأمر شخصا ألمانيا من أصل تركي يدعى "كريم ب"، كان اسمه ضمن هذه القوائم المسربة، وهو رهن الاعتقال منذ أن عاد من سوريا، وقد وجهت إليه رسميا تهمة الانتماء لتنظيم مسلح. كما أن شخصا آخر يدعى "عبد الكريم ب" وزوجته "أنجيليك" تم القبض عليهما سابقا في مطار في تركيا وهما يحملان قنبلة، وتم توجيه اتهام لهما بالتحضير لعملية إرهابية وحيازة أسلحة بشكل غير قانوني، ولكن لم يتسن مع ذلك اتهامهم بالانتماء لأي تنظيم؛ نظرا لعدم وجود أي دليل، ولكن مع هذه الوثائق الجديدة أصبح الدليل موجودا.
واعتبرت الصحيفة أن عملية
التسريب، التي تعد غير مسبوقة في ضخامتها وأهميتها، تعكس حالة الارتباك التي يعيشها التنظيم، والصعوبات المادية التي يمر بها، ما أدى إلى تفشي الفساد داخله، خاصة مع تواصل القصف الذي يتعرض له من عدة أطراف في سوريا والعراق، وانهيار أسعار النفط التي كان يعتمد عليها كثيرا في موازناته.
وقد أدى عجزه على مواصلة دفع الأجور إلى مقاتليه -كما في السابق- إلى انشقاق كثير منهم ومغادرة صفوف التنظيم، مع استعداد هؤلاء لقبول الرشاوى وبيع المعلومات المتوفرة لديهم للأجهزة المخابراتية الأجنبية، وهو ما حصل في هذه الحالة التي مكنت المخابرات الألمانية من الحصول على هذه الوثائق الحساسة.