نشر معهد واشنطن للدراسات تقريرا لخبيرين أحدهما في الشأن
الإيراني والآخر في الشأن العسكري حول تفاصيل
التدخل الإيراني في
سوريا وعدد القتلى.
ووفق التقرير الذي اعتمد الأرقام الرسمية سواء لإيران أو مليشياتها، باستثناء المليشيات العراقية، فقد قتل أكثر من 1530 مقاتلا على الأقل في المعارك بين 19 كانون الثاني/يناير 2012 و 8 آذار/ مارس 2016. ويشكل مقاتلو
حزب الله اللبناني أكثر من نصف عدد هؤلاء الضحايا (878)، بينما يشكل الإيرانيون ربع هذا العدد تقريبا (342) معظمهم من الحرس الثوري، ويتوزع العدد المتبقي بين الأفغان (255) والباكستانيين (55). وبحسب الباحثين فإنه يجب اعتبار هذه الأعداد على أنها الحد الأدنى المطلق، نظرا إلى احتمال عدم إفصاح تلك الأطراف عن الأرقام الكاملة لعناصرها المشاركة والخسائر في صفوفها.
ويتناول التقرير تفاصيل التدخل الإيراني في الأزمة السورية، ففي البداية، أرسلت طهران عددا كبيرا من عناصر فيلق القدس، من ضمنهم أعضاء رفيعو المستوى؛ وقتل عدة جنرالات من الفيلق. ومع مرور الوقت، تضخّم انتشار فيلق القدس وأصبح مُجهدا على ما يرجح، بسبب مسؤولياته الأخرى في لبنان والعراق واليمن، الأمر الذي استدعى إرسال مسلحين من مشاة الحرس الثوري وقوات الباسيج (التعبئة الشعبية) إلى سوريا. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت إيران أن عناصر من مشاتها النظاميين من جيش الجمهورية الإسلامية ("آرتش") يخدمون حاليا كمستشارين في سوريا (ولكن لم يُبلّغ عن سقوط أي ضحايا بينهم حتى الآن).
ومنذ بدء الغارات الجوية الروسية في 29 أيلول/سبتمبر 2015، ارتفع عدد قتلى عناصر الحرس الثوري في سوريا ارتفاعا كبيرا، كما ارتفعت
خسائر الأفغان والباكستانيين. والمثير للاهتمام، وفق التقرير، أن خسائر حزب الله في المعارك انخفضت طوال هذه الفترة، ولكنها عادت وارتفعت إلى 26 عنصرا في شباط/فبراير. وارتفعت خسائر إيران أيضا في ذلك الشهر، وبلغت حدا أقصى هو 58 قتيلا. وقد سقط معظم قتلى الائتلاف الشيعي في شباط/فبراير، في أثناء فك حصار الثوار عن قريتي نبّل والزهراء شمال حلب.
ويقر التقرير بصعوبة تتبّع عدد القتلى بدقة.
ويخلص التقرير إلى عدة استنتاجات، أبرزها أن إيران لم ترسل سوى الحد الأدنى من القوة اللازمة للإبقاء على بشار الأسد في السلطة، لذلك لا يمكن القول إن إيران شاركت "بكامل قواها" عسكريا عندما يتعلق الأمر بدعم حليفها السوري. فباستثناء فيلق القدس الصغير نسبيا، لم ترسل إيران إلى سوريا سوى عدد قليل من مشاة الحرس الثوري البالغ عددهم 100 ألف عنصر، ومن جيش الجمهورية الإسلامية ("آرتش") البالغ عدده 350 ألفا.
ويرى الباحثان أن إيران تسعى إلى الحد من تعرضها للمخاطر ومن خسائرها عبر استخدام جميع وكلائها غير الإيرانيين، حتى في الحالات التي تكون مشاركة العسكريين الإيرانيين فيها أكثر فعالية. فاستخدام الوكلاء يتيح لإيران تعزيز علاقاتها مع المجتمعات التي يأتي منها هؤلاء المقاتلون وتوسيع خيارات بسط نفوذها في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يُحتمل أن طهران تحاول الحد من احتمال مواجهة ردود فعل محلية عنيفة - وبينما تشير استطلاعات الرأي في إيران دعما قويا لمحاربة تنظيم الدولة، إلا أن مساندة نظام الأسد لا تلقى قدرا موازيا من الدعم.
ويؤكد التقرير أنه في صيف عام 2015، عندما بدا أن مسار الحرب يتحول ضد الأسد، أقنعت طهران موسكو بضرورة التدخل، باستقطابها روسيا بشكل فعال كـ"قوة عُظمى حليفة" يمكنها توفير الدعم اللازم لإنقاذ النظام. وعلى الرغم من أن إيران زادت عدد قواتها في سوريا لوقت قصير خلال هذه الفترة، إلا أنها تمكنت من سحبها بعد أشهر قليلة، عندما بدأت قوة النيران الروسية التي غيرت قواعد اللعبة بمساعدة الائتلاف الداعم للأسد في التفوق مجددا على الثوار.
ويلاحظ الباحثان أن تزايد عدد الضحايا الإيرانيين الذين تم الإبلاغ عنهم في شباط/فبراير - بعد سحب الأعداد الإضافية التي أرسلتها إيران سابقا إلى سوريا ووقف إطلاق النار المفترض - يطرح عدة تساؤلات: هل تأخرت إيران ببساطة في الإعلان عن ضحايا المعارك في أثناء زيادة قواتها في سوريا بهدف التخفيف من الأثر المحلي لذلك؟ أمإ أن تزايد الخسائر كان نتيجة عوامل عسكرية، مثل التغير في قواعد الاشتباك أو زيادة وتيرة العمليات بالتزامن مع تكثيف التفاوض حول وقف إطلاق النار، وربما لخلق ضغط على الثوار؟ ما زالت الإجابة على هذه الأسئلة غير محسومة في هذه المرحلة، لكن الإعلان المستمر عن سقوط ضحايا إيرانيين - أُعلن عن سقوط ثلاث ضحايا في الأسبوع الثاني من آذار/مارس بالذات مثلا - يُظهر أن قوات فيلق القدس ومشاة الحرس الثوري ما زالت تقاتل في الميدان السوري.
ويرى الباحثان أن استراتيجية طهران في استخدام الحرب بالوكالة لإدارة المخاطر والحد من تدخلها المباشر في سوريا قد نجحت حتى الآن.
وإذا استمرت المعارك الواسعة النطاق، سوف يعتمد نجاح هذه الاستراتيجية في المستقبل على استمرار قدرة إيران على إيجاد وكلاء شيعة لاستخدامهم وقودا لمدافعها - للتخفيف من خسائرها الخاصة - وعلى حسابات روسيا حول التكاليف والفوائد؛ وفق التقرير.
وهذا أيضا يجعل من الصعب على نظام الأسد، الذي يفتقر للموارد البشرية الكافية، وعلى حلفائه الأجانب، الذين يتجنبون تكبد الكثير من الإصابات، استعادة الأراضي البعيدة عمّا تبقى من الدولة السورية، التي تسيطر الآن على الساحل والقسم الأكبر من الحزام المدني غرب البلاد. وبالتالي، من المرجح أن يستمر تقسيم البلاد الحالي إلى مناطق يسيطر عليها كل من النظام والثوار وتنظيم الدولة لفترة طويلة في المستقبل.