نشرت صحيفة "سلايت" الفرنسية تقريرا حول "الأخطاء" التي ارتكبها الغرب في حق
سوريا، منذ بداية الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بمزيد الإصلاحات في البلاد، ورأت أن الدور الغربي السلبي نتجت عنه مأساة، وصفها مراقبون بأنها الأسوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
واعتبرت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن جميع القرارات والخيارات التي اتخذها قادة الغرب خلال الأزمة السورية كانت خاطئة، وآخرها اتفاق وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة وروسيا. فقد استخفّ الغربيون منذ البداية بنظام
الأسد، وأكدوا أنه لن يصمد طويلا في وجه الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها من مدينة درعا السورية، تماما مثلما حدث مع الأنظمة السابقة في كل من تونس ومصر وليبيا.
ولم تتوان العواصم الغربية حينها عن التصريح بضرورة "رحيل الأسد" والقول بأن "أيامه أصبحت معدودة"، دون أن تعير اهتماما لواقع فرضته تركيبة المجتمع السوري، فسوريا تحكمها تقسيمات طائفية وتواجهها عقبات كبيرة تتمثّل أساسا في صعوبة توحيد المعارضة، وتشبّث النظام السوري بالسلطة واستفادته من دعم حلفائه الروس والإيرانيين.
وأضافت الصحيفة أنه من بين الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها الغرب والتي أدت إلى فشله في التعامل مع الملفّ السوري الشائك؛ هي تشبيهه ما حدث في ليبيا بما يحدث في سوريا، خاصة أن الأسد جابه الاحتجاجات الشعبية بالقمع الوحشي، على الرغم من تقديمه "تنازلات"، منها رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المئات من المعتقلين السياسيين، وهو ما دفع الغرب للتدخل من أجل تجنب تكرار السيناريو الليبي.
وتحدّثت الصحيفة عن أسباب رفض الولايات المتحدة للتدخل العسكري في سوريا، خاصة بعدما انتقد الرئيس الأمريكي "تفاخر" الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، بالتدخل العسكري في ليبيا إبان ثورة شباط/ فبراير، حيث اعتبر ساركوزي أنه تم جرّ الولايات المتحدة إلى هذا التدخل عبر حلفائها الأوروبيين. لكن اعتبرت أمريكا أن القتال في سوريا ليس من أولوياتها، وهي ليست مستعدة لخوض حرب جديدة على غرار العراق وأفغانستان.
كما وُجّهت انتقادات إلى كلّ من
روسيا والصين، على خلفية رفضهما، في مجلس الأمن، مشروع القرار رقم 1973، فرغم أن هذا القرار كان يهدف لحماية المدنيين من خلال إنشاء منطقة حظر جوي في ليبيا، ولم يتضمن أي دعوة لتغيير النظام، فإن موقف كلا الدولتين ساهم في إضفاء شرعية على قرار الأمم المتحدة المتعلّق بالتدخل الغربي في ليبيا.
وأفادت الصحيفة بأنه في ظلّ فشل التدخل المباشر في سوريا، بقي الغرب مترددا حول تسليح معارضي الأسد، لينتهي المطاف بفرض الاتحاد الأوروبي لحظر تصدير السلاح إلى سوريا، وذلك خوفا من وصول هذه الأسلحة إلى الجماعات المتطرفة، مثل جبهة النصرة التي تعدّ إحدى المجموعات التي تقاتل نظام بشار الأسد.
وفي ربيع سنة 2013، دعمت أمريكا رفع الحظر على السلاح، وبدأت بتمويل المعارضة، إلا أن هذه المماطلة ساهمت في إضعاف الجيش السوري الحر الذي تصدر مقاتلوه المعتدلون صفوف المعارضة عند اندلاع الثورة في سوريا.
وبيّنت الصحيفة أن رفض الجانب الأمريكي لفرض عقوبات على الأسد، على خلفية شنّه لهجوم كيميائي في سنة 2013 ضدّ شعبه، ما أودى بحياة حوالي 1400 مدني، بالإضافة إلى رفض مقترح إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا لحماية المدنيين، أو منطقة حظر جوي لمنع طائرات الأسد من قصف المدنيين، كانت كلها قرارات خاطئة. وعلى الرغم من إعلان فرنسا استعدادها "لمعاقبة" الأسد والتدخل لتدمير مخزون الأسلحة الكيميائية السورية، إلا أنها لم تحظ بدعم حلفائها.
وبالتالي، فإن قرار الرئيس الأمريكي القاضي برفض شنّ الهجمات على الأهداف العسكرية للنظام في دمشق، ساهم في فتح المجال لروسيا حتى تسيطر على الوضع في سوريا، وأدى لظهور عناصر تنظيم الدولة الذين استغلوا هذا الأمر.
واعتبرت الصحيفة أن الولايات المتحدة كانت السبب وراء ظهور تنظيم الدولة في أعقاب غزو العراق سنة 2003، كما أن الحرب في سوريا وإضعاف السلطة في العراق، ساهما إلى حدّ كبير في توسع تنظيم الدولة.
وأدى ظهور تنظيم الدولة إلى وضع الغرب أمام معضلة حقيقية تتمثل بين خياري القضاء على تنظيم الدولة، أو المطالبة بتنحي الأسد عن السلطة، أو القيام بالأمرين في آن واحد، وهو ما استفادت منه كل من روسيا وإيران، حيث دعمتا نظام الأسد واعتبرتا أن الأولوية حاليا هي القضاء على تنظيم الدولة.
وقالت الصحيفة إن روسيا، التي انخرطت عسكريا لدعم الأسد، وبحجّة القضاء على تنظيم الدولة، زادت من تواجدها العسكري في المنطقة، ووجّهت ضرباتها للمعارضة السورية بمساعدة كلّ من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.
وفي الختام، رأت الصحيفة أنه بعد عرقلة مشروع قرارات الأمم المتحدة حول سوريا لمدة خمس سنوات، وفشل محادثات جنيف الأولى والثانية، استطاعت روسيا في النهاية إضعاف المعارضة وتغيير المعادلة السياسية والعسكرية في البلاد.