على صفحات التواصل الاجتماعي، كلما تكلم أحد عن عمق المصيبة التي حلت بمصر بسبب الانقلاب العسكري وجسامة المهام والواجبات التي علينا كمصريين بلا استثناء أن نتحملها لنسترد الوطن، تلاحقك السخرية من بعض السطحيين البسطاء، مرددين مقولة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، دون أن يشرحوا لنا ما هي القوة التي يملكونها ولا أدواتها ولا مصادرها ولا خطواتها، وهل هو انقلاب عسكري آخر على الانقلاب؟ أم حرب عصابات؟ أم نزاع داخلي مسلح؟ أم أعمال نوعية عنفية هنا وهناك؟ وما تأثيرها وجدواها على المستوى العام؟
وهل منع أحد هؤلاء المرددين لهذه الكلمات من القيام بما يزعمونه ما دام ناجعا حسب رأيهم ؟ ولماذا لم يخلصونا من الانقلاب بعد مرور ثلاث سنوات بالقوة الخفية التي لم يفصحوا لنا عنها، إن كان لها وجود أصلا؟ ولماذا لم نرى تحققا لبعض النجاحات في هذا الاتجاه تثبت لنا نجاعة هذا الطريق؟ اللهم إلا إذا كانت هذه النجاحات هي بعض الانتقامات الفردية من بعض قوات الشرطة أو الجيش كضرب أو حتى قتل مرشد امنى سرى أو مخبر أو أمين شرطة أو أحد ضباط الداخلية. والتي يكون مقابلها الزج بمزيد من الشباب المتحمس إلى أتون التعذيب الوحشي أو السجن أو القتل.
وفى كثير من الأحيان تقوم بعض الأجهزة الأمنية التي أصبحت هي المسيطرة على الحياة في
مصر بتنفيذ مثل هذه العمليات بنفسها ولصقها بالثوار وتحديدا بالإخوان ويروح ضحيتها شباب تقى نقى.
ثم يتخذ منها الانقلاب زريعة لمزيد من البطش الداخلي وكذلك توظيفها على المستوى الوطني والمحلى والأجنبي ليسوق نفسه بوصفة أحد الشركاء الدوليين في محاربة الإرهاب والتي تطيل عمر بقاءه في السلطة مع غياب أي إنجاز حقيقي..
لقد أيدت ولازلت أؤيد استمرار الحراك الشعبي من مظاهرات وغيرها من الفعاليات بل شاركت في بعضها والتي أبقت على روح الثورة مشتعلة وتعلقت بها آمال المصريين ومحبيهم في الداخل والخارج وراهن عليها المحللون كرأس سهم في التعجيل بزوال الانقلاب، فهذه الأهداف التي حققتها ولاتزال تحققها تقع تحت عنوان واضح وواقعي وهو استمرار الحيوية الثورية والرفض والتحدي الشعبي للانقلاب على الأرض وإرسال هذه
الرسالة داخليا ومحليا وعالميا.
يجب أن نكون صادقين مع الله ثم مع انفسنا ومع الناس صرحاء واضحين حتى ولو وصمونا ممن يتبنون طريق العنف بالجبن أو الضعف فالأمر خطير لا يتحمل الهزل أو المجاملة أو العبث بأرواح خيرة الشباب أو مستقبلهم.
أقولها بصراحة ووضوح أن طريق العنف طريق فاشل في الوصول إلى إنقاذ بلدنا وأن تبعاته مزيد من العنف وخسارة الأرواح والحريات ومقدرات الوطن.
وفى المقابل أقولها بكل صراحة ووضوح أيضا إن أصحاب الموقف اللاعنفي عجزوا عن تحقيق نتائج ملموسة وفعالة في مواجهة الانقلاب دون أن اغفل أو أغمط حق الجهود القانونية والدبلوماسية والفعاليات الشعبية في الخارج في كثير من دول العالم في ذكرى المناسبات الثورية وفى مواجهة زيارات قيادات الانقلاب للدول الأجنبية.
لينا ألا نراهن فقط على عجز الانقلابين عن إدارة شؤن البلاد والانحصار الشديد في المجالات الاقتصادية والاجتماع والأمنية والسياسية سيؤدى ألا سقوط الانقلاب من تلقاء نفسه وسينفض معاونيه ومريديه من حوله بفعل إخفاقاته الشديدة والمتلاحقة، والحقيقة أن الذى ينهار مع كل يوم يمر والانقلاب قائم هو الوطن ومكانة الوطن ومقدرات الوطن.
وسأسمح لنفسي أن اقدم رسالة متواضعة، تحمل عدد من الواجبات الأساسية في طريق استعادة الوطن
أولا: لمن أوجه هذه الرسالة؟
1 - هذه ليست رسالة موجهه إلى فئة بعينها أو جماعة أو قوى أو لأفراد بأعينهم هذه رسالة لنا نحن المصريين جميعا أفرادا وجماعات بكافة عقائدنا الدينية وانتماءاتنا الحزبية أو الفكرية
2–وليست رسالة لمن تصلبت أفكرهم ولا للذين لا يعملون إلا لمصالحهم الخاصة أو العائلية أو الفئوية أو الحزبية فلا يرون الوطن إلا من خلال مصالحهم
3- ولست رسالة للذين لا يستطيعون الرؤية ابعد من مواطن إقدامهن ولا للمتعجلين الذين يريدون بناء وطن في يوم وليلة ولا من يعيشون أحلام اليقظة بعيدا عن الواقع الحقيقي وجسامة الأخطار والمسؤوليات
4- وليست رسالة لمن يريد طبخة جاهزة أو مسألة محلولة حيث أن ما سأطرحه هو خطوط رئيسية تحتاج لخطط وآليات وتفنن وابتكار وتعدد في الوسائل والأدوات.
5- وليست رسالة لم لا يريدون التنازل عن أمور تستوجبها المصلحة العامة وفى حدود الأرضية المشتركة بل يريدون تحقيق كامل شروطهم.
6- هذه الرسالة أوجهها للكبار في نفوسهم وعقولهم وقلوبهم، عظماء في تحمل الصعاب والصبر على الآلام وتجرع العلقم، أيا كانت أعمارهم.
7- هذه الرسالة لم يرى هذه الواجبات مترابطة متزامنة متكاملة مستمرة وبتوزيع أدوار وتنسيق بين شركاء الوطن يعمل على تحقيقها الأفراد كما تعمل على تحقيقها الجماعات.
ثانيا: الواجبات الأساسية لاستعادة الوطن..
1- أوجب الواجبات هي المصالحة الشعبية وهى أحد المسلمات والبديهيات فلا يمكن قيام وطن شعبه منقسم ولا أن يتحقق استقرار حكم لوطن شعبه منقسم ولن تتحقق تنمية أو نهضة بشعب منقسم،
وهذا المبدأ المتمثل في المصالحة الشعبية وإعادة اللحمة الوطنية يجب أن يكون عن إيمان واقتناع راسخ من الجميع فهو مبدأ استراتيجي وليس تكتيكي بعيدا عن الإقصاء أو الإرغام فالإقصاء أو القهر والإرغام عمره قصير وعاقبته وخيمة
وترسيخ هذا المبدأ يحتاج العقول المتفتحة والقلوب الكبيرة المستوعبة والنفوس الدؤوبة الصبورة لإقناع الأفراد والجماعات
بدءا من العلاقات الفردية بين المواطنين والحوارات الهادئة التي لا تعصب فيها ولا جرح لمشاعر الآخرين مرورا بالمسيرات التي عليها أن ترفع شعارات وعلم والوطن وتنادى بحرية كل الأحرار، دون تمايز أو تفريق
مرورا بصفحات التواصل الاجتماعي وسيادة لغة الود والمصالحة بين أبناء الوطن الواحد والكف عن خطاب الإقصاء والكراهية
وصولا إلى وسائل الإعلام التي يعول عليها الكثير في أن توقف لغة الفرقة والكراهية الشعبية وان تكون هي مصدر لبث الوعى وروح التعاون والتقارب والتسامح والتعايش بين أبناء الوطن الواحد، إن التعايش الشعبي المستوعب لجميع أطيافه هو عمود خيمة الموطن وليس احد أوتادها فقط.
2 - واجب رعاية المعتقلين والمختفين قصريا والذين طالتهم آلة البطش والتعذيب وأهليهم والدفاع عنهم أمام ما تسمى بالمحاكم وقيام مراكز ولجان حقوق الإنسان لتوثيق هذه الحالات استعدادا لساعة القصاص والتواصل مع الهيئات الدولية المعنية والشخصيات السياسية ووسائل الإعلام.
3 – العمل على استمرار الحراك الشعبي وتعزيزه وتوسيع الفئات المشاركة وصبغة بالصبغة الوطنية والمطالب الشعبية ويكون هدفه واضح وهو استمرار الحيوية والرفض والتحدي الشعبي للانقلاب على الأرض وتوصيل هذه الرسالة داخليا ومحليا وعالميا.
4- تعقب فساد النظام ومفسديه وإخفاقاته ومصائبه وجرائمه وتعريته وأرى أن ذلك يؤدى الأن بمستوى معقول ولم يبقى إلى الوصول به إلى فآت أخرى أحسنت الظن في الانقلاب على أن يكون الخطاب الموجة لها خلى من اللوم والشماتة أو الاستهزاء أو الاستعلاء بل خطاب الترحيب بعودة الصديق بعد غياب.
5 - السعي بين فصائل الثوار لوقف الخصومة والقطيعة والتراشق واستهانة كل فريق بالآخر أو محاولة التقليل من دوره فضلا عن إفشال عمله.. والقيام بالتوفيق بينهم فيما هو مشترك والسعي لتوزيع الأدوار وليكون عمل على هذا ا لمحور دائم ومستمر وليس موسميا ولا يقتصر على مبادرات دون آليات أو دون فاعلين وراءها حتى يوفروا لها النجاح.
6 - التوعية الشعبية بحقيقة ما يجرى في الحاضر وما سيأتي به المستقبل إذا استمر الحال على ما هو عليه وما هي البدائل المطروحة وهدفها الرئيسي أن تعيد للشعب تصالحه ووحدته وتلاحمه مستخدمين مختلف الوسائل وأرقها وأطيبها فنحن جميعا شركاء في الوطن.
7 - إعداد رؤى لتخليص البلاد من هذا البلاء والحفاظ على مقدرات الوطن وطرحها للحوار للجميع للتوعية والمشاركة في تحقيقها كل حسب طاقته وإمكاناته.
8 - إعداد البدائل لما بعد الانقلاب وطرحها للحوار إثراء للمعروض ومحاولة الاتفاق على ما يمكن أن يحظى بقبول الأكثرية حتى ولم يكن يحقق كل طموحاتنا أو يرضى جميع الأطراف وتجميع وإعداد الكوادر القادرة على إدارة شئون الوطن بعد زوال الانقلاب.
9 -الاهتمام بالمصريين بالخارج الذين فروا من بطش عصابة الانقلاب وتوفير احتياجاتهم من عمل وتعليم ورعاية والاستفادة من إمكاناتهم وطاقاتهم.
10- الاهتمام الكبير بالأجيال القادمة وخاصة الطلاب والأطفال تعليما وتوعية وتثقيفا فهؤلاء هم مستقبل مصر وقادتها.
11 – تنشيط العلاقات العامة مع الدول والشعوب لإيصال أصواتنا ونشر قضيتنا وحشد الرأي الرسمي والشعبي العربي والأجنبي لتأييدنا وتضيق الخناق على النظام القمعي لا على وطننا.
هذه الواجبات يمكن أداء بعضها فرادى أو جماعات وبعضها يتطلب التعاون والتكامل والتنسيق فلنضع أمام أعينا خريطة كاملة العناصر والصورة لأنها البداية والركيزة لاستعادة وطن تم اغتصابه ويتم نهب ثرواته وإهدارها باستخفاف وجنون.