رجح قانونيون وإعلاميون معروفون بولائهم لرئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي، أن يكون السجن هو مصير الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار
هشام جنينة، الذي أصدر السيسي قرارا مفاجئا بعزله مساء الاثنين من منصبه، زاعمين أنه صدر قرار من نيابة الدولة العليا بمنعه من السفر، واستكمال التحقيقات معه، بتهمة نشر بيانات كاذبة، من شأنها تكدير السلم العام، وإضعاف اقتصاد الدولة.
وأكد الفقيه الدستوري، الدكتور شوقي السيد، أنه إذا ثبت عدم صحة تصريحات المستشار هشام جنينة حول أن تكلفة
الفساد الإداري في
مصر بلغت 600 مليار جنيه فإنه من حق نيابة أمن الدولة العليا أن تحيله للمحاكمة الجنائية بتهمة الإضرار بالمصالح العامة للبلاد، ونشر وإذاعة إخبار كاذبة من شأنها بث الرعب والفزع بالمجتمع، وهي وقائع تمثل جنايات تهدد أمن الدولة الداخلي، على حد قوله.
وشدد على أن العقوبة في تلك الاتهامات تصل إلى السجن المؤبد، والعزل من الوظيفة، مضيفا أنه لا يجوز إحالته للمحاكمة إلا بعد وقفه عن العمل أو عزله، (وهو ما حدث) بعد فقدان الثقة به.
وفي السياق نفسه، قال رئيس قسم القانون الجنائي بجامعة عين شمس، الدكتور إبراهيم نايل، إن "جنينة" قد يتعرض للحبس، من 24 ساعة حتى ثلاث سنوات، إذا ثبت عليه إذاعته لبيانات كاذبة عمدا تكدر الأمن العام.
وأشار إلى أن المادة 102 من قانون العقوبات، تنص على "أن يعاقب بالحبس، وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها، ولا تتجاوز مائتي جنيه، لكل من أذاع عمدا أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة".
ووفقا لهذه المادة "تكون العقوبة السجن، وغرامة لا تقل عن مائتي جنيه، ولا تتجاوز خمسمائة جنيه إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب، ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى كل من حاز بالذات أو بالواسطة أو أحرز محررات أو مطبوعات تتضمن شيئا مما نص عليه في الفقرة المذكورة إذا كانت معدة للتوزيع أو الاطلاع".
ومغلبا هذا التوجه أيضا، قال رئيس محكمة المنصورة الابتدائية وعضو المكتب التنفيذي لحركة "قضاة من أجل مصر"، المستشار عماد أبو هاشم - في تغريدة على صفحته بموقع "فيسبوك": "احتمال سجن جنينة أقرب من طلوع شمس الغد".
وأكد أبو هاشم أن النظام في مصر "قد عقد النية على الإسراع قدما في التنكيل، والزج بجنينة في غياهب السجون في أى من البلاغات الكيدية التي تلاحقه منذ وقع الانقلاب على الرئيس مرسي؛ لأنه بإقالته يكون غير خاضع لقانون محاكمة الوزراء الذي يخضع له من يشغل منصب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات".
وكان عضو المكتب الفني لوزير العدل السابق أحمد الزند، المستشار شادي موسى، توقع قبل أسابيع، سجن "هشام جنينة"، قبل 25 كانون الثاني/ يناير الفائت.
وشارك موسى عبر "جروب" خاص بأعضاء السلطة القضائية، حمل اسم "نادي القضاة"، على "فيسبوك"، مقطع فيديو للمستشار جنينة، يعلق فيه على بيان "لجنة السيسي"، بالقول: "بيقولك إنه هيعلق (على الاتهامات الموجهة إليه وقتها) بعد 25 يناير.. ليه هو ميعرفش أنه هيبقى في السجن قبل 25 يناير"، بحسب تعبيره الذي يكشف أن نية نظام السيسي كانت منعقدة على إقالة "جنينة" بالفعل.
مفرح: العزل باطل لهذا السبب
لكن الناشط الحقوقي، أحمد مفرح، وصف قرار السيسي بالقرار الباطل، والتعسفي.
وكشف مفرح أن قانون الجهاز المركزي للمحاسبات قانون خاص، وأن المادة 25 منه تقف حائط صد ضد إقالته، مشيرا إلى أن سلطة الرئيس في عزل رؤساء الأجهزة المستقلة والرقابية تخضع لرقابة القضاء الإداري، للتأكد من عدم مخالفة القانون أو عدم التعسف في استعمال السلطة.
بكري يطالب بمنعه من السفر
إلى ذلك، نقلت تقارير إعلامية عن مصدر قضائي قوله إن نيابة أمن الدولة العليا برئاسة المحامى العام الأول المستشار تامر الفرجاني، قررت، الاثنين، منع رئيس الجهاز المركزي السابق من السفر، على خلفية البلاغات التى تحقق النيابة فيها.
ولوحظ أن إعلاميي السيسي كرروا مسألة ضرورة منع جنينة من السفر.
وطالب الإعلامي المقرب من الجيش، مصطفي بكري - في مداخلة هاتفية، ببرنامج "أنا مصر"، عبر الفضائية المصرية - أجهزة الدولة بمنعه من السفر، والتحقيق معه في الاتهامات الموجهة إلية.
وزعم بكري أن جنينة ارتكب العديد من المخالفات لصالح جماعة الإخوان الإرهابية، وأنه شوه صورة الدولة المصرية في الخارج، وأنه أساء لمؤسسات الدولة، وفقد الثقة والاعتبار، ولم يعد يصلح لرئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات خلال الفترة المقبلة.
قائمة طويلة من اتهامات إعلاميي السيسي
وطالت الاتهامات الموجهة إلى جنينة، الواردة على ألسنة الأذرع القانونية والإعلامية والسياسة لنظام السيسي، وشملت قائمة طويلة تضمنت تسريب وثائق لجهات أجنبية.
وأعلن المحامي المقرب من السلطات، سمير صبري، أنه تقدم بعدد من البلاغات يتهم فيها جنينة بتسريب وثائق لجهات أجنبية من بينها قناة "الجزيرة القطرية"، وأخري وثيقة الصلة بالمخابرات الأمريكية.
وتابع في مداخلة مع برنامج "90 دقيقة"، عبر فضائية "المحور"، أن أبرز بلاغاته، التي قدمها للنائب العام، يتهم جنينة بالتشكيك في نزاهة أجهزة الدولة، والفساد الـ"وهمي"، مدعيا أن ما اقترفه جنينة يضر باقتصاد البلاد، ويهدد أمن وسلام واستقرار الدولة، ويحارب الاستثمارات، والسياحة.
المزاعم نفسها كررها الإعلامي أحمد موسى، في برنامجه "على مسؤوليتي"، عبر فضائية "صدى البلد"، إذ زعم أن ما نشره جنينة، بشأن تكلفة الفساد غير صحيح، وترويج لشائعات وأكاذيب ضد الدولة.
واتهمه بأنه خان الأمانة، وعمل إجراءات أضرت بالمصالح العليا للبلاد، واستولى، وعاملون معه في الجهاز، على أراض بالدولة.
وتابع اتهاماته: "أخفي العديد من الأوراق الخاصة بالجهاز، وقام بتسريبها لقناة الجزيرة، وقنوات الإخوان"، وفق تعبيره.
وأضاف: "هشام جنينة في المصيدة بسبب الكلام الفارغ اللي قاله منذ عدة شهور، واتهامه للدولة بأن فيها فسادا 600 مليار جنيه، وترويجه للأكاذيب منذ تعينيه إبان حكم الرئيس محمد مرسي".
أما رئيس مجلس إدارة وتحرير "اليوم السابع"، خالد صلاح، فقال إن رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، تعمد الإضرار بمصلحة مصر، مضيفا: "هذا الرجل جان، ونحن نشهد على ذلك، وأن الاتهامات الموجهة له صحيحة، وأن مصيره سيكون المحاكمة".
وأضاف في برنامجه "على هوى مصر"، عبر فضائية النهار، أن حجم الاتهامات التى تواجه "جنينة" كبير للغاية، وأنه سيخضع للتحقيقات بسبب كذبه وتزييفه للمعلومات.
ومجلس النواب ضد "جنينة"
وبرغم أن قرار السيسي بعزل جنينة من منصبه قد استبق أعمال لجنة شكلها "مجلس نواب ما بعد الانقلاب"، لفحص تصريحاته حول الفساد، إلا أن عددا من أعضائه دافع عن قرار عزله، بل ودعا إلى محاكمته.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "مصر بلدي"، السيد فراج، إن إعلان "جنينة" وصول حجم الفساد في مصر إلى 600 مليار جنيه أمر بالغ الصعوبة، وأظهر أن البلد "خرابة".
وزعم عضو جبهة "الإنقاذ" السابق، جمال زهران، أن هشام جنينة "ينتمى للإخوان واتهمه بالخيانة العظمى، فيما قال النائب إلهامى عجينة: ميوله إخوانية تستهدف هدم الدولة.
أما حزب "مستقبل وطن" فادعى أن جنينة سعى لتشويه مصر عبر تصريحاته المغلوطة عن الفساد.
هشام بدوي.. "بعبع" الإخوان
إلى ذلك، أطلق إعلام السيسي، الوصف السابق، على المستشار هشام بدوي، المحامى العام الأول لنيابات أمن الدولة الأسبق، ونائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي أصدر السيسي قرارا جمهوريا، بتعيينه قائما بأعمال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، عقب إعفاء المستشار هشام جنينة من منصبه.
وأضاف الإعلام أن بدوي بدأ عمله في النيابة العامة، وتخصص في قضايا الإرهاب والتجسس وإهدار المال العام، وتولى مسؤولية التحقيق في قضايا نظام مبارك المتعلقة بإهدار المال العام والاستيلاء عليه عقب ثورة 25 يناير، كما حقق في قضية شركة سلسبيل عام 1992 المتهم فيها محمد خيرت الشاطر، وحسن مالك، وجمعة أمين، ومحمود عزت، من قيادات الإخوان.
وأشرف بدوي أيضا على تحقيقات قضية خلية حزب الله عام 2009، وقضية "عبدة الشيطان"، وقضايا التجسس بعد الثورة، وقضية ضابط الموساد الإسرائيلي إليان المعروفة إعلاميا بـ"جاسوس الاتصالات"، والأردني بشار أبو زيد، المتهم بالتجسس لصالح الموساد في القضية رقم 146 لسنة 2011.