اعتبر الكاتب والصحافي البريطاني المعروف
ديفيد هيرست أن
تنظيم الدولة ليس سوى عملية "حرف للأنظار عن الصراع الحقيقي في المنطقة".
وقال هيرست في المقال الذي نشره موقع "هافينغتون بوست" الأمريكي واطلعت عليه "
عربي21" إن "تنظيم الدولة يمثل حرفا للأنظار عن النضال الحقيقي في المنطقة، ألا وهو التحرر من الدكتاتورية وولادة حركات ديمقراطية حقيقية".
ورآى أنه "طالما لا يوجد حل ديمقراطي حقيقي في الشرق الأوسط فسيستمر تنظيم الدولة بالانتقال من طفرة إلى طفرة مثل الجرثومة التي تطور مناعة ضد المضادات الحيوية في الجسد السياسي للشرق الأوسط، وكلما غيرت من شكلها تصبح أكثر سُمية وأكثر فتكاً".
وتطرق هيرست إلى التصريحات التي أدلى بها الملك الأردني عبد الله الثاني في لقاء خاص مع أعضاء الكونجرس الأمريكي في كانون الأول/يناير الماضي، وتسربت مؤخراً، وقال بأن الملك قد "شرح السياسة الأمريكية في
سوريا وقطعها إرباً، وتساءل الملك: أين تقف أمريكا مما يجري في سوريا؟ هل ترغب الولايات المتحدة في التخلص من تنظيم الدولة أم تريد فقط التخلص من الأسد؟".
وانتقد هيرست التسريبات المنسوبة للملك التي هاجم فيها تركيا، وقال: "من المؤكد أنه لم يكن تصرفاً حكيماً، حتى من وجهة نظر الأصدقاء، أن يهاجم الملك حليفاً للأردن في وقت يجد هذا البلد المثقل بأعباء الديون وباللاجئين نفسه في أمس الحاجة إليه".
وأشار هيرست إلى أن هذه الانتقادات الموجهة لتركيا شبيهة بما قاله محمد دحلان المستشار الأمني للشيخ محمد بن زايد خلال ندوة في بروكسل عُقدت قبل فترة.
ونقل هيرست عن دحلان قوله: "كل حركة الإرهاب في سوريا جاءت عبر تركيا، وأنتم تعلمون ذلك. ولكنكم لا تعيرون ذلك اهتماماً، لأن لديكم مصالح سياسية. أو ليس لدي تفسير لماذا يحدث ذلك. أنا لستُ ضد تركيا، ولكني ضد عدم الكشف عن حقيقة أولئك الذين لا يواجهون
داعش، الذين يزودونها بالتسهيلات المالية، ويتاجرون معها بالنفط أو يهربون إليها الأسلحة".
ولفت هيرست إلى أن "دحلان أثار في تلك الندوة نقطة، هي بوضوح نقطة أيديولوجية تتعلق بالدين والسياسة في بلد مسلم. حيث وصف موطنه الجديد، دولة
الإمارات (البلد الذي يُعذب ويعتقل معارضيه ويمول الانقلابات العسكرية في مصر والتدخلات الخارجية في ليبيا والاغتيالات في تونس) بأنها واحة للسلوك الليبرالي، ففيها كنائس ومساجد وشواطئ. وقال دحلان: (هناك تنمية وهناك عناية بالناس، ولذلك، نعم، إذا أردنا أن نبني مستقبلاً، علينا أن نستخدم نموذجاً ناجحاً)".
واعتبر هيرست بأن الانتقادات الموجهة لتركيا "ليس فقط بدافع أنها تمول تنظيم الدولة وتزوده بالسلاح، وإنما أيضاً لأنها تراها نموذجاً بديلاً للنماذج السياسية السلطوية في المنطقة".
واعتبر هيرست أن الهجوم على تركيا من قبل أناس يُفترض أنهم من الحلف نفسه معها في سوريا إنما يكشف عن أهداف وأجندات متباينة ضمن هذا الحلف، وفي المقابل فإن الحلف المشكل من روسيا وإيران وحزب الله أكثر تماسكاً وله هدف واحد وهو بقاء النظام، وقال إن "بوتين يرى سوريا من خلال عدسة حركات التمرد في الشيشان وداغستان وطاجيكستان".
ويعتقد هيرست أنه لا التحالف المؤيد للأسد سينتصر ولا التحالف المدعوم من قبل السعودية سينتصر، مشيراً إلى أن النتيجة الأكثر احتمالاً هي "تجزئة البلاد بشكل دائم إلى دويلات طائفية تماماً كما جرت تجزئة العراق بعد الغزو الأمريكي".
وأضاف: "من الممكن اعتبار هذا الخيار بالنسبة للقوى الدولية اللاعبة في سوريا هو الخيار الأقل سوءاً. فبذلك سيكون الأردن والإمارات ومصر قد نجحوا في وقف ذلك الأمر الخطير المسمى تغيير النظام. وستكون السعودية قد نجحت في وقف إيران وحزب الله. أما روسيا فستكون لها قاعدتها البحرية وسيكون لها موطئ قدم في الشرق الأوسط".
وتابع: "لا يوجد فيها سوى خاسر واحد في هذا الصراع، إنها سوريا ذاتها. سوف يصبح ما يقرب من 5 ملايين سوري منفيين بشكل دائم. وستدفن قيم العدالة وتقرير المصير والتحرر من الاستبداد".
وانتهى إلى القول: "يمكن أن تتعلم القوى الأجنبية دروساً من تاريخ المنطقة، ومن هذه الدروس أن الشرذمة والتجزئة تقود إلى مزيد من الفوضى. إن المنطقة بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى المصالحة وإلى مشاريع مشتركة وإلى الاستقرار، ولن يأتي ذلك من خلال خلق كيانات طائفية مدعومة من قبل قوى أجنبية".
وأضاف: "سوف يستمر النضال والصراع وسوف تستمر الفوضى إلى أن تتمكن شعوب المنطقة من تحطيم الأغلال وتعيد اكتشاف روح ميدان التحرير".