أكد المستشار ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض السابق في
مصر، أن المعركة من أجل العدالة واستقلال
القضاء لم تنته بعد، بالرغم من قرار عزله مع آخرين من سلك القضاء، ضمن ما يُعرف بـ"مذبحة
القضاة الثانية".
وأوضح دربالة، في مقابلة خاصة مع "
عربي21"، أن قرار عزل قضاة "تيار استقلال القضاء" لا يعني نهاية المطاف في التصدي لتوغل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، مؤكدا استمرار سعيه مع زملائه لإعادة الحقوق إلى أهلها، كما قال.
وكان مجلس التأديب الأعلى للقضاة قد أصدر حكما نهائيا في 28 آذار/ مارس الماضي، بإحالة 33 قاضيا للتقاعد، على خلفية شكوى "قضاة بيان
رابعة"، التي رفعها وزير العدال المقال أحمد الزند ضدهم، بسبب إصدارهم بيانا عقب الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، طالبوا فيه الشعب المصري بالتمسك بالدستور والقانون والاستحقاقات الانتخابية التي شاركوا فيها. وقد تمت تلاوة البيان خلال اعتصام ميدان رابعة المؤيد للرئيس محمد مرسي، وهو ما دفع لتسميته بـ"بيان رابعة".
وفيما يلي نص الحوار:
* هل انتهت رسالتكم بعد قرار عزلكم وإحالتكم للمعاش؟
- إطلاقا، القصة لم تنته بعد، منظورنا لهذه القضية، وعزلنا عن طريق مجلس التأديب، وبعد مطالعتنا للأسباب، واضح جدا أن المسألة لا تتعلق بالأشخاص بقدر ما هي تتعلق بالتوجه والدور الحقيقي للقضاة، وماذا يجب على القضاة أن يفعلوا. هل عليهم فقط (تطبيق) ما يُشرع من قوانين وما يوجه لهم من قضايا، دون القيام بدورهم في الدفاع عن الحريات وحقوق الناس، ونقض القوانين التي تنتقص من هذه الحريات، والتصدي لأي اعتداء على استقلال القضاء، سواء بالانتقاص من اختصاصهم، أو اصطناع محاكم استثنائية؟ هذا هو لب المسألة.
* كيف يمكن أن تقوموا بهذا الدور وقد سلبت منكم المنصة؟
- دورنا لم يكن على المنصة وحدها، فالمنصة عندما تعرض علينا القضايا، ولكن دورنا الأساسي والأكبر خارج المنصة، سواء كنا في العمل العام في نادي القضاة أو قضاة أفرادا، وما تغير بعد المجزرة الثانية بحق القضاة، أننا أصبحنا قضاة سابقين، وما يزال يهمنا الشأن القضائي، وما نزال نتطلع إلى أن يستعيد كرامته ورسالته الأصلية، في الدفاع عن الحقوق والحريات، وأن يكون هو الضمانة لمجمل الحياة السياسية والاقتصادية.
* من هو تيار الاستقلال؟
تيار الاستقلال هو الذي يرى أن دور القضاء الأساسي منوط به الدفاع عن الحريات والحقوق وكرامة الناس، واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وتحرير القاضي من سياسة العصا والجزرة.
* هل قرار العزل نهائي؟
- من وجهة نظري الشخصية، قانون السلطة القضائية منذ 2006 ألغى نهائية الحكم وعدم جواز الطعن عليه؛ وبالتالي، فباب الطعن مفتوح أمام محكمة النقض، وهناك محاولات تجرى بكل الطرق المتاحة لتقديم الطعن، لكن توضع أمامنا عراقيل حتى لا نستطيع أن نقدم الطعن بالنقض على الحكم الصادر ضدنا، كالامتناع عن تسليمنا صورة رسمية من الحكم وفق ما تقضي به نصوص القانون، التي توجب على المحكمة التي أصدرت الحكم -مجلس التأديب- أن يسلمنا صورة رسمية مؤشرا عليها لتقديمها لمحكمة النقض وفق قانون المرافعات خلال أسبوع.
* وإلى أين وصلتم؟
- تقدمت بأكثر من طلب حتى الآن، وفي كل مرة أفاجأ بأن الأمر يحال لمجلس القضاء الأعلى، بالرغم من أنه غير مختص بهذا الأمر؛ فالقانون يخاطب مجلس التأديب الذي أصدر الحكم، وهو يمتنع عن هذا.
* هل هذا القرار موجه ضد قضاة بيان رابعة أمام قضاة تيار الاستقلال؟
- اعتقادي الشخصي، أنه لا يمكن أن تكون محض مصادفة أنه خلال بضعة أيام من شهر آذار/ مارس يتم عزل القاضي زكريا عبد العزيز، رئيس نادي القضاة السابق، ويُعزل 15 قاضيا من تيار الاستقلال، ويعزل 33 قاضيا في أعقابهم، ثم يعزل المستشار هشام جنينة، فالعنصر المشترك في القصة أن بين هؤلاء ثمانية من أعضاء نادي القضاة في انتفاضة القضاة في 2006، ورئيس النادي نفسه، و33 قاضيا ممن شارك في الاعتصام إبان تلك الأزمة.
أعتقد بشكل لا لبس فيه أن الأجهزة والأنظمة والثورة المضادة -التي آلت لها مقاليد ثورة 25 يناير- لم تنس هزيمتها أمام مجلس إدارة نادي القضاة آنذاك، حيث كان يُعَد لمذبحة تصدى لها الرأي العام والإعلام وقوى المعارضة التي تعاطفت مع القضاة، واعتبرت أن بقاء تيار استقلال القضاء يؤذن بانتفاضات أخرى ربما تؤدي لهبات شعبية.
* السؤال الذي يطرح نفسه: لِمَ لم ينتفض القضاة لمهنتهم والتزموا الصمت؟ لماذا قعدوا الآن؟
- في أعقاب 3 تموز/ يوليو، شُنت حملة شرسة، كان مهندسها وصانعها، بالاتفاق مع الأجهزة الأمنية، أحمد الزند وزير العدال المقال، الذي قام بصناعة قضايا لعدد كبير من القضاة تسارعت خلالها التحقيقات، واتخذت إجراءات شديدة القسوة على القضاة، منها قضية قضاة بيان دعم الشرعية الدستورية، وقضية قضاة من أجل مصر1 و2 و3، ومنها بعض القضايا الأخرى الفردية.
كل هذه القضايا أحيل فيها كثير من رجال القضاة للتحقيق، ومُنعوا من السفر، وحرموا من مستحقاتهم المادية، ونقلوا إلى أماكن بعيدة، وعزلوا من مناصبهم، وأصبحوا مهددين بالمحاسبة الجنائية، ووجهت لهم اتهامات جنائية، كل هذا كان مقصودا لذاته لتوصيل رسالة "إرهاب وترهيب وخوف"، وأن من سيرفع صوته سيكون من المؤكد تحت هذه المقصلة.
* هل هذا سبب كاف لهذا الصمت برأيك؟
- أرى أن ركون القضاة أو استسلامهم للخوف أو الصمت هي كبيرة من الكبائر، لكنها صُنعت بهذا الشكل بدعم وتأييد من الأجهزة الأمنية المختلفة، وأصبح كل قاض، مهما كان حجمه ومنصبه وخبرته ومكانته، يدرك أن قصاصة صغيرة من أمن الدولة يمكن أن تزج به في متاهة ونفق مظلم.
السب الثاني، أنهم لم يكتفوا بصناعة الخوف، بل صدروا المشهد بأكبر اختراع أساء للقضاء، وهز ثقة الجميع فيه، وهو دوائر الإرهاب التي كانت باختراع أحمد الزند والقاضي نبيل صليب رئيس استئناف القاهرة، من خلال اختيار قضاة معينين للنظر بقضايا بعينها، قضاة معروفون تماما لدى مجمل القضاة في مصر، وأصدروا الأحكام التي شهدها الناس، والتي نُقض الكثير منها، ويجب أن يُحَاسبوا ويسألوا عليها، لأنها تنال من كفاءتهم العلمية وصلاحيتهم لتولي ولاية القضاء.
* إذن.. مارست السلطة الابتزاز والترهيب والترغيب مع القضاة؟
- صُوِرَ للقضاة فكرة "أنت موظف بمرتب كبير"، إذا أردت أن تستمر في تلقي هذا الراتب وهذه المميزات والمكافآت، فعليك أن تتجنب كل ما من شأنه أن يأتي لك بمتاعب. هو بالفعل نوع من الابتزاز والإكراه.
أحيلك إلى التقرير الذي أعدته الأم المتحدة منذ سنوات عديدة، الذي ذكر أن الدولة والسلطة المستبدة بشكل عام في الدول الشمولية تلجأ لطريقين للسيطرة على القضاء، إما بإجزال العطاء للقضاة وأن تعطيهم مزايا عينية مادية، وإذا حادوا عن الطريق أُغلق الصنبور وقتر عليهم وأمسك عنهم العطاء. وهذه طرق معروفة استخدمت على نطاق واسع فيما مضى.