إن ايران دولة قائمة على أسسها النظرية والوطنية والإسلامية وتتكون سياستها الخارجية من العوامل الوطنية والقبلية والإسلامية والدينية والمذهبية والطائفية والاقتصادية والسياسية والجغرافية والقيادية لكن عندما تأتي الخيارات بين المشاكل والأزمات والحروب الداخلية والخارجية فهي تعمل على الخيارات الوطنية تحت مظلة الدوافع الدينية (ينظر بيان رئيس
إيراني 14 من مارس في 2016 حيث قال إن إيران ستتدخل في أي منطقة الأرض إذا تعرض الشيعة المقيمون في تلك المنطقة للعدوان).
إن السياسة الخارجية الإيرانية تظهر منه الفخر الجيلي الإيراني حيث إنها تريد الاعتراف من الآخرين لصلاحيتها القيادية في المنطقة وأنها بعد الثورة الإيرانية دولة خاصة من نوعها في العالم وتريد منافسة المملكة العربية السعودية نظرا الى حصول القيادة بين البلاد الإسلامية (بوسائط مختلفة مثل أشد الحرب الكلامي مع إسرائيل وإصدار فتوى من خا منئي ضد سلمان رشدي).
ومن السياسة الإيرانية الخارجية أنها تفضل أمن الدولة على فكرها الديني الخاص، فمثلا
الهند من حلفائها المتميزة لذلك ترجح الميل الى جانبها وفي مثل هذه المواقف أنها تفدي أصدقائها ومؤيديها ومحبيها وشيعتها غير الإيرانية ومن المؤكد أن إيران تبيع شيعتها في الدول الأخرى عند الضيق مما يتحول إلى كربلاء جديد وتدعم يزيدها ويقتل حسينها ثم تبكي...
نظرا إلى الماضي، علينا أن نعي أن إيران وقفت مع روسيا في ماضيها بدلا من الوقوف مع تركيا المسلمة وفي وقت كانت أمريكا تساعد السعودية فان إيران كان تجادلها وبكل قوة وحتى استخدمت فكرتها الدينية الخاصة ضد السعودية لكن حينما قررت أمريكا التخلص من السعودية فعادت إيران إلى طريق الصداقة الأمريكية، وكذلك في الحرب الطائفية في أفغانستان، كانت إيران أكبر عدو طالبان والقاعدة لكن لاحقا تراجعت عن طريقها هذا وعادت الى صداقة جزء من حركة طالبان وجزء من القاعدة وتمولهما منذ ذاك الحين.
إن السياسة
الباكستانية الخارجية متغيرة على مدار الحكومات فمثلا الرئيس زرداري الأسبق كان يؤيد أكثر دولة الإمارات العربية المتحدة لأنه شخصيا كان يرغب في فرص التجارة هناك لذلك كان لا يستطيع الرفض لأي طلب يجيئ من هذه الجهة، والجنرال مشرف الرئيس السابق أيضا كان يميل إلى بعض الدول العربية وكان يعمل معها مثل تعامل زرداري مع الإمارات، أما نواز شريف وعمران خان فإن أولادهما يعيشون في بريطانيا لذلك لم نجد أنهما يقولان كلمة واحدة ضد بريطانيا أبدا.
إن باكستان من حلفاء أمريكا من أول يومها والإيران أكثر منها حتى الثورة الإيرانية التي غيرت علاقات إيرانية أمريكية إلى نوع من الشجار والجدال. وأثناء الحرب الباردة، اعتمدت أمريكا على باكستان كثيرا لكن باكستان لم تسمح لها استخدام أراضيها ضد إيران بأي شكل كان، وهكذا تعاملت في قضية صينية. وقامت باكستان ببذل الجهود الكثيرة لتطبيع العلاقات بين أمريكا وإيران، والصين وأمريكا وحتى كانت إيران تستخدم السفارة الأمريكية في إسلام آباد للتواصل مع أمريكا.
لكن من سوء الحظ، بعد ظهور طالبان ودعم باكستان وبعض الدول العربية وأمريكا لها وظهور حزب حركة الاتحاد الشمالية ودعهمها من إيران والهند وروسيا، بدأت العلاقات تتغير بين باكستان وإيران ذلك أن الأثر الهندي الثقافي التجاري القائم في أفغانستان حاليا هو بفضل الإيران وأن الهند تستخدم أراضي إيرانية للتواصل مع الجهات الهندية الناشطة في أفغانستان ومن ناحية أخرى هو تأسيس منطقة مدينة جوادر الباكستانية كميناء تجاري للمنطقة وبالتالي فإن الإيران تريد بقاءها بكونها محطة تجارية وحيدة فمن الطبيعي أن تأسيس الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني يؤدي إلى إزعاج كل من بريطانيا وأمريكا والإيران والهند.
ومن أجل كل هذا، الجواسيس الهنود من أجهزة المخابرات الهندية جاؤوا ويعيشون فترات في الإيران ويحملون أسماء إسلامية ويدخلون من هناك إلى أراضي بلوشستان الباكستانية ومنهم أحد الذي ألقي القبض عليه قبل بضعة أيام، (كلبهوشن يادو) والذي كان يستخدم اسم "حسين مبارك".
إن الاتحاد الإيراني الهندي ضد باكستان قائم وموجود ونشيط منذ سنوات حيث أشير إليه في كثير من المنتديات الصحفية والحلقات والبرامج التلفزيونية وتحليلات مقروءة في الإعلام الباكستاني وأتلقى تهديدات وشتائم من قبل جهات باكستانية مؤيدة لإيران. إن كلبهوشن كان يترأس شبكة الجواسيس الهنديين في إقليم بلوشستان الباكستانية الذين تم تعيينهم لأجل إفشال خطة الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني ولفشل مشاريعه التقدمية، إن هؤلاء الجواسيس اتخذوا الأراضي الإيرانية مقرا لهم وأنهم كانوا يستلمون الأوامر من مكتب أجهزة المخابرات الهندية في الأراضي الإيرانية كما أكدت المصادر على تدريب البلوشيين المفسدين في الهند وذهابهم وعودتهم عبر الحدود الإيرانية وأكدت المصادر الرسمية في الجيش الباكستاني على حمل هؤلاء الجواسيس للجوازات السفر الإيرانية.
أدى هذا القبض الى أن يتحدث الجنرال (راحيل شريف) قائد الجيش الباكستاني مع الرئيس الإيراني الذي زار باكستان في زيارته الرسمية قبل أسابيع واستفسر منه عن هذا الأمر وبفضل بيانه واستفساره استطاع الكثير من الصحفيين الحديث في القضية فنوقشت جملة وتفصيلا..
ولا يمكن رفض محاولات باكستان لإقامة العلاقات الأخوية مع الإيران وخاصة في الحرب الإيرانية العراقية، حينما حثت الدول الخليج الحلفاء لباكستان على دعم باكستان للعراق لكن باكستان رفضت وبصعوبة شديدة ألا يتدخل في هذه الحرب بين البلاد المسلمة، ثانيا إن إيران دعمت حكومة كارزائي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م علنا وبصراحة وهذه الحكومة أثارت المشاكل الكثيرة لباكستان لكنها احتملت كلها باسم التعاون والإخاء بين البلدين الشقيقين وتجنبت باكستان من إظهار جميع مشاكله المثيرة بسبب السياسة الإيرانية. ليس فقط هذا، بل الإيران لم تخسر أي فرصة لاتهام باكستان، أحيانا علنا وأحيانا سريا، وحتى في قضية جند الله، حاولت الإيران كثيرا لإيجاد أي صلة بين جند الله وأجهزة مخابرات الباكستانية حينما ألقوا القبض على "عبد المالك ريجي" قائد جند الله وبذلت المخابرات الإيرانية لاعترافه بهذه الاتهامات لكنهم لم ينجحوا فيه.
إن العالم كله يعرف ويؤكد على أن إيران لها أجهزة المخابرات الخبيرة القوية لذلك لم تنجح أي مؤامرة داخل البلاد أبدا، الأمر يعود إلى العدوان الإيراني الأمريكي حينما أعدت إيران نظام مخابراتها العالي للحفاظ والأمن من شر أمريكا في العصور الماضية والعالم يعترف بامتيازات المخابرات الإيرانية التي تم تأسيسها وتدريبها لمواجهة أمريكا. بعد كل هذا، لماذا لم تنجح المخابرات الإيرانية فيما كانت تفعله الهند في أراضي إيرانية منذ سنوات، هذا سؤال الذي يزعج باكستان وشعبها.
يمكننا القول نهائيا إن من حق باكستان قول ما يواجهها من عدوان ومؤامرات هندية وأن إيران عليها ألا تقلق من حق باكستان لبيانه الذي يعبر عن مشاكله. وكذلك من حق باكستان أن تطلب من إيران عدم التعاون العدواني الهندي ضد باكستان على الأقل إذا كانت لا تستطيع دعم باكستان بناء على الحرية الوطنية الإيرانية نظرا إلى التعاون المقدم من قبل باكستان للتصالح بين أمريكا وإيران في الماضي.
* كاتب من باكستان - إسلام أباد