كيف كسر المرشح الديمقراطي المحتمل بيرني
ساندرز، سيناتور ولاية فيرمونت، القواعد غير المكتوبة في
الانتخابات الأمريكية؟
الجواب هو انتقاده لإسرائيل، وفي مكان تجمع
اليهود في
نيويورك، في مناظرة تلفزيونية مع المرشحة الديمقراطية المحتملة هيلاري
كلينتون، التي يتنافس معها على الفوز بولاية نيويورك الأسبوع المقبل.
وتعليقا على الموضوع، فقد نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للكاتب إيد بيلكينغتون من نيويورك، قال فيه إن المناظرة التلفزيونية ليلة الخميس كانت "مكهربة"، من خلال سلسلة من النقاشات الحادة، مشيرا إلى أن من بين هذه النقاشات التي كانت لحظة تاريخية في سياسات الانتخابات الرئيسة: خلاف المرشحين حول إسرائيل ومستقبل الفلسطينيين.
ويعلق الكاتب بأن المراقبين للسياسة في نيويورك، والموقع البارز لليهود فيها، عبروا عن دهشتهم عندما تحدث ساندرز بشكل مفتوح ومباشر عن مأساة الفلسطينيين في الوقت الذي انتقد فيه الطريقة غير المناسبة التي رد فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استفزازات حركة حماس.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن رسالة ساندرز لم يطلقها أبدا أي مرشح من مسرح الانتخابات الرئاسية، حيث إنه في أثناء النقاش لم يصف ساندرز نفسه بأنه يهودي علماني، وألمح إلى تراثه عندما قال: "قضيت أشهرا من حياتي عندما كنت طفلا في إسرائيل"، وكان حذرا من وصف نفسه بأنه "100% مؤيد لإسرائيل".
وتستدرك الصحيفة بأن ما هو غير مألوف في تدخله أنه قام بكسر القواعد غير المكتوبة، التي حافظ عليها المتنافسون على الرئاسة الأمريكية ولعقود طويلة، وهي أن يؤكد المرشحون التزامهم بدعم إسرائيل، والصمت حول الجانب الفلسطيني في الطرف الآخر من معادلة الشرق الأوسط.
ويلفت بيلكينغتون إلى أن ساندز قام بتحطيم هذا الاعتقاد، وتحدث طويلا عن مأساة الفلسطينيين في غزة، التي تصل فيها نسبة البطالة إلى 40%، حيث إن الفضاء عبارة عن "بيوت محطمة ونظام صحي هالك ومدارس هالكة، وأعتقد أن الولايات المتحدة وبقية العالم يجب أن يعملوا معا لمساعدة الشعب الفلسطيني".
ويورد التقرير أن محرر شؤون الولايات المتحدة في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية شيمي شاليف، وصف تصريحات ساندرز بأنها لحظة خارقة للعادة في حملات الرئاسة الأمريكية، خاصة أن تعبير المرشحين الرئاسيين عن تعاطفهم مع الشعب الفلسطيني يظل أمرا نادرا، لافتا إلى أن الشخصين الوحيدين اللذين اقتربا من تقديم تصريحات متعاطفة، هما جيمي كارتر في عام 1976، وباراك أوباما عام 2008، لكنهما لم يذهبا إلى الحد الذي ذهب إليه ساندرز في الحديث مباشرة أثناء الحملة الانتخابية، وكتب شاليف: "كان كارتر وأوباما حذرين، حيث تحدثا عن الحاجة لتحقيق السلام، كونه شرطا لأمن إسرائيل، وليس أمرا متعلقا بتحقيق العدالة للفلسطينيين".
وبحسب الصحيفة، فإنه بالمقارنة مع ساندرز، فإن كلينتون حافظت على قواعد الحملات الرئاسية، ورفضت الانخراط بالموضوع الفلسطيني، وعلقت وبشكل مقنع، وتعاطفا مع الإسرائيليين الذين يعيشون تحت وطأة تهديد حركة حماس، وقالت: "لا أعرف كيف تدير بلدا عندما تكون تحت تهديد مستمر من هجمات الإرهابيين والصواريخ التي تطلق عليك، ويجب أن تدافع عن نفسك".
ويذكر الكاتب أن حملة كلينتون ترى أن دعم ساندرز للفلسطينيين وبشكل صريح يصب في مصلحة حملتهم، ويأتي قبل أيام من الانتخابات الديمقراطية المقررة في 19 نيسان/ إبريل في نيويورك، حيث تأمل كلينتون بأن توسع تقدمها على ساندرز.
وينوه التقرير إلى أنه قبل انعقاد المناظرة في ساحة كانت تابعة للبحرية سابقا في بروكلين، قام فريق كلينتون بتوزيع مذكرة على الصحافيين تحت عنوان "هيلاري كلينتون وإسرائيل: سجل ثلاثين عاما من الصداقة، القيادة والقوة".
وتقول الصحيفة إن تصريحات ساندرز سيتردد صداها في النقاشات الدولية والوطنية لمدة طويلة؛ لأنها قامت بحرف المعايير للنقاش العام، مشيرة إلى أن جيرمي بن آمي، المؤيد لإسرائيل والذي يقود مجموعة ضغط اسمها "جي ستريت" علق قائلا إن تصريحات ساندرز "لحظة مهمة وغير عادية في السياسة الأمريكية.، وهناك الآن نقاش صادق يجري ولأول مرة على المستوى الوطني، وهو مهم للسياسة الخارجية الأمريكية ولدولة إسرائيل".
ويستدرك بيلكينغتون بأن السؤال هو عن الكيفية التي ستؤثر فيها تصريحات ساندرز على انتخابات الثلاثاء المقبل المهمة، مبينا أنه من الصعب التقليل من الدور الذي يؤديه اليهود والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني في السياسة داخل مدينة نيويورك، حيث إن في المدينة ثاني أكبر تجمع لليهود في العالم بعد مدينة تل أبيب، مع أن عدد اليهود فيها تراجع من مليونين في الستينيات من القرن الماضي إلى 1.2 مليون نسمة الآن.
ويفيد التقرير بأنه في الوقت ذاته، فإن المجتمعات اليهودية الأمريكية شهدت تحولات في طبيعة علاقتها مع الشرق الأوسط، التي جاءت بسبب التغير بطبيعة النزاع، والخيبة من سياسات نتنياهو، وتراجع الدور الذي أدته إسرائيل كونها تقود لليهود، لافتا إلى استطلاعا قامت به مجموعة "جي ستريت" عام 2014 وجد أن دعم اليهود للحزب الديمقراطي لا يزال قويا وبنسبة 69%، لكن إسرائيل جاءت في المرتبة العاشرة من بين 14 موضوعا تحفز الناخبين، مثل الاقتصاد ونظام الخدمة الصحية، اللذين يحتلان المرتبة الأولى.
وتورد الصحيفة أن المجتمع الشاب في نيويورك، واليهودي منه، شهد تحولا في التعامل المفتوح مع أزمة الشرق الأوسط، كونه نزاعا ذا حدين، وتحتل فيه القضية الفلسطينية المكان الأول، مشيرة إلى أن ساندرز ربما كان يعرف عندما صرح بما صرح به، أنه يقوم باللعب على المعادلة الديموغرافية في نيويورك، ويخاطب القطاع اليساري في الحزب الديمقراطي ذي التقاليد المؤيدة للفلسطينيين.
ويذهب الكاتب إلى أنه مع ذلك، فإن هناك مخاطر على ساندرز من التصريحات في نيويورك، حيث يتوقع المحاضر في جامعة نيويورك، الذي كتب بشكل مفصل عن دور اليهود في السياسة في نيويورك ميتشل موس، إنه يتوقع أن تعطي تصريحات السيناتور عن ولاية فيرمونت دفعة لحملة كلينتون.
وينقل التقرير عن موس قوله إن "انتخابات نيويورك التمهيدية هي منافسة ضيقة، لا يشارك فيها إلا
الديمقراطيون المسجلون، وهناك العديد من الشباب اليهود الذين لم يسجلوا على الإطلاق، ما يجعل تصريحات ساندرز تدميرا ذاتيا، وقد تدفع اليهود الكبار في العمر إلى دعم كلينتون والتصويت لمعسكرها".
وتقول الصحيفة إن ساندرز ربما كان يخاطب المسلمين في نيويورك، الذين زاد عددهم فيها، حيث يصل اليوم إلى نصف مليون نسمة، لافتة إلى أنه بالنسبة للمؤسسة المشاركة لـ"نادي المسلمين الديمقراطي في نيويورك" والداعمة لساندرز ليندا صرصور، فإن تصريحات الأخير هي إشارة عن أن أمريكا تتغير.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن صرصور (36 عاما)، وهي أمريكية من أصل فلسطيني، تقول إن تصريحات ساندرز هي "الأبعد التي يذهب فيها مرشح رئاسي إلى هذا الحد، وسماع الحضور في بروكلين وهم يهتفون في قاعة النقاش أظهر لي أن الولايات المتحدة تتحرك نحو الاعتراف بأهمية التعامل مع الشعب الفلسطيني باحترام".