مشروع قانون الكونغرس يزيد من توتر العلاقات مع السعودية

كتب ديفيد غراهام تقريرا في مجلة "ذا أتلانتك" عن العلاقات الأمريكية السعودية المعقدة. 

ويقول غراهام: "قبل 11 عاما بالضبط، وفي نيسان/ أبريل 2005 زار ولي العهد السعودي الأمير عبد الله الرئيس جورج دبليو بوش في منتجعه في كروفورد- تكساس، حيث إنها كانت مناسبة دافئة، فلدى عائلة بوش علاقة طويلة مع العائلة السعودية الحاكمة، ومع أن الحرب في العراق لم تكن تسير بشكل جيد، إلا أن السعوديين كانوا يشعرون بالسعادة لذهاب صدام حسين، وقام الرجلان بإصدار بيان ثمنا فيه (صداقتنا وتلك العلاقات التي بين بلدينا)، وتحدثا عن الحاجة (لبناء علاقات بين بلدينا، وتقوية الشراكة التي تقوم على علاقات قديمة، ومواجهة تحديات اليوم، وانتهاز الفرص التي سيواجهها شعبانا في الستين عاما المقبلة)".

ويعلق الكاتب قائلا إن "الرئيس باراك أوباما سيتوجه هذا الأسبوع إلى السعودية، وسيجد أن الأمل لم يتحقق، وأن العلاقة بين الحليفين القديمين تعاني من توتر، فقد خرج بوش من السلطة قبل وقت طويل، ومات الملك عبد الله وحل محله أخوه سلمان، ويقف السعوديون والأمريكيون على طرفي نقيض في عدد من القضايا، فلم توافق الولايات المتحدة على التدخل السعودي المستمر في اليمن، وعبرت عن غضبها لإعدامها رجل الدين الشيعي نمر النمر بداية العام الحالي، ويريد السعوديون من الأمريكيين أن يكون لهم دور أكبر في سوريا، ولا يزالون تحديدا غاضبين من الصفقة التي وقعتها الولايات المتحدة مع إيران حول ملفها النووي".

ويضيف غراهام: "لكن الموضوع الملح هو هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ففي الوقت الذي يحضر فيه أوباما للسفر، يقوم الكونغرس بالتحضير لمشروع قرار قد يفتح الباب لإدانة المصالح السعودية في أمريكا؛ بسبب الهجمات، وقد نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) في نهاية الأسبوع تقريرا قالت فيه إن الحكومة السعودية هددت ببيع حوالي تريليون دولار من الأرصدة السعودية في الولايات المتحدة إن تمت الموافقة على المشروع".

ويتابع الكاتب بأن "عائلات ضحايا 11/ 9 حاولت تقديم الحكومة السعودية للمحاكمة؛ لدورها في الهجمات، إلا أن قانون 1976 يحمي الحكومات الأجنبية من الكثير من الدعاوى القضائية أمام المحاكم الأمريكية، ومن هنا فإن مشروع القانون، إن مرر، فإنه سيعدل القانون الحالي، حيث سيجعل الدول الأجنبية مدانة قضائيا إن ثبت تورطها في هجمات على الأرض الأمريكية وقتلت أمريكيين، فمدى القانون الضيق تم رسمه من أجل تطبيقه على أوضاع معينة، ويسمح بأي دعوى قضائية للتقدم في المحاكم". 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "مشروع القانون يحظى بدعم من قيادة الحزبين: فمن الجانب الديمقراطي نائب نيويورك تشاك شومير، وهو الزعيم المفترض للحزب في حال تقاعد السيناتور هاري ريد، ومن الجمهوريين النائب عن تكساس وزعيم الغالبية جون كرونين، ولقي المشروع دعم تيد كروز وكريس كونز وتشاك غراسلي وكريستين غيليبراند. وعبرت هيلاري كلينتون في الأيام القليلة الماضية عن استعدادها لدعمه، بالإضافة إلى منافسها على الترشيحات الديمقراطية للرئاسة بيرني ساندرز، وفي شباط/ فبراير أقرت المشروع اللجنة القانونية في الكونغرس وبالإجماع".

وتستدرك المجلة بأن "أوباما يعارض المشروع، وحاول البيت الأبيض الضغط على الكونغرس حتى لا يمرر القانون، وهدد المتحدث الإعلامي للبيت الأبيض جوش إرنست باستخدام الفيتو، وقال يوم الاثنين إنه (من الصعب تصور سيناريو يقوم فيه الرئيس بالتوقيع على القرار بالطريقة التي صيغ فيها)، وفي شباط/ فبراير حذر وزير الخارجية جون كيري السيناتورات من أن القانون (سيخلق سابقة مرعبة) قد تدفع بلادا أخرى لتقديم دعاوى قضائية ضد الولايات المتحدة، رغم اللغة الحذرة التي كتب بها المشروع، وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) أن كبار مسؤولي وزارة الدفاع والخارجية حذروا في لقاء خاص مع النواب من أن القانون سيعرض الجنود والدبلوماسيين في الخارج لدعاوى قضائية".

ويعلق غراهام بأن التهديد السعودي حظي باهتمام أكثر من التحذيرات، مشيرا إلى أن الأرصدة المعنية هي 750 مليار دولار من الأموال النقدية، إضافة إلى استثمارات أخرى، تخشى السعودية من تجميدها لو أقر القانون. 

ويلفت التقرير إلى أنه يقال إن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير نقل شخصيا رسالة التهديد إلى واشنطن، ويقول الكاتب إن "هناك قدرا كبيرا من الشك حول التهديد الذي قد يضر بالاقتصاد الأمريكي، لكنه سيؤثر أكثر على الاقتصاد السعودي الذي ضرب بسبب تدني أسعار النفط".

ويتساءل غراهام هنا عن الدور الذي أداه السعوديون في الهجمات، لافتا إلى أن تقرير لجنة التحقيق في 11/ 9، يقول: "لم نعثر على دليل يشير إلى أن الحكومة السعودية، كمؤسسة أو مسؤولين بارزين، قاموا بطريقة فردية بدعم المنظمة" أي تنظيم القاعدة.

وتورد المجلة نقلا عن النائب السابق وعضو لجنة التحقيق بوب كيري، قوله في تصريحات لبرنامج "60 دقيقة": "لا يمكنك تقديم المال للإرهابيين والقول (لا علاقة لي بما فعلوه)"، ويضيف: "من ناحية عامة، لم يكن لدى لجنة التحقيق الوقت للتوصل إلى تفاصيل المؤامرة كلها، ولم يكن لدينا الوقت أو المصادر، وبالتأكيد لم نبحث في كل ما يتعلق بالسعودية" .

ويستدرك التقرير بأنه مع ذلك، فإن هناك بعض المعلومات عن وجود دور سعودي، لكنها لم توضع أمام الرأي العام، مشيرا إلى أنه في عام 2002 قامت لجنة مشتركة في الكونغرس بالتحقيق في مظاهر الفشل قبل هجمات 11/ 9، وجاء التحقيق في 28 صفحة ولا يزال محظورا، حيث تلقي هذه الصفحات الضوء على الدور السعودي في الهجمات.

ويقول الكاتب إن الدور السعودي ربما جاء من مسؤولين سعوديين من الصفوف الدنيا، أو عناصر في الحكومة، لكنه ليس من مؤسسات، لافتا إلى أن السيناتور بوب غراهام عن فلوريدا، الذي ترأس اللجنة لسنوات، دفع باتجاه الكشف عما جاء في الـ 28 صفحة، حيث خاض غراهام معركة طويلة وفردية؛ لاعتقاده أن عدم الكشف عنها يؤثر على عائلات الضحايا، ومحاولتها الحصول على تعويضات، وقال في العام الماضي إنه خاض المعركة "أولا؛ لأنني أعتقد أن الأمريكيين يستحقون التعرف على حقيقة ما حدث باسمهم، وثانيا لتحقيق العدالة لأفراد هذه العائلات الذين عانوا من الفقد، ويشعرون بحالة إحباط من الحكومة الأمريكية".

وتذكر المجلة أنه تم جحب الصفحات بناء على طلب من مكتب التحقيقات الفيدرالي" أف بي آي"، وقال غراهام والنائب بورتر غوس، الذي شغل منصب مدير "سي آي إيه" لاحقا إنه لا توجد أسباب حقيقية للإبقاء على سرية الصفحات المعنية، مشيرة إلى أنه نظرا لأن الصفحات سرية فإنه لا يستطيع التحدث عما فيها، لكنه قال إنها تحتوي على "الدليل". 

وينوه التقرير إلى أن مستشار الرئيس للأمن القومي بن رودس، الذي عمل في  لجنة تحقيق 11/ 9، وصف الدور السعودي لمستشار الرئيس ديفيد أكسيلورد قائلا: "دون الدخول في التفاصيل؛ لأنها لا تزال سرية، أعتقد أن الأمر معقد من هذه الناحية، ولم تكن لدى السعودية سياسة لدعم تنظيم القاعدة، لكن كان هناك عدد من الأثرياء السعوديين الذين قدموا شيئا، مباشرة لجماعات متطرفة، أو جمعيات خيرية قامت بتبييض الأموال لهذه الجماعات، وكان هناك تمويل كبير، وتعرف أن أسامة بن لادن نفسه كان ثريا سعوديا، ولهذا كان هناك مال كثير، وعليه فإن أصل الأموال التي وصلت لما أطلق عليه تنظيم القاعدة خرج من السعودية".

ويقول غراهام إنه "بين التوتر مع السعوديين وزيارة أوباما المقبلة وقانون الحصانة، هناك على ما يبدو ضغوط ووعي بأهمية الإفراج عن الصفحات الآن أكثر من أي وقت مضى، ويعد هذا أمرا مهما، فقد طالب السعوديون أنفسهم في الماضي بنشر الصفحات، وفي عام 2003، قال وزير الخارجية في حينه سعود الفيصل لشبكة أنباء (سي أن أن): (نريد رؤيتها لسببين؛ فإذا كانت هناك اتهامات للسعودية نريد الرد عليها، ولأننا نريد معرفة طبيعة الاتهامات، لكن إن كانت هناك معلومات عن دعم محتمل للإرهابيين، فإننا نريد معرفتها حتى نعالج الوضع). وتوفي سعود الفيصل صيف العام الماضي، وموقفه هو الموقف الذي تمسك به السعوديون حتى عام 2014، ولا يعرف موقفهم الحالي حول رفع السرية عن الصفحات".

وتبين المجلة أن هناك بعض الإشارات عن قيام الحكومة الأمريكية بالكشف عنها، وقال السيناتور غراهام لصحيفة "تامبا بي تايمز" الأسبوع الماضي إن البيت الأبيض قال إن القرار حول نشر الصفحات سيتم إقراره في شهر أو شهرين، وهو ما يعني أن رحلة أوباما إلى الرياض يفترض أنها للكشف عن الصفحات.

ويشير التقرير إلى أن المسؤولين الأمريكيين عبروا في الماضي عن تناقض في المواقف من الحكومة السعودية، ولاحظوا سجل الحكومة الصارخ في مجال حقوق الإنسان، ودورها في تصدير الإسلامية، مستدركا بأن هناك أسئلة جديدة عن قيمة العلاقات. 

ويرى الكاتب أن المزاج الحالي يناسب الليبراليين، الذين يكرهون السعودية، ويعتقدون أن العلاقة معها مثار للسخرية، لافتا إلى أن المحافظين يعتقدون أن المملكة لا تفعل الكثير لوقف الإرهاب، وربما تقوم بالتحريض عليه، مستدركا بأن الولايات المتحدة لا تزال تعتمد على السعودية في أمور عدة، أبرزها شحن السلاح للمعارضة التي تقاتل نظام الأسد.

وتستدرك المجلة بأنه رغم الحديث حول الصفحات الـ 28 وقانون الحصانة، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن أوباما سيناقشهما مع السعوديين، وذلك بحسب المتحدث باسم البيت الأبيض إرنست، مشيرا إلى أنه رغم معارضة أوباما للقانون الحالي، ورفضه الكشف عن الصفحات، إلا أنه كشف عن أنه ليس معجبا بالحكومة السعودية، ومتشكك بالعائلة الحاكمة أكثر من سابقه. 

وتختم "ذا أتلانتك" تقريرها بالإشارة إلى أن جيفري غولدبيرغ كشف في المحور الرئيسي لمجلة "ذا أتلانتك" أن أوباما اشتكى لرئيس الوزراء الأسترالي مالكوم تيرنبل من السعوديين والخليج، وتأثيرهم في نشر شكل متشدد من الإسلام في أماكن مثل أندونيسيا، حيث كانت الممارسة الدينية اكثر ليبرالية، ورد تيرنبل: "أليس السعوديون أصدقاءكم؟"، فأجاب أوباما: "الأمر معقد".