ذكرت مجلة "فورين بوليسي" أن نظام الجنرال عبد الفتاح
السيسي، قام وبجهود هادئة بمنع واحد من معارضيه من تولي منصب في لجنة حقوق إنسان تابعة للأمم المتحدة.
وكتب فورين لينتش، تقريرا يقول فيه إن تدخل دول ديكتاتورية مثل
مصر، يؤثر في عمل حقوق الإنسان ووضعها في العالم، مشيرا إلى أن التحرك الذي حصل لمنع تعيين الخبير سعيد
بومدوحة، الذي لم يتم نشر أخبار عنه، جاء في وقت تنهي فيه مصر شهرها الرابع من دروة تستمر لعامين كونها عضوا غير دائم في مجلس الأمن.
ويشير التقرير إلى أن مصر قامت في دورها هذا بتخفيف قرارات تتعلق بانتهاكات حدثت من بورندي إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، لافتا إلى أنه عند تولي مصر رئاسة المجلس المكون من 15 دولة الشهر المقبل، فإنها تخطط لعقد نقاش عام حول الحاجة إلى منع التحريض على الإرهاب والتطرف، "وهو تحرك يشك الدبلوماسيون بأنه محاولة لقمع حرية التعبير في مصر".
وتعلق المجلة بأن النشاط الدبلوماسي من خلف الأبواب قد أثار مخاوف الناشطين وجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان وبعض الحكومات الغربية من أن نظام السيسي يقوم باستخدام القوة الجديدة في
الأمم المتحدة؛ لكي يوسع
القمع ضد المعارضة خارج حدود مصر، وإضعاف معايير حقوق الإنسان في الخارج.
ويقول لينتش إن مصر ستقوم بإضافة صعوبات لإدارة أوباما وجهودها في مجلس الأمن، الذي وقفت فيه روسيا والصين ضد مبادرات من جنوب السودان إلى
سوريا.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن المدير التنفيذي لـ"المركز الدولي لمسؤولية الحماية"، ومقره نيويورك، سايمون أدامز، قوله إن المصريين "تفوقوا على توقعات كل شخص"، وأضاف: "كانوا، وبشكل متناسق وفي كل موضوع، متصلبين لدرجة العرقلة"، مشيرا إلى أن مصر قامت بإضعاف الجهود الهادفة لنشر قوات شرطة دولية تمنع قتل المدنيين في بورندي، التي كانت الولايات المتحدة ودول أخرى تخشى من حدوث مذابح واسعة فيها.
وتذكر المجلة أن مصر عارضت دعوات الأوروبيين لمنع تصدير السلاح إلى الأطراف المتصارعة في جنوب السودان، بالإضافة إلى أن مصر أثارت غضب حلفائها من دول الخليج؛ لعدم استخدام وضعها باعتبارها الدولة العربية الوحيدة في مجلس الأمن للفت النظر حول المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري، والدعوة مثلا إلى اجتماع يناقش موقف حكومة النظام السوري الرافض فتح الطرق كي تمر القوافل الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
ويلفت الكاتب إلى أن مصر تصر على أن مواقفها في الأمم المتحدة تعرضت للسخرية من المدافعين عن حقوق الإنسان وبعض المسؤولين الغربيين، الذين يتعاملون مع الدبلوماسية كونها لعبة أخلاقية بين الأخيار والأشرار، حيث يقول الدبلوماسيون المصريون إن استحضار مسائل حقوق الإنسان لتبرير التدخل في ليبيا والعراق جلب الفوضى على هذه الدول وجيرانها.
وينقل التقرير عن مسؤول مصري قوله إن الدبلوماسية المصرية مرسومة بدقة كي تناسب عددا من الأزمات التي يمر بها جيرانها، ومنع مجلس الأمن من دفع مصر كي تتخذ مواقف متعجلة، وأشار المسؤول إلى أن مصر تخطط للاستفادة من رئاستها للمجلس في أيار/ مايو لتأييد قرار تدعمه نيوزلندا وإسبانيا، يحث الجماعات المسلحة على احترام الطواقم الطبية والمستشفيات في مناطق الحرب.
ويقول المسؤول المصري إن مجلس الأمن يعيش حالة استقطاب "قبل أن ننضم إليه ونحاول جسر الهوة"، وأضاف أن "المصريين كانوا ناشطين في القضايا كلها، ونرفض ببساطة أن نكون جزءا من الديكور، فنحن مساهمون في القضايا التي على أجندة المجلس كلها".
وتورد المجلة أن الدبلوماسيين المصريين أكدوا أن مصر اتهمت اتهاما غير عادل، برفض الجهود الداعية إلى فرض حظر على تصدير السلاح إلى جنوب السودان، مشيرة إلى أنها وإن عارضت حظرا شاملا للسلاح، إلا أنها دعمت إصدار تهديدات جزئية ضد الأطراف المتحاربة، تمنع تصدير السلاح المضاد للطائرات والمروحيات لها.
ويبين لينتش أن الدبلوماسيين المصريين زعموا أن مصر تشترك في مظاهر القلق حول بوروندي، التي وثقت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الوضع فيها، وتصعيد العنف هناك، مستدركا بأن مصر ترى أن المواجهة مع بوروندي، التي تفضلها الأمم المتحدة وتجبر الحكومة هناك على نشر قوات دولية ضد رغبتها، ستترك آثارا سلبية، حيث تفضل مصر إقناع البلد من خلف الأبواب بالحصول على دعم لدور واسع تقوم به الأمم المتحدة.
ويفيد التقرير بأن مصر تقول إن جهود الغرب، من خلال التركيز على انتهاكات حقوق الإنسان للنظام السوري، أدت إلى توترات غير ضرورية مع حكومة البلد وداعميها الروس، وهو ما يعقد جهود تحقيق السلام في البلاد، وبدلا من ذلك تفضل مصر تركيز مجلس الأمن على دعم جهود الهدنة التي رعتها الولايات المتحدة وروسيا.
وتورد المجلة نقلا عن الدبلوماسيين في الأمم المتحدة قولهم إن مصر تقوم باستخدام نقاش مقنع ومدروس حول عدد من القضايا؛ لإخفاء جهودها الرامية إلى عرقلة أي قرار يتعلق بحقوق الإنسان وجهود الغرب للتدخل في الشؤون المحلية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
ويذكر الكاتب أن البعض ثمن دور مصر في الدفع باتجاه وقف إطلاق للنار ووقف الأعمال القتالية في اليمن، الذي تقود فيه السعودية حملة جوية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والمتحالفين مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، مشيرا إلى أن مصر، مثل الإمارات، تخشى أن يؤدي التدخل السعودي إلى بذر التطرف الذي قد يلاحق المنطقة لاحقا.
وتساءل الخبير في الشؤون المصرية في مؤسسة القرن الأمريكي مايكل وحيد حنا، عن "حدود اللعبة المصرية"، مع أنه قال إن المصريين يعرفون كيف يلعبون اللعبة، حيث يرى حنا أن اللعبة الدبلوماسية المصرية هي جزء من استراتيجية للحكومة، تعمل على إظهار أن البلد وبعد سنوات من الاضطرابات عاد إلى وضعه الطبيعي في المجتمع الدولي، مستدركا بأن "ما تقوم به القاهرة أظهر أجندة عرقلة دائما ما تتضارب مع الولايات المتحدة" بحسب المجلة.
وينوه التقرير إلى أن مصر كانت واضحة قبل أن تتولى المنصب مع الولايات المتحدة والدول الغربية، بأنها ستدافع بقوة عن مصالحها حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، حيث إنه عندما دعت سفيرة الولايات المتحدة سامنثا باور، إلى قرار يطرد البعثة الأجنبية من قوات حفظ السلام بالكامل، إن ثبت أن أفرادا منها قد تورطوا في انتهاكات جنسية، رفضت مصر الموافقة، وشجب سفير مصر في الأمم المتحدة عبد اللطيف أبو العطا القرار، ووصفته بأنه صورة من العقاب الجماعي الذي سيؤثر على معنويات قوات حفظ السلام الدولية، ودعا إلى تعديل مشروع القرار ليشمل شروطا بأن الحكومة المعنية فشلت في معاقبة المنتهكين، وعلقت باور بأن المقترحات المصرية أضعفت "الهدف من هذا القرار، وهو دفع الحكومات للتعامل مع الاتهامات الحقيقية الموجهة لجنودها".
وتشير المجلة إلى أنه في محاضرة ألقتها باور في الأكاديمية البحرية، تحدثت تحديدا عن مصر، التي قالت إنها "تواجه تهديدات أمنية حقيقية جدا، إلا أن قمع الحكومة للإسلاميين والإعلام المستقل، وحتى منظمات المجتمع المدني، ذهب أبعد من مواجهة هذه التهديدات، حيث تشير هذه الأفعال إلى أن عدم تسامح الحكومة ليس فقط مع المعارضة، لكن مع النشاط الذي لا تسيطر عليه، أو الذي تراقبه الدولة مباشرة"، ولاحظت باور أن السلطات المصرية فتحت في الأسابيع القليلة الماضية تحقيقات جديدة مع 150 من جماعات حقوق الإنسان، وقالت إن "موظفين في هذه المنظمات تم التحقيق معهم وتهديدهم ومنعهم من السفر إلى الخارج، وتعرضوا لحملات تشويه في إعلام الدولة".
ويستدرك لينتش بأنه رغم ثناء الدبلوماسيين على نشاط مصر، ودورها في القرار الأممي، الذي أدى إلى شجب هجوم المتظاهرين الإيرانيين على السفارة السعودية في طهران، إلا أن مصر كانت واضحة في معارضتها لقضايا تتعلق بها، حيث إن مصر عرقلت في نهاية آذار/ مارس تعيينا روتينيا للجزائري بومدوحة، الذي يعمل نائبا لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "أمنستي إنترناشونال" في منصب في لجنة حقوق الإنسان التابعة للمنظمة الدولية.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن جريمة بومدوحة هي نقده لنظام السيسي وقمعه للمعارضة، حيث قال: "لقد عومل المجتمع المدني المصري كأنه عدو للدولة"، وجاءت معارضة الدبلوماسيين المصريين لتعيينه في منصب في الأمم المتحدة؛ لأنه انتقد حكومات شرق أوسطية، بينها مصر.