كتاب عربي 21

25 أبريل...هل ستعود لُحمة الشعب المصري؟

إحسان الفقيه
1300x600
1300x600
قبل أن يرفع "الفنان" عقيرتَه بالغناء: "إحنا شعب وإنتو شعب، لينا رب وليكو رب"، كان هنالك شعبٌ واحدٌ، يختلف أبناؤه ويتخاصمون وربما يتقاتلون، دون أن يقول بعضهم للبعض الآخر: إحنا شعب وإنتو شعب".

من قضى من عُمره نَزرا يسيرا في مصر، يدرك أن جماعة الإخوان المسلمين هي ابنة هذا الشعب المصري، منه وإليه، عاشت همومه وآلامه ومشاكله.

كان الإخوان في المساجد، في الوظائف، في المدارس والجامعات، في المستشفيات، في الجمعيات الخيرية، في كل موطن لا بد أن ترى للإخوان بصمة في حياة الشعب المصري.

قيل لي إنه ما من بيت أو حي من الأحياء، إلا ويسكن فيه إخوانيّ أو محب للإخوان، فهي حصيلة أكثر من ثمانية عقود من التلاحم والانصهار مع المجتمع، هي عمر هذه الجماعة منذ نشأتها.

كنا نرى مصر عصيّة على الانقسام والاحتراب الداخلي؛ نظرا لكونها بعيدة عن العرقيات والإثنيات، فليست كالعراق مثلا (سنّة، شيعة، أكراد)، لكنّ زعيم الانقلاب قد أتى بأكبر كارثة حلّت بالشعب المصري في العصر الحديث، وهي تقسيمه وتصنيفه إلى صنفين: الإخوان واللا إخوان.

فالأول يتناول جماعة الإخوان المسلمين، ثم اتسعت دائرته لتشمل فصائل العمل الإسلامي، ثم اتسعت أكثر لتعبر عن كل معارض للانقلاب، فصار أيمن نور إخوانيا، رغم أنه محسوب على التيار الليبرالي، وصار رامي جان إخوانيا رغم أنه قبطي.

وما عدا هؤلاء فهم -في تصنيف النظام وإعلامه ومؤيديه- خائنون للوطن، يستحقون أن يُسحقوا بلا رحمة.

لقد أتى السيسي بما لم يأت به أحد من قادة العسكر، وتمكن إعلامه من شيطنة الإخوان، مستغلا عامليْن:

العامل الأول: قلة الوعي لدى بعض شرائح الشعب التي انشغلت رغما عنها بالبحث عن لقمة العيش والصراع من أجل البقاء ضد المرض والجوع، فتمّ توجيه الجماهير عبر "إعلام مسيلمة"، إلى اعتبار التصدي للإخوان مهمة وطنية كبرى، وأنّ على هذه الجماهير مساندة الزعيم المُخلِّص، الذي استطاع إنقاذ مصر من خطر الإخوان المسلمين، وصار الكثيرون من أبناء الشعب يرددون عبارات بألسنتهم تخالف ما تراه أعينهم من واقع، على غرار: الإخوان يكفروننا، الإخوان مخربون، الإخوان جواسيس، الإخوان باعوا الأرض.

وأما العامل الثاني: فكان الأحزاب والرموز العلمانية واليسارية والاشتراكية، التي تختلف أيديولوجيا مع الإخوان، رغم المساحة الواسعة التي كان الإخوان يتحركون فيها للحوار مع الآخرين، التي استجلبوا بها سخط بعض التيارات السلفية التي اعتبرت تلك المساحة براغماتية ومكيافيلية، وتمييعا للولاء والبراء، واتباعا لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

فرّق السيسي الشعب المصري، فتغيرت القيم، وصار ذلك الشعب الذي يكره الدماء، يبرر المذابح التي ارتكبها الانقلابيون في رابعة والنهضة وغيرها من الميادين، بل حُكي لي أن كثيرا من الناس صاروا يستخدمون فزاعة الانتماء للإخوان في خصوماتهم.

لكن الشعب المصري اكتشف أخيرا أن الإخوان لم يكونوا سبب الكوارث التي حلّت به، فبعد أن صار الإخوان ما بين قتيل ومغترب ومعتقل وملاحق ومطارد، ساءت الأحوال في مصر على جميع الأصعدة.
فمن يريد الخبز لا يجده، ومن يريد الحرية لا يجدها...

فساد أخلاقي وسياسي، تغوُّل أصحاب الأموال، تدهوُر الاقتصاد بصورة غير مسبوقة، تكميم للأفواه والحريات، والويل لمن يخرج عن النص.

أُغلقت المساجد، وحوربت الشعائر، وصُودرت الجمعيات الخيرية التي كانت عونا للبسطاء.

ضاعت سيناء من المصريين، تأزمت العلاقات مع الدول الصديقة، تآكل دور مصر إقليميا وعربيا.

المآسي في مصر لا تتسع لها السطور، ولكن هذا ما أدركه الشعب المصري أخيرا، أن البطل المُخلِّص جاء من أجل خراب مصر.

واليوم يقف الشعب المصري على أعتاب مرحلة جديدة، عادت فيها النزعة التغييرية، ورُدَّت إليه روح 25 يناير، وحدّدتْ الجُمُوع يوم 25 أبريل موعدا لاسترجاع البلاد ممن سرقوها، فهل هذا أوان عودة التلاحم المصري؟

الحقيقة تقول إن أي حراك شعبي في مصر لن ينجح دون الإخوان، كما أن الإخوان لا يمكنهم النجاح بمفردهم في ثورة شعبية.

وعلى من يعترض على هذا الكلام بذريعة أن ثورة يناير قد أطلقها شباب ثائر لا ينتمي للإخوان، أن يتذكر أن الإخوان وإِنْ لم يشاركوا بصورة جماعية رسمية في اليوم الأول للثورة، إلا أنهم كانوا سبب نجاحها، والجميع يعلم في مصر أن اليوم الذي هُوجم فيه ميدان التحرير فيما يعرف بواقعة الجمل، كان شباب الإخوان هم الدرع الذي تصدى لتلك الهجمات، ولولا أن الله سخرهم لحدثت مذبحة عظيمة في ذلك اليوم، ولباءت الثورة بالفشل.

فالإخوان هم أكثر الفصائل عددا وأحكمها تنظيما، وأشدُّها ترابطا، وأكثرها خبرة في التظاهرات والاحتجاجات، إضافة إلى البعد الديني الذي يرى في إزاحة الظلم والدكتاتورية واجبا دينيا.

وعلى كل حر شريف مخالف للإخوان أن يصارح نفسه: هل الإخوان المسلمون بالفعل يمثلون خطورة على المجتمع المصري؟ إن كان الإخوان قد أخطأوا إداريا وفي تقدير الأمور، هل يتساوون في الخطأ مع من أراق الدماء وكمّم الأفواه؟

علم الله أنني لست إخوانية، ولم ولن أنتمي يوما لأي حزب أو فصيل، لكنها الحقيقة التي لا مناص عن الاعتراف بها، الإخوان جماعة أخطأت قليلا وظُلمت كثيرا، ودفعوا وما زالوا يدفعون ثمن أخطاء غيرهم.
ومع هذه الموجة الثورية الثانية التي سيكون فيها الإخوان عنصرا أساسا فاعلا ولا شك، سيبذلون ويُضحّون، وهم يعرفون أنهم لن يحصدوا مصلحة خاصة، سوى ما يعود على الشعب المصري بصفة عامة، من إزالة الحكم الديكتاتوري، وتحسين الأحوال، وإطلاق الحريات.

يدرك الإخوان وهم يستعدون للبذل والتضحية أن الحراك لن يُسفر غالبا عن عودة الرئيس مرسي، ولن يعيدهم بصورة كاملة (في أحسن الأحوال) إلى الحياة السياسية.

سيبذل الإخوان، وسيكونون في الطليعة الثورية، وهم يدركون أن غيرهم قد يَجني الحصاد، لكنّها حسابات النظر إلى الواقع والمأمول.

وبغض النظر عما تسفر عنه الأيام القادمة، إلا أنها قد تكون فرصة حقيقية لإعادة اللحمة الداخلية للشعب المصري، وعودة روح 25 يناير، ولعلنا قريبا نسترجع ما قاله الشاعر هشام الجخ في قصيدته "مشهد رأسي من ميداني التحرير":

خبئ قصائدك القديمة كلها
مزق دفاترك القديمة كلها
واكتب لمصر اليوم شعرا مثلها
لا صمت بعد اليوم يفرض خوفه
فاكتب سلاما نيل مصر وأهلها
التعليقات (7)
محمد إدريس
الإثنين، 25-04-2016 01:21 ص
عنوان المرحلة : مصر و العالم العربي من المحيط إلى الخليج على صفيح ساخن و ترقب عودة نسائم الربيع العربي من جديد. هل تميل الكفة هذه المرة لصالح الشعوب أم أن الطريق لا يزال طويلا؟
مسلم
الإثنين، 25-04-2016 12:37 ص
أحترم رأيك و آرائك التى تناصر الحق دوما، و لكنك بعيدة عن الواقع فى مصر و تستقين معلوماتك عما يحدث فيها من الآخرين، و لكنى كمشارك فى ثورة يناير و فى قلب الحدث، أتفق معك فى رأيك عن الانقلابيين و لكن لا أتفق معك فى ثنائك على الاخوان، فأخطائهم لم تكن صغيرة كما ذكرتى و لكن عظيمة جدا و أضاعوا على مصر فرصة نادرة للتحرر قد لا تتكرر لخمسين سنة أخرى. كانوا من الكبر و السذاجة لدرجة لا يصدقها عقل. أسوأ ما فعلوه هو تطبيق مبدأ مكيافيللى الذى يقول أن الغاية تبرر الوسيلة، و لكن ليس بالأسلوب الذى ذكرتيه، و لكن بتحالفهم مع العسكر ضد الثوار من أجل وهم الوصول الى السلطة و بذلك كرروا بالضبط نفس أخطاء الاخوان فى انقلاب يوليو 1952 عندما وافقوا على حل الأحزاب (الغاء الديمقراطية) من أجل أهدافهم، فخدعهم العسكر بعدها أيضا. و ماذا عن تقربهم من ايران و استجداء التحالف مع روسيا فى سنة حكمهم، و هاتين الدولتين هما المسئولتين الحقيقيتين عن مذابح مئات الألوف من اخواننا السوريين، هل هناك خيانة للدين أكبر من ذلك. لا أعتقد أن مظاهرات الغد ستعيد الديمقراطية الى مصر مادام العسكر بآلتهم العسكرية متمسكين بالحكم.
ام رؤى
الأحد، 24-04-2016 09:31 م
أحسنت وابدعت مقال رائع وعميق .. جزاك الله عنا كل خير.
عمر الحريري
الأحد، 24-04-2016 08:46 ص
لقد كانت الثورة المصرية ناقوس الخطر على المنظومة الدولية بعد أن استطاعت الثورة السورية والليبية من تحقيق الانتصارات الكبيرة وكذلك نجاح الثوار في مصر في الانتخابات . الحقيقة التي توصلت إليه المنظومة الدولية ومن يتحكم فيها أن الثورات العربية لها بعدها التحرري للمنطقة الغنية بمواردها، ولها بعدها العالمي لكل الشعوب القابعة تحت عبودية المنظومة وأذرعها. إجهاض الثورة في مصر ألحق الضعف بكل المنطقة و أخر حسم الثورات في كل بلاد الربيع العربي وازداد القمع وكانت فرصة للمشروع الصهيوني الغربي والمشروع الصهيوني الفارسي من إظهار أنيابه لفتك بجسد الامة.
اماني
الأحد، 24-04-2016 08:29 ص
كل التحيه للكاتبه الاردنية الصادقة المؤمنة إحسان الفقيه .. والله إنك لشرف لكل عربي ويحسب لكي وقوفك مع الحق والعدل .. بوركت يمينك

خبر عاجل