تعاني العديد من المخيمات التي يقطنها عشرات آلاف السوريين في محيط بلدة
عرسال، على الحدود السورية اللبنانية من ظروف معيشية صعبة، فيما أجبرت قساوة الحياة ونقص المساعدات آلاف
الأطفال فيها على التخلي عن مقاعد الدراسة، والالتفاف إلى أي عمل مهما كان شاقا، بغية تأمين متطلبات عائلاتهم التي تعاني من فقر شديد منذ تهجيرها من منطقة القلمون الغربي، في ريف دمشق، على يد حزب الله اللبناني.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الهيئة العامة لمدينة يبرود بريف دمشق، أبو الجود القلموني، إنه مع سيطرة حزب الله اللبناني على منطقة القلمون الغربي في ريف دمشق، وقبل ذلك مناطق حدودية في محافظة حمص وخصوصا مدينة القصير، ما يعني سيطرة الحزب على الشريط الحدودي، أُجبرت آلاف العائلات السورية على النزوح نحو الداخل اللبناني، ليصل عدد
اللاجئين إلى المناطق الحدودية اللبنانية ما يزيد عن 120 ألف لاجئ سوري.
وأضاف القلموني لـ"عربي21": "مع توافد آلاف العائلات، وسط غياب أي حلول أممية جذرية للاجئين، اضطر المئات من الأطفال الصغار على القيام بأعمال شاقة"، مشيرا إلى أن هؤلاء الأطفال يعملون في منشآت مثل تكسير الصخور، ومعامل الرخام والبلاط، وأعمال الزراعة والعتالة، وغيرها، "الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة الأمية بين الأطفال بشكل كبير".
ورغم ذلك، اعتبر مسؤول في مدينة عرسال أن أعداد الأطفال خارج مقاعد الدراسة قليل جدا، معيدا ذلك لانتشار مراكز محو الأمية وحلقات التدريس ضمن المخيمات، إضافة إلى وجود سبع مدراس سورية تدرس المنهاج السوري المقدم من الحكومة السورية المؤقتة.
لكن رئيس المكتب التعليمي في الهيئة العامة لمدينة يبرود، ناصر خرنوب، قال لـ"عربي21"؛ إنه "رغم وجود المدارس التعليمية في عرسال، إلا أن هذه المدارس تعاني من مشكلات عديدة، أهمها صعوبة توحيد اللباس الرسمي للطلاب أو الطالبات، والرواتب الزهيدة للمدرسين، حيث يصل أعلى راتب للمدرس إلى حوالي 150 دولارا، ومنهم يعمل بشكل تطوعي"، فيما يغيب دور الأمم المتحدة داخل بلدة عرسال، كما يقول.
ونوه خرنوب إلى أن المشكلة الأكبر التي تعاني منها المنطقة، هي وجود حوالي 2500 طالب في مخيمات تنتشر في منطقة وادي حميد، أو كما يسمى "خلف الحاجز" (حاجز الجيش اللبناني) في المنطقة الحدودية مع سوريا، حيث يعاني أكثر من 15 ألف نسمة هناك من نقص المواد المعيشية والتعليمية كافة.
ولفت إلى صعوبة إقامة أي مدارس أو حتى مراكز هناك، كما يُمنع دخول أي شخص إلى عرسال بسبب الحصار المفروض على المنطقة من الجيش اللبناني، الأمر الذي دفع الأطفال الصغار إلى القيام بأعمال لا يقدرون على تحملها، إلا أن مصاعب الحياة أثقلت كاهل عائلاتهم، وفق قوله.
من ناحية ثانية، تحدث رئيس المكتب التعليمي للهيئة العامة في يبرود عن إنشاء مدرسة "حياة اليبرودية" من بعض المغتربين السوريين، وبدعم من إحدى المنظمات. وكانت المدرسة الأولى في عرسال للاجئين السوريين، "إلا أن ضعف الدعم كان حاجزا أمام عجزنا عن استقبال المزيد من الطلبات الدراسية المقدمة".
وذكر خرنوب أن الأطفال الراغبين بالتسجيل في المدارس يأتون دون ذويهم، بسبب رفض بعض العائلات إرسال أبنائها إلى المدارس، رغم أن التعليم مجاني في المدرسة، ولا يترتب على أهل الطفل سوى ثمن القرطاسية وبعض الملابس، إلا أن الأهل يفضلون ذهاب أطفالهم للعمل بدلا من الدراسة؛ بغية تأمين احتياجات أسرهم، وفق تأكيده.
أما رئيسة منظمة هيئة الرعاية في عرسال، أم إبراهيم، فقد قالت: "بعد نزوحنا إلى عرسال، وجدنا أن هناك عوائق كبيرة أمام تعليم الأطفال في المخيمات، أهمها قلة تمويل هذه المخيمات والاحتياجات اللازمة للتعليم، فلو استطعنا تأمين هذه المخيمات وإنشاء مركز تعليمي في كل مخيم؛ لقطعنا شوطا كبيرا في إخراج الأطفال من جو الحرب والقصف اليومي".
وتحدثت لـ"عربي21" عن ضرورة مساعدة العائلات الفقيرة التي فقدت معيلها، "حيث يتجه أطفالها إلى العمل في ظروف قاسية ليؤمنوا بعض وسائل العيش البسيط، فإن استطعنا تأمين هذه الاحتياجات للعائلات، لن يعود هناك سبب للعمل، كما أن توعية الأهل بضرورة تعليم أطفالهم باتت مسؤولية علينا جميعا".
ونوهت إلى إنشاء مركز لمحو الأمية في عرسال ضم العديد من الأساتذة من حاملي الشهادات الجامعية السورية، وبدأ عمله منذ اليوم الأول، وهو يضم عددا كبيرا من الأطفال. كما أشارت إلى مركز "لتعليم الأطفال على الحواسيب لتوعية أطفالنا على التكنولوجيا، وتنمية مهاراتهم في التعامل مع الكومبيوتر، حيث تم تخريج عدة دفعات من دورات محو الأمية"، وفق تأكيدها.