تشهد
ليبيا هذه الأيام حراكا إعلاميا وحشدا عسكريا في الشرق والغرب للإغارة على معاقل تنظيم الدولة في
سرت. فالاستعدادات قائمة في الجهة الغربية وهناك حراك لتحشيد كتائب مصراتة والمدن المجاورة تأهبا لحرب ضد "
داعش"، دون أن يتحدد موعد قريب.
بالمقابل، أعلن
حفتر عن التجهز لتحرير سرت من الإرهابيين، وأعطى أعضاء البرلمان إذنا للجيش بذلك، غير أنه من المستبعد أن تخرج قوات تابعة لحفتر من المنطقة الشرقية باتجاه سرت، ليس قبل السيطرة على بنغازي، وهو غير ممكن في أسبوع أو أسبوعين، بالمقابل فإن قوات حفتر لن تعطي ظهرها لخصمه، إبراهيم جظران وقواته، كما أن تقدم حفتر إلى سرت قد يضعه في مواجهة مصراتة والقوات المساندة لاعتقادها أن حفتر لن يكتفي بسرت في حال نجح في هزيمة داعش.
الجديد المهم هو بيان المجلس الرئاسي ليلة الخميس الذي أعلن فيه العزم على تشكيل قوة مشتركة للعمليات في سرت تحت قيادته.
الفارق في البيان هو إعلان المجلس الأعلى أنه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو ما يعني جزما بعدم شرعية القيادة العليا للقوات المسلحة في طبرق والقيادة العامة في المرج، إلا أن يوافق المجلس عليها.
البيان كان علامة فارقة في المضمون كما اللهجة، فالتأكيد على أنه هو القائد الأعلى للجيش فيه اتجاه لقطع الصمت وحسم الجدال حول دور ومسؤولية المجلس الرئاسي الأمنية، والموقف من القيادة العامة بإمرة خليفة حفتر.
الجزئية الأكثر أهمية هو أن الاتجاه إلى تجريم أي تحرك عسكري صوب سرت لا يكون بإمرة وتوجيه المجلس الرئاسي.
فقد اعتبر البيان الرئاسي أن كل من يخالف هذه التعليمات الصادرة عنه فيما يتعلق بإدارة العلميات ضد تنظيم الدولة يعتبر:
- منتهكا للقوانين العسكرية
- معرقلا لجهود محاربة الإرهاب
- متاجرا بقضايا الوطن
الجزئية الثالثة في مقاربات
الحرب على تنظيم الدولة في سرت هي مواقف الدول الغربية والتي تتجه نحو تأييد المجلس الرئاسي في سياسته وتوجهاته، فتصريحات وزير الدفاع الإيطالي تصب في هذا الاتجاه، وهو ما جاء على لسان باولو سيرا، وهو ما يؤكده كلام لوزير الخارجية البريطاني، وملخص المواقف الأوروبية أنهم سيدعمون المجلس الرئاسي في قراراته فيما يتعلق بالجانب الأمني ويوفرون ما يحتاجه من كافة أنواع الدعم.
ولم يكن مستغربا أن تقف الدول الغربية هذا الموقف الداعم للمجلس الرئاسي فيما يتعلق بسياسته الأمنية لأن القضاء على تنظيم الدولة وهو الأولوية بالنسبه لهم، أو هكذا تؤكد تصريحاتهم قبل وبعد توقيع الاتفاق السياسي وتشكل المجلس الرئاسي. لكن ما يمكن أن نعتبره جديدا هو الرهان على طرف أمني لأداء هذه المهمة وهم القوة الداخلة تحت نفوذ المجلس الرئاسي في المنطقة الغربية، باعتبار أن حفتر لم يعلن خضوعه للمجلس وأعلن تحفظه على الاتفاق.
ما استعصى على إدراكي هو الإجابة عن سؤال: هل ما وقع من تطورات منها بيان المجلس الرئاسي والتحشيد العسكري والدعم الأوروبي كان مبرمجا ومرتبا له، أم جاء مستعجلا كردة فعل على ما ينوي حفتر فعله، أم هو الحماس بعد التطورات المهمة في درنة والتي أسفرت عن طرد التنظيم منها ومن ضواحيها كلية؟
بالنسبة للموقف الأوروبي فإن ما تقدمت به الصحافة الخاصة وبالذات الصحافة البريطانية يفسر بعض التسيق الواقع، حيث يؤكد صانع القرار البريطاني على الحاجة الملحة لتوجيه ضربة قوية للتنظيم في ليبيا بالتزامن مع التضييق عليه في العراق وسوريا، باعتبار أن الملاذ سيكون سرت وأي مدن أخرى مرشحة لأن يضع عليها التنظيم يده لأنها ستكون بمثابة قواعد إضافية ومتقدمة لانتقام داعش من الغرب الأوروبي لقرب المسافة وإمكانية الاختراق.
أما فيما يتعلق بتعبئة حفتر العسكرية لتحرير سرت من الإرهاب كما صرح، فمعظم من يعارضونه يؤكدون أن الوجهة آبار وموانئ إنتاج وتصدير النفط وليس سرت. ويعزز هذا التفسير الوضع الذي يواجهه حفتر وأنصاره وهو صعوبة اجتياح طرابلس وإخضاعها لسيطرته، والإعلان عن عدم رضا أطراف أوروبية فاعلة عن سياساته. وإذا أضفت إلى ذلك تعثر السيطرة الكلية على بنغازي فإنه قد يكون ضروريا وضع يده على النفط لتعزيز نفوذه السياسي والعسكري والاجتماعي والتفاوض مع الأطراف الليبية والدولية من موقع أكثر قوة.