قضية قديمة وغامضة، أثارتها مجموعة من
الإسرائيليين اليهود، عبر التقدم بالتماس جديد للمحكمة العليا في تل أبيب، لمعرفة حقيقة اختفاء مئات
الأطفال اليمنيين اليهود في "إسرائيل"، حيث تحاط القضية بسرية تامة على مدى أكثر من ستة عقود خلت.
رفع السرية عن الوثائق المخبأة
فقبل أكثر من 60 عاما، اختفت آثار مئات الأطفال، حيث زعمت "إسرائيل" في وقتها أنهم ماتوا، بحسب موقع "المصدر" الإسرائيلي. لكن السؤال المطروح من قبل عائلاتهم: أين اختفت جثامين هؤلاء الأطفال؟ وأين قبورهم؟
وتتعلق القضية بأسر يهودية هاجرت من اليمن بعد إعلان "إسرائيل" على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وعندما سئل الملتمسون عما يريدون، أجابوا بأنه "منذ 66 عاما والدولة تكذب على هذه الأسر، نحن لا نرغب في الحصول على تعويضات، بل في كشف الحقيقة فقط".
وقالت إحدى الصحفيات، التي بادرت بتقديم الالتماس: "ما كشف هو آلية سرية اهتمت طوال الوقت بإتلاف الأدلة وإخفاء الشهادات، لكن الحقيقة لم تكشف بعد".
ويشير موقع "المصدر" الإسرائيلي إلى أن الجيلين الثاني والثالث من مهاجري يهود اليمن، يكافحون من جديد "ضد مؤامرة الصمت؛ التي تنتهجها المؤسسة الإسرائيلية بشأن
اختطاف أطفالهم".
وأكد الموقع الإسرائيلي أن العائلات "تقدمت بالتماس ضد الدولة بهدف إجبارها على رفع السرية عن الوثائق المخبأة والخاصة بمجريات التحقيق في القضية".
ونوه الموقع إلى أنه في هذه المرة تشعر العائلات بأنها "ستنجح في الكشف عما إذا ما كانت إسرائيل قد اختطفت أطفالا من أسر يهودية من أصول يمنية في الخمسينيات وسلمتهم للتبني - وفقا للاشتباه - لعائلات من أصول أوروبية"، كما ذكر.
إتلاف الأدلة وإخفاء الشهادات
وبيّن الموقع أن قضية اختفاء أطفال اليمن هي "قضية مئات الأطفال من الأسر التي هاجرت إلى إسرائيل من اليمن في الخمسينيات"، لافتا إلى أن شهادات الأسر تفيد بأن "أطفالهم أخذوا إلى المستشفيات الإسرائيلية أو منها؛ بذرائع سخيفة، وتم إخفاؤهم".
"لا يعقل أن ابني قد توفي من خدش طفيف"، كما قالت إحدى الأمهات التي أخذ ابنها إلى المستشفى، وبعد مرور ثلاثة أيام تم إعلامها بأنه توفي. ولكن لم يُسمح لها برؤيته أو الحصول على جثته لدفنها، وهي شهادة إحدى الأمهات، بحسب "المصدر".
وخلال السنوات الماضية، أقيمت لجنتا تحقيق برلمانيتان، وبعد انتقادات جماهيرية شديدة لعمل اللجنتين، نشرت عام 2001 نتائج لجنة تحقيق رسمية، زعمت أنه "لم يكن هناك أي اختطاف ممنهج للأطفال، وفي معظم الحالات كانت المعلومات التي قدمت للأسر صحيحة وتوفي الأطفال بالفعل، ولكن في المقابل بقيت 56 حالة خفية لم تنجح اللجنة في تفسيرها".
وتقول شقيقة أحد الأطفال "المختطفين": "لا يعقل أن لا يكون قد حدث ذلك.. هذه القصة تطال تقريبا واحدا من كل بيتين يمنيين في إسرائيل، نحن لا يمكن إسكاتنا".
وفرضت لجان التحقيق سرية تامة لمدة 70 عاما على النتائج التي توصلت إليها. ومع بداية عمل لجنة التحقيق، فقد تم "إتلاف أحد الأرشيفات من مخيم لليمنيين اليهود المهاجرين، وهو المخيم الذي أخذت منه الكثير من الشهادات للجالية اليهودية اليمنية حول اختطاف أطفالها، إضافة لأرشيف إحدى المستشفيات التي اختفى الأطفال عن طريقها"، وفق الموقع الإسرائيلي.
طفلي مات.. أين قبره؟
وتعليقا على القضية، أوضح المختص والمتابع للشأن الإسرائيلي، عمر جعارة، أن ظهور كلمة "اختطاف الأطفال اليمينيين في إسرائيل، ناتج عن كثرة عدد الأطفال المختفين".
ولفت جعارة، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أن "أمّا يمنية مهاجرة ذهبت إلى مستشفى إسرائيلي لتضع طفلها، وبعدما ولدته بشكل سليم، طلب منها إحضار ملابس لطفلها من أجل إتمام إجراءات الخروج من المستشفى، فذهبت وأحضرت الملابس، ورجعت بعد وقت قليل، وسألت: أين ابني؟ قالوا لها: ابنك مات مع السلامة.. هكذا بالنص"، بحسب ما نقله جعارة عن تقرير نشر السبت الماضي في القناة "العاشرة" الإسرائيلية.
وأكد أن الحادثة السابقة "تكررت ما بين عامي 1952 و1954، عهد ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء للاحتلال، مع العديد من الأمهات اليمنيات المهاجرات، وهو ما يشير إلى اختطاف الكثير من الأطفال اليمنيين، وتساءلت بعض أمهاتهم: طفلي مات، أين قبره؟".
وحول الدلالات والمعاني لانحصار قضية اختطاف الأطفال في المهاجرين اليمنيين في وقت مبكر من قيام دولة الاحتلال، قال جعارة: "هذا يؤكد أن عنصرية إسرائيل قوية جدا، وهي ليست بحاجة إلى يهود يمنيين فقراء"، لافتا إلى أن "إسرائيل"، هي "فكرة أوروبية، فلا مكان بداخلها إلا للعنصر الأوروبي، ولا مكان للعنصر العربي اليهودي فيها".