دخلت
الليرة السورية في طور "الانهيار"، وسط ارتفاع دراماتيكي تعرضت له مؤخرا لقيمتها مقابل
الدولار، ليقفز من 500 ليرة مقابل الدولار، إلى 650 ليرة تقريبا، خلال أسبوع واحد تقريبا، مما أثار مخاوف وقلق النظام وحلفائه، وتسبب في غلاء كبير للمنتجات والبضائع، في
سوريا التي وصلت بها نسبة من هم دون خط الفقر إلى أكثر من 85 بالمئة نهاية عام 2015.
واستبعد اقتصاديون أن تنخفض قيمة الليرة مقابل الدولار قريبا، مؤكدين أن الحل للأزمة الاقتصادية يكمن في حل سياسي، ينهي الأزمة السورية التي تتعرض لها البلاد، منتقدين إجراءات الحكومة السورية والبنك المركزي بضخ المزيد من الدولارات، وهو ما تسبب في هذا الارتفاع المفاجئ.
وقرر مصرف سوريا المركزي ضخ ملايين الدولارات في السوق بهدف احتواء أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية والذي زاد بنسبة 20% في يوم واحد، إذ جاء هذا القرار بعد انخفاض غير مسبوق في سعر صرف الليرة مقابل الدولار في الأسبوع الأخير، مع وصول سعر صرف الدولار إلى 625 ليرة سورية في السوق السوداء.
"شيوعية عسكرية"
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور عارف دليلة إن تصرف البنك المركزي السوري وضخ ملايين الدولارات "جاء كرد فعل على ارتفاع الأصوات بغياب الدولة والسلطة، وخاصة سلطة البنك المركزي".
واستبعد دليلة، في مقابلة مع قناة "CNBC عربية"، الثلاثاء، أن يؤدي الإجراء لحل المشكلة، مؤكدا أن "ما يقوم به المركزي السوري ليس حلا للأزمة، بل سيجعل الناس تندفع لبيع الليرة مقابل الدولار، مما سيؤدي إلى تراجع أكثر حدة في قيمة الليرة".
وشبه دليلة حالة الاقتصاد في سوريا هذه الأيام، بمرحلة "ما بعد ثورة أكتوبر في روسيا، عندما طبق لينين ما يسمى بالشيوعية العسكرية"، مشددا على أن المشكلة الحقيقية تكمن في إدارة الاقتصاد الحقيقي للدولة، داعيا كل طرف في منطقة سيطرته للتدخل بشكل عيني، وأن تحسب حسابا للناس واحتياجاتهم، وتسعى لتأمينها.
وأوضح أستاذ الاقتصاد السياسي أن المشكلة الآن بوجود "انفصال بين العيني والنقدي"، بسبب ما أسماهم "عددا محدودا من الناس يتجمع لديهم، ومن قبل الثورة، مئات ملايين الليرات السورية يوميا"، محملا إياهم مسؤولية هذا الانهيار في قيمة الليرة وارتفاع الدولار وأسعار الذهب، داعيا السلطات للتوجه لهم "لتأمين حاجات الناس واستعادة ما تستطيع مما جمعوه من عرق ودماء الناس".
النظام: "المؤامرة هي السبب"
ولم تخرج مبررات الحكومة والمصرف المركزي عن اعتبار أسعار الصرف المروجة غير حقيقية، وتأتي "ضمن الحملة الشرسة للضغط على الشعب السوري"، بحسب ما نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، المقربة من حزب الله، الثلاثاء، عن حاكم المصرف المركزي الدكتور أديب ميالة، الذي قال إن "الارتفاع الحاصل في سعر الصرف خلال الأيام العشرة المنصرمة، الذي تجاوز 100 ليرة سورية غير مبرر على الإطلاق، انطلاقاً من معرفة المركزي بحجم الطلب على القطع الأجنبي، والمعروض منه، وحجم السيولة بالليرات السورية اللازمة لشراء القطع".
أما وزير مالية النظام السوري إسماعيل إسماعيل فرأى أن أسباب هذا الانهيار ترجع لثلاثة أسباب: "أولها: ضعف الإنتاج المحلي بالنظر إلى القدرات الكبيرة المتوافرة، وثانيها: ارتفاع الطلب الداخلي على الدولار لتمويل المستوردات أو عمليات التهريب النشطة، وثالثها: محدودية إيرادات الخزينة العامة من القطع الأجنبي مقابل نفقات كبيرة"، بحسب ما أعلن أمام مجلس الشعب السوري في وقت سابق.
"مقاطعون"
وردا على هذا الانخفاض، دعا ناشطون في مدينة دمشق إلى تنظيم حملة مقاطعة تشمل البلاد كلها، تحت اسم "مقاطعون" احتجاجاً على ارتفاع الأسعار "الذي وصفوه بالجنوني" دون أي ردة فعل تقوم بها حكومة الأسد أو تدخل يوقف هذا الارتفاع الذي يرزح المواطنين تحت وطأته وقد يوصلهم للموت جوعا، بحسب موقع قناة "الآن".
ودعت الحملة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمقاطعة الأسواق السوريّة عبر الامتناع عن شراء المواد غير الضرورية وغير المهمة في الاستهلاك اليومي لمدة سبعة أيام، وذلك بهدف التضييق على التجار وإجبارهم على تخفيض الأسعار في الأسواق.
وتفاعل مع الحملة أكثر من مئة ألف سوري حتى اللحظة، وأكدوا أنهم سيشاركون في حملة المقاطعة التي ستشكل عامل ضغط على التجار، حيث أن الحملة ستبدأ من العاشر من أيار/ مايو حتى السابع عشر منه.
وقالت "أمل" إحدى الداعمات للحملة: ""كل يوم نفاجأ بتغيير سعر السلع وخصوصاً السلع الأساسية، وهذا الارتفاع مستمر، والحكومة لم تُغير شيئا بما يجري لذا قررنا أن نكون جزءا من حملة مقاطعة كبيرة ربما تخفف من هذا الارتفاع المتسارع"، في وقت باتت به العائلة الواحدة تحتاج أكثر من ستة أضعاف راتب الموظف العادي الذي كان يتقاضى 15000 إلى 30000 ليرة سورية والذي يعادل 40 دولارا فقط، بحسب اقتصاديين.
أما "أبو مصطفى"، صاحب محل بقالة في منطقة الزاهرة في دمشق، فقال: "أنا مضطر لأن أشارك بالحملة لأني بإغلاق محلي أكسب أكثر من أوقات البيع، فالمواد الموجودة في المحل لا تنفذ وإن نفذت لم أعدّ أستطيع شراء غيرها"، متابعا بقوله: "كان سعر كيلو السكر 550 ليرة سورية قبل يومين، وقس عليه أسعار المواد الأخرى من الضرورات الأساسية لكل يوم، الأمر الذي يستدعي المقاطعة وبسرعة".
هجوم من المؤيدين
ووصلت حملة المقاطعة والهجوم على حكومة النظام السوري وسياساتها إلى بعض المؤيدين الذين عبروا عبر صفحات "فيسبوك"، فكتب أحدهم: "يوما إثر يوم يثبت حاكم مصرف سورية المركزي أديب ميالة بأنه بات عبئاً على الاقتصاد السوري، فمنذ بدء الأزمة بدأت الليرة السورية بالانجرار وراء سعر صرف السوق السوداء لا العكس، ويوماً بعد يوم ما زال الدولار يصفع عملتنا الوطنية أمام أعين وزير المالية ووزير الاقتصاد ورئيس الحكومة".
كما كتب "علي أسعد" على صفحته: "وهكذا يستمر ميالة بالهروب من الواقع والتخفي وراء الكوارث كغيره من المسؤولين، تاركاً خلفه أزمات اقتصادية، وهو بذلك لم يعد بشهادة المختصين على قدر الثقة التي أوكلت إليه. وعليه أن يعترف بفشله ويقدم استقالته فاسحاً المجال لغيره بحماية الليرة السورية وإعادة هيبتها والتي وبشكل مستمر تواصل قيمتها بالانخفاض".
ومن الجدير بالذكر أن قيمة الدولار مقابل الليرة عشية الثورة السورية كانت تساوي 46 ليرة مقابل الدولار الواحد، أي أنها انهارت بقيمة تصل إلى ألف بالمئة تقريبا خلال خمس سنوات.