كشفت صحيفة
مصرية موالية لرئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، النقاب عما اعتبرته "صفقة" بين "
الدعوة السلفية" وأجهزة الأمن، يتم بمقتضاها إعادة 4 آلاف مسجد للسلفيين في شهر رمضان المقبل، مقابل قيامهم بمواجهة الشيعة.
وروت "الفجر"، بعددها الصادر هذا الأسبوع، تفاصيل استدعاء جهاز الأمن الوطني ("أمن الدولة" المنحل) لنائب رئيس الدعوة السلفية،
ياسر برهامي، من عيادته بالإسكندرية، حيث تم الاتفاق معه على صفقة يتم بمقتضاها السماح لأتباع الدعوة بالخطابة عبر 4 آلاف مسجد، مقابل التصدي للمد الشيعي، بموافقة وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر معا، استجابة لطلب دولة ما لم يتم التصريح بها.
وقالت الصحيفة إنه "في أحد القصور الرئاسية المخصصة لاستضافة كبار ضيوف مصر، من الملوك والرؤساء ورؤساء الوزراء، سأل أحد هؤلاء المسؤولين الكبار، الذي ينتمي لدولة عربية شقيقة، مستقبليه من المسؤولين المصريين، عن نشاط الداعية محمد حسان في الفترة الأخيرة، ولماذا اختفى عن الظهور، وناشد عودة الرجل لنشاطه وتلاميذه".
ولم يكتف المسؤول الكبير بالسؤال عن حسان فقط، ولكنه تناول الدعوة السلفية بالإسكندرية، ونشاط علمائها، ودورهم في مواجهة التمدد الشيعي، وسأل عن سر انكماش نشاطهم.
وبحسب "الفجر": "لم يستطع الحاضرون من القيادات المصرية الرد بشكل مباشر على تلك الأسئلة غير المتوقعة بالنسبة إليهم، وكانوا حذرين حتى لا يرد أحدهم بما يمكن أن يعتبره الضيف، عدم لياقة، لكنهم اكتفوا بالقول إنه سيكون هناك مزيد من الصلاحيات في الفترة المقبلة للدعوة السلفية، حيث سيتم إسناد دور مهم لهم في محاربة
التشيع".
وفهم الحاضرون حديث الضيف الكبير المباشر للقيادات المصرية بأنه رسالة مقصودة، لأن شخصية الضيف وحجمه لا تدع مجالا للظن بأنه يتباسط في الحوار، لكنهم كانوا متأكدين من أن كلماته رسالة واضحة ومهمة، لذا تم البدء بالتحرك فورا.
الشروع في الصفقة
وسافر وفد كبير من القيادات الأمنية برئاسة أحد القيادات الذي يتمتع بعلاقة قوية مع كل من ياسر برهامي، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، وعبد المنعم الشحات، المتحدث الرسمي باسمها، واجتمعوا في منزل الأخير، لمدة تزيد على الساعات الأربع، ولم يمنعهم من الاستمرار سوى صلاة الفجر.
ولم يكن برهامي يعلم بقدوم القيادة الأمنية الكبيرة التي وصلت للإسكندرية، ولكن الضابط الكبير توجه مباشرة لمنزل الشحات، وطلب منه استدعاء برهامي، الذي كان في عيادته، فورا، ورفض التواصل معه عبر الهاتف، ولكن تم الاتصال به عبر شخص آخر ليحضر على وجه السرعة.
وغادر برهامي عيادته التي يعالج فيها الأطفال، بعد أن اعتذر للحاضرين، وأسرع لمنزل الشحات، وبمجرد رؤيته للضابط الكبير، ابتسم، وعندما سأله الضابط عن سر الابتسامة، رد بأن الخير قادم.
ودخل الضابط الكبير الذي يعلم برهامي والشحات مكانته وقدرته، لأنه كان بالنسبة لهم مصدرا للأمن والأمان، وفق "الفجر"، في الموضوع بشكل مباشر، وسأل القياديين السلفيين عن ضعف تحركاتهما في الفترة الأخيرة في المساجد.
فردَّ برهامي بأنه تم طرد مشايخ الدعوة من مساجدهم، التي تصل لـ4آلاف مسجد، شر طردة، على يد وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، وأنه تم التعامل مع الدعوة وعلمائها باعتبارهم فصيلا غير وطني، يجب التخلص منه بشكل واضح وصريح.
وهنا ردت القيادة الأمنية على برهامي ردا عنيفا جدا، إذ قالت له: "هل تم حرمانك من صعود المنابر أنت وعلماء الدعوة ومشايخها الكبار نهائيا..؟ لم يحدث هذا، وأنتم تمارسون نشاطكم في المساجد بكل حرية، وتحت أعيننا"، بحسب الصحيفة.
ولكن برهامي اعترض، وقال للضباط: "علماؤنا ومشايخنا وتلاميذنا في جميع أنحاء البلاد تم حرمانهم مما يقرب من 4 آلاف مسجد في الفترة الأخيرة، وتم منعهم تماما من ممارسة نشاطهم الدعوي والاجتماعي، كل في المنطقة بشكل واضح وصريح".
فردَّت القيادة الأمنية: "إن الخريطة ستتغير مع بداية شهر رمضان، والمساجد سترد لكم، وأنتم مسيطرون على الزوايا بشكل قوي في جميع المحافظات خصوصا التي لم يتم ضمها رسميا لتبعية الأوقاف، والتي لا حصر لها خصوصا في المناطق والعمارات التي تم بناؤها في الفترة الأخيرة ولم تحصل على تراخيص رسمية.. أنتم تسيطرون على كل تلك المناطق، وستحصلون على حرية أكبر في التحرك في النشاط الدعوي والاجتماعي بعيدا عن النشاط السياسي، ولكن كل شيء بمقابل".
واستمر الضابط في الحديث بقوله: "تقوم كل كوادركم وعلمائكم ومشايخكم بمواجهة نشر فكر التشيع، الذي يحاول التوسع في مصر في الفترة الأخيرة مع القضاء على الجيلين الثالث والرابع من شباب وأشبال جماعة الإخوان، وهما مهمتان يجب النجاح فيهما، وسيتم ترتيب كل شيء في وقته وحينه".
الاتفاق مع الأوقاف والأزهر
وتابعت القيادة الأمنية أنه سيتم ترتيب لقاء سري بين قيادات الدعوة مع مختار جمعة، وزير الأوقاف، لرسم خطة لاستعادة المساجد التي كنتم تسيطرون عليها مع دخول رمضان، خصوصا مع العجز الواضح في كوادر وعلماء الوزارة، وعدم قدرتها على سد العجز العددي في المساجد والزوايا المنتشرة في كل ربوع مصر.
وبحسب "الفجر": "أخبر الضابط برهامي والشحات بأنه سيتم ترتيب لقاء آخر مع الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وهناك سيتم إسناد مهمة مكافحة التشيع لهم بالكامل، وأنهم سيعرفون جميع التفاصيل في حينها".
وفور انتهاء الاجتماع، أسرع برهامي والشحات، إلى منزل محمد إسماعيل المقدم، المرشد الروحي للدعوة السلفية بالإسكندرية، لعرض تفاصيل اللقاء والصفقة المريحة والمريحة جدا، خصوصا أنها لا تتعلق بحزب النور، إذ سيظل الكيان السياسي، التابع للدعوة بعيدا.
كما أن الاتفاق يعني أن الدعوة ستشهد انفراجة في الفترة المقبلة، وهو الهدف الذي حاول مشايخ الدعوة تحقيقه، واتهموا برهامي بأنه ورط الدعوة والدعاة والمشايخ في براثن السياسة، بعد أن ضيقت وزارة الأوقاف عليهم.
واعتبر برهامي الصفقة مكسبا شخصيا له في الدعوة، وأنها ستجمع المشايخ على قلب رجل واحد مرة أخرى، خصوصا مع استعادة مساجدهم، لذا وافق المشايخ الستة المكونين لمجلس أمناء الدعوة السلفية، وباركوها، خاصة أنها وفق تقويمهم ستلقى دعما من المؤسسة الدينية (الأزهر والأوقاف)، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، ولكن الدعوة ستخوض معركتها الكبرى ضد التشيع، وهو أمر موجود بالفعل على أجندتها.
وكشفت "الفجر" عن مفاجأة أخرى هي أن اللقاء بين شيخ الأزهر، ومشايخ الدعوة السلفية، قد تم عقده بالفعل في مكتب الطيب بمقر مشيخة الأزهر، في خلال الأيام الماضية، بناء على تنسيق وترتيب مسبق وفقا لوعد الضابط الكبير، إذ عرض مشايخ السلفية خطة الدعوة السلفية، التي كانت معدة أصلا منذ فترة كبيرة لمواجهة المد الشيعي في قلب القاهرة والمحافظات، لكن المشايخ قاموا بوضع بعض التعديلات.
ووفقا للخطوط العريضة التي تم الاتفاق عليها، فإن مشيخة الأزهر ملزمة بالموافقة عليها، ومباركتها بشكل لا يتعارض مع شكل المؤسسة في مصر والعالم العربي والإسلامي.
وقالت صحيفة "الفجر" إنه بتلك النظرية التي وافق عليها الطيب يكون الأخير قد غسل يديه نهائيا من محاربة التشيع في مصر، وفي الوقت نفسه يقوم السلفيون بالحرب بالوكالة عنه في تلك المعركة المذهبية الفاصلة، بينما يجد فيها السلفيون مخرجا من أزمتهم مع قواعدهم بالإضافة لعودتهم لمساجدهم.
وتلك كانت، بحسب الصحيفة، المعضلة الحقيقية والحلقة الناقصة في تفاصيل إتمام الصفقة على أكمل وجه خصوصا مع اعتراض وزير الأوقاف على عودة السلفيين للمساجد، وأنه في حال عودتهم سيكون ذلك مخالفا لقانون الخطابة وميثاق الشرف الدعوي.
ولكن مع الضغط على الوزير، والتواصل معه، تم عقد اجتماع سري بينه وبين مشايخ الدعوة داخل مقر الوزارة بوسط القاهرة، واستمر لساعات توصل فيها الطرفان لصيغة في التعامل، هي منح عدد كبير من علماء الدعوة والمشايخ تصاريح خطابة مؤقتة من الوزارة للعودة بشكل قانوني، خصوصا مع العجز العددي التي تعاني منه الوزارة في تغطية فعاليات الدعوة في شهر رمضان، وهو الباب الذي سينفذ منه السلفيون للعودة إلى المساجد مرة أخرى، بحسب "الفجر".