في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة 27 أيار/مايو، وبينما كانت الاشتباكات على أشدها في كل رقعة من مدينة
مارع شمال
حلب، بين
تنظيم الدولة الذي كان بصدد اقتحام المدينة، وبين قوات المعارضة وفصائل
الجيش الحر التي استماتت في الدفاع عن المدينة، وصل بأعجوبة إلى داخل
مشفى الحرية الميداني الذي كان محيطه يشهد اشتباكات أيضا، جريح يعاني من عدة إصابات بالغة.
مع وصول الجريح إلى المشفى كان التيار الكهربائي مقطوعا، ولم يكن أمام الأطباء داخل المشفى حينها، إلا المباشرة بعملية جراحية للمصاب الذي دخل في حالة حرجة.
أحد الأطباء من داخل المشفى حكى لـ"
عربي21" ما جرى حينها: "دخل الجريح بحالة اضطرابات استقلابية نتيجة شدة النزيف، وحينها لم يكن لدينا خيار إلا إجراء عملية جراحية له فورا".
ويتابع الطبيب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "إن إجراء عمل جراحي بهذه الخطورة دون التيار الكهربائي، أشبه ما يكون بالأمر المستحيل، لأن أجهزة التخدير، والمخثر، وشفط الدماء بحاجة إلى الكهرباء، فضلا عن غياب الإنارة، لكن تناسينا كل ذلك وقمنا بفتح بطن الجريح على ضوء الكشاف الرأسي، وضوء الموبايلات".
ويضيف: "قمت على الفور باستئصال الطحال، والكلية اليسار، وقمنا بتربيط الأمعاء، وكل هذا كان بطريقة (دمج الكنترول)، أو ما يعرف طبيا بـ(السيطرة على الأضرار بشكل مؤقت)، إلى حين تجاوز الجريح مرحلة الخطر".
ويشير الطبيب، إلى أن هذا الخيار الطبي (دمج الكنترول) يتبع في حال كانت الخطورة مرتفعة، ويردف: "الأولوية لوقف النزيف، وتخفيف التلوث خوفا من الاضطرابات الاستقلابية التي تؤدي للوفاة".
ويستطرد: "عدا عن كل ذلك، وأثناء العملية كانت الاشتباكات على أشدها، والقنابل كانت تنهال على المشفى مثل المطر".
وبحسب الطبيب، فإن غياب التيار الكهربائي اللازم لتشغيل أجهزة الإنعاش، حال دون نجاة الجريح: "انتهينا من إجراء العملية في الساعة الثالثة فجرا، ولم نستطع تشغيل المولد للساعة الثامنة صباحا إلى حين استتاب الأمن، وذلك بسبب بعد المولد الكهربائي عن مبنى المشفى، وحينها كان الجريح قد فارق الحياة".
في موازة ذلك، استنكر الطبيب نفسهه ما وصفه بـ"الاستهداف المتعمد للمراكز الصحية"، وقال بهذا الشأن: "في كل الحروب خارج الحرب السورية يتم تحييد المراكز الصحية، لكن في سوريا تحرص الأطراف المتصارعة على استهداف المراكز الصحية بشكل أولي".
وتابع الطبيب: "تنظيم الدولة حدد لمجموعة من عناصره، مهمة احتلال مشفى الحرية الميداني"، وفقاً للطبيب الذي رفض مغادرة مدينة مارع، على الرغم من وقوعها بالحصار الذي فرضه كل من تنظيم الدولة والوحدات الكردية على المدينة.
وختم الطبيب حديثه لـ"
عربي21": "الوحدات الكردية تسمح بمغادرة المدينة من الجهة الغربية التي تسيطر عليها، لكن لا تسمح بالعودة إليها، ولذلك أفضل البقاء هنا والموت هنا على ترك واجبي الصحي، تجاه المحاصرين من أبناء المدينة".