تشهد الساحة الأوروبية تنافسا بين
الفلسطينيين والإسرائيليين على كسب النفوذ فيها، ففي حين سجل الفلسطينيون نجاحات من خلال حركة المقاطعة العالمية "بي.دي.إس"؛ رفض اتحاد الطلاب الأوروبي انضمام نظيره الفلسطيني إليه، بعد ضغوط إسرائيلية، بالتزامن مع إعلان النرويج وقف تمويلها لبرامج دعم الأسرى الفلسطينيين.
وكشفت صحف إسرائيلية في 15 أيار/مايو عن ضغوط كبيرة مارسها اتحاد الطلاب الإسرائيلي، على نظيره اتحاد الطلاب الأوروبي، لمنع انضمام اتحاد الطلاب الفلسطينيين لنظيره الأوروبي، بحجة سيطرة حركة حماس على مجالس الطلاب في الجامعات الفلسطينية، وآخرها في الجامعة الإسلامية بقطاع غزة في 22 آذار/مارس، وجامعة بيرزيت بالضفة الغربية في 27 نيسان/أبريل.
أزمة عميقة
وقال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في غزة، رامي عبده، إن "تركيز إسرائيل على ما تراه إنجازات سياسية؛ يعكس عمق الأزمة التي تعاني منها في
أوروبا، في ظل زيادة تعاطف المستويات الأوروبية المختلفة مع القضية الفلسطينية، والزخم المتصاعد بأنشطة مقاطعة إسرائيل".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "ما تعتبره إسرائيل إنجازات داخل أوروبا؛ لن يوقف الحراك المناصر للقضية الفلسطينية هناك؛ لأن رقعة التضامن الأوروبي مع الفلسطينيين اليوم أوسع بكثير مما تعتقد إسرائيل".
ويقول مراقبون إن اللوبي الصهيوني يعمل لصالح دعم "إسرائيل"، وتحصيل مواقف سياسية أوروبية مساندة لها منذ عشرات السنين في الغرب، في ظل ما تشهده الساحة الأوروبية من صعود للرواية الفلسطينية مقابل الإسرائيلية، حيث خسر اللوبي الإسرائيلي مواقع عدة في الساحة الأوروبية، مشيرين إلى أنه "يمكن ملاحظة ذلك من خلال تأييد الفلسطينيين في المظاهرات الأوروبية الحاشدة خلال الحروب الإسرائيلية الثلاث على غزة 2008، 2012، و2014".
ولعل الموقف الأكثر إظهارا لنفوذ "إسرائيل" في أوروبا؛ تمثل بانتقاد رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس في 11 أيار/مايو لقرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" في 16 نيسان/إبريل، الذي قرر استخدام عبارة "المسجد الأقصى" بدل المسمى اليهودي "جبل الهيكل"، مما دفع بمسؤولين إسرائيليين كبار، على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لتوجيه انتقادات شديدة لـ"يونسكو"؛ لأنهم اعتبروا أن القرار ينكر أي صلة لليهود بهذا المكان المقدس بالنسبة لهم.
الرسمي والشعبي
من جهته؛ قال سفير فلسطيني سابق في عدة عواصم أوروبية، فضل عدم الكشف عن هويته، إن "النفوذ الإسرائيلي آخذ بالتزايد في أوروبا على المستوى الرسمي، رغم تراجعه شعبيا، وهو مصدر خيبة أمل فلسطينية على مستوى العلاقات الخارجية".
وأضاف لـ"
عربي21" أنه "بإجراء مقارنة بين قدرات الفلسطينيين وقدرات الإسرائيليين؛ سنكتشف فورا أن إسرائيل تسبقنا إلى دوائر صنع القرار الأوروبي لكثير من الاعتبارات السياسية والأمنية والاستراتيجية، وأن ما بين السلطة الفلسطينية والدول الأوروبية من تواصل لا يتجاوز المجاملات والعلاقات العامة، ولا يترجم إلى سلوك سياسي يكبح جماح إسرائيل".
إنجاز فلسطيني
وفي ذروة النشاط الإسرائيلي في الساحة الأوروبية؛ أصدر منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني بلندن في 10 أيار/مايو الماضي، التقرير الأول من نوعه حول اللوبي الإسرائيلي في أوروبا بعنوان "اللوبي الإسرائيلي والاتحاد الأوروبي"، موضحا النفوذ الإسرائيلي في الدول الأوروبية، والطريقة التي يتبعها اللوبي للضغط على الاتحاد الأوروبي، ودفعه إلى عدم فرض عقوبات على "إسرائيل" رغم انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين.
وفي هذا السياق؛ قال الخبير الفلسطيني في الشؤون الأوروبية حسام شاكر، إن "ما يجري من مساع إسرائيلية في أوروبا؛ يأتي لاحتواء الجهود المناهضة للاحتلال الإسرائيلي فيها، واعتراض طريق المبادرات المتزايدة المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني".
وأضاف لـ"
عربي21" أنه "لا يمكن اعتبار ذلك مكاسب جوهرية لإسرائيل، لأن الاتجاه نحو نبذ الاحتلال الإسرائيلي يتسع ويتعاظم في أوروبا، وربما كسبت إسرائيل مواقف تكتيكية أخيرا، لكن إخفاقاتها الجوهرية تتواصل، مما يتطلب منها أن لا تبالغ بتقدير مكتسبات مؤقتة".
وربما يقرأ الفلسطينيون ما تراه "إسرائيل" إنجازات سياسية لها في أوروبا، على أنه نتيجة طبيعية، في ضوء العلاقة التاريخية بين أوروبا و"إسرائيل"، فهذه القارة عملت على إيجاد الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية قبل 100 عام عبر وعد بلفور في 1917، ومع ذلك؛ فإن الإسرائيليين باتوا يواجهون صعوبات جادة داخل هذه القارة، ويخشون أن تدير ظهرها لهم، في ظل ما يبذله الفلسطينيون هناك من جهود متنامية في السنوات الأخيرة ضد "إسرائيل"، بحسب مراقبين.