"لا تسأل أحدا خارج بلده عن
رمضان، فالإحساس بالانكسار يسيطر على كل سوري في العالم".. بهذه الكلمات بدأت اللاجئة السورية مايسة الشماع حديثها عن مشاعرها وهي تعيش أجواء شهر رمضان بعيدا عن بلادها.
وأضافت الشماع لـ"
عربي21" أن "هناك فرقا كبيرا بين رمضان الشام، ورمضان القاهرة، وإن كانت
مصر وأهلها لا ذنب لهم في ذلك، فمشاعر الحنين للمّة الأسرة وفرحة الأولاد؛ كلها أشياء حرمنا منها، ولا ندري إلى متى؟".
وتابعت: "كنا نعيش ميسوري الحال في الشام، واليوم صارت الحياة أصعب بكثير، حيث نفتقد كل شيء، ونشتاق لحياتنا الطبيعية، ولكل تفصيلة في رمضان، فرائحة الوطن المفقودة، وشريط الذكريات الذي لا يختفي؛ يفقدانك حلاوة أي لحظة قد تكون سعيدة، رغم أن حالنا هنا أفضل بكثير من باقي السوريين، ويكفي أننا نعيش في مصر بدون لقب لاجئين".
وعن رمضان القاهرة، قالت الشماع التي فرت من
سوريا إلى القاهرة قبل خمس سنوات: "أدهشني فانوس رمضان، وتزيين العمارات والشوارع، وأبهرتني مائدة الرحمن، وتوزيع الشباب للعصائر والمياه والطعام على المارة قبل مدفع الإفطار.. كلها أشياء تعلمتها من مصر، وسوف أطبقها عندما أعود لبلادي".
غصة في حلق كل سوري
أما نائب رئيس لجنة الإغاثة السورية في مصر، حسان بشان، فقال إنه "رغم حفاوة المصريين، ومحاولاتهم تخفيف آلامنا؛ إلا أن كل إنسان يشعر أن بلده هو الأفضل والأجمل، حتى لو كان يعيش في أم الدنيا".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "رمضان أصبح أزمة في القلب، وغصة في حلق كل سوري، وذلك بعد الشتات السوري في كل بلدان العالم، وسنوات مر فيها رمضان ولم تجتمع الأسر السورية على مائدة واحدة، كما عشنا أيامنا في الشام"، مستدركا: "برغم ذلك؛ فإن أوضاعنا الإنسانية في مصر أفضل من السوريين في الخليج وأوروبا ولبنان وتركيا" على حد قوله.
وفي محاولة لاستعادة ذكريات رمضان، وأكلات المطبخ السوري، وخاصة الحلويات الشامية، بيّن بشان أنهم يقومون بتصنيع "حلاوة الجبنة" المشهورة بها مدينة حمص، والأيس كريم العربي (البوظة) المشهورة بها حماة، والكنافة السورية المشهورة بها دمشق، فيما يقوم بعض السوريين باستيراد المواد الخام لصناعة الحلوى والأطعمة السورية.
وقال إن "السوريين في مصر يحاولون التأقلم بشكل ما مع الحياة، رغم الظروف الصعبة التي يعايشونها، مثل ارتفاع الأسعار المتتابع، وزيادة قيمة الإيجارات، وتكلفة فاتورة تعليم الأبناء الباهظة، وتخلي المنظمات الإنسانية عن السوريين هنا".
حالنا من حال المصريين
وبتفصيل أكثر حول معاناة السوريين؛ أوضح بشان الذي يقيم في القاهرة منذ ست سنوات، أن "ارتفاع قيمة الدولار في مصر خلال الخمسة أشهر الماضية؛ أصاب السوريين هنا بأزمة كبيرة، كالمصريين تماما"، مضيفا أن "كل أسرة صغيرة؛ تحتاج 50 جنيها يوميا من أجل الطعام فقط، يعني 1500 جنيه شهريا، بجانب ارتفاع قيمة الإيجار إلى 800 و900 جنيه شهريا، وذلك في أحياء شعبية بالقاهرة، مثل عين شمس، ومنطقة جسر السويس".
وأضاف أن أسرة مكونة من ستة أفراد، وأبناؤها في مراحل التعليم؛ لا يكفيها 6 آلاف جنيه مصري شهريا، مشيرا إلى أن أغلب المصروفات تذهب للتعليم الذي تصل تكلفته السنوية إلى 18 ألف جنيه مصري للطالب.
وعن الأعمال التي يشتغل بها السوري في مصر؛ أوضح أنها لا تخرج عن ثلاثة أمور هي "تجارة العطارة، والمشروعات الغذائية كالحلويات واستيراد خاماتها، أو تجارة وخياطة الأقمشة".
ودعا حسان السوريين إلى الصبر على محنتهم، متوقعا انفراجة قريبة في الأزمة السورية، واقتراب حلم العودة ونهاية الشتات.
من جهته؛ قال الإعلامي السوري ربيع محمد، إن "متعة رمضان في سوريا تتمثل في وجودك بين الأهل والأقارب، واجتماع الشباب في الحارات قبيل أذان المغرب، وعندما ترسل والدتك معك طبقاً من الطعام للأقارب والجيران، حيث تنتشر في رمضان (العزائم)، حتى لا تكاد ترى المائدة في يوم تخلو من ضيف يعدّ الإفطار على شرفه".
معاناة لا تنتهي
وحول معاناة السوريين في مصر؛ قال محمد الذي يقيم حاليا في القاهرة، إن "من السوريين من يحصل على مساعدات غذائية شهرية من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وهؤلاء يتلقون دعما يكفيهم، لكنهم يعانون غلاء باقي مستلزمات الحياة"، مشيرا إلى أن "هناك سوريين لا يتلقون مساعدات، فهؤلاء كبقية الشعب المصري؛ يعانون كثيراً من الارتفاع الكبير والغريب في الأسعار، وبخاصة ارتفاع أسعار الأدوية".
وأكد أن "المعوقات التي تواجه السوريين كثيرة، ولكن الأهم والأصعب هو الحصول على الإقامة، والتفريق بين الإقامات الدراسية والسياحية"، متابعا: "غالبية السوريين في مصر يشعرون بأنهم في سجن كبير بسبب أزمة الإقامات، حيث إنهم لا يستطيعون الخروج من مصر لرؤية أي من أفراد أسرهم والعودة لها، وخاصة حاملي الإقامة السياحية، حتى أصبحت الغربة بالنسبة للسوري تمثل غربتين في مصر".
وأضاف أن التآمر العالمي على الثورة السورية "أدى إلى تفريق وتمزيق وتشريد الشعب السوري، حتى باتت الأسر السورية منتشرة في أكثر من بلد، ولا يستطيع أحد منها زيارة أحد بسبب حواجز الإقامات والفيز في بلاد العرب".