مقالات مختارة

على هامش عملية تل أبيب

هاني حبيب
1300x600
1300x600
ربما لم يكن بوسع منفذي عملية تل أبيب الأخيرة، إدراك تزامن ما يُعِدَّانِه لهذه العملية مع جملة من الرسائل التي تم إبلاغها فعلا إلى أصحاب الشأن فور تنفيذها، وعلى الأرجح أن الثنائي مخامرة، فكر في تطوير عملية التصدي للاحتلال في إطار الانتفاضة الفلسطينية الثالثة من الطعن والدهس، إلى العودة إلى استخدام السلاح الناري، إلى بدايات الثورة الفلسطينية المعاصرة، من هنا جاء جل اهتمامهما، بتطوير سلاح الكارلوستاف "بور سعيد" المعطّل وإصلاحه ليفي بالغرض.

أما بالنسبة للرسائل، فالأولى موجهة إلى تعيين العنصري الفاشي ليبرمان وزيرا للحرب في الائتلاف المتطرف بقيادة نتنياهو، كاختبار، ما كان أحد بحاجة إليه باعتباره خارج إطار الشك، حول كيفية تصرفه ومدى تنفيذ خطابه قبل التعيين إلى ما بعد هذه العملية، وقد لاحظنا مع الجميع الإجراءات الانتقامية كافة التي اتخذتها وزارته فورا، مع أننا ندرك أن هناك المزيد من الإجراءات غير المعلنة، التي تنتظر الظروف المناسبة. أما الرسالة الثانية، فتنطلق من تحليلات، على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أن الانتفاضة الثالثة قد خبت وتوقفت، بعد أسابيع من حدوث أي عملية طعن أو دهس، رغم استمرار جيش الاحتلال في تلفيق التهم وإطلاق النار على "نوايا" بعض الفلسطينيين الشباب، بذريعة احتمال قيامهم بعمليات طعن ضد المستوطنين، في حين أن الرسالة الثالثة تتمثل في تأكيد ضرورة إنهاء الاحتلال باعتباره الأداة الرئيسية في توترات المنطقة، وأن المبادرات كافة لاستئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يجب أن تنطلق أولا وأخيرا، بوضع حد نهائي للاحتلال، وأن أية مبادرة أو عودة إلى المفاوضات والالتفاف حول هذا المبدأ، لن يكتب لها النجاح ولن تفرض على الشعب الفلسطيني المقاوم.

وما استوقفني إثر هذه العملية، ردود الفعل عليها، وعودة البعض إلى الفصل بين الأخلاق والحقوق، والتوقف عند التفاصيل مع مغادرة قد تكون متعمدة أحيانا، للأسباب والأصول، وتناسى هذا البعض أن الصراع مع دولة الاحتلال كان ولا يزال صراعا مفتوحا، ويستلزم كل إمكانيات وأشكال النضال المختلفة. وإذا كانت هذه العملية، ومثيلاتها، لا تصبّ في إطار خطة سياسية ومقاومة منظمة، فهذا لا يجعلها بأي حال، مجرد "عمل فردي" بقدر ما هي انسجام مع تطلعات الشعب الجمعية في الحرية والانعتاق من الاحتلال، قصور أنوية الثورة وفصائلها، يجب ألا يشكل سندا ومرجعا لتقزيم وتشويه نضال الأنوية الشابة المعطاءة والمتحدية، ليس للاحتلال، ولكن وأيضا وبالتأكيد لكل أوجه القصور والخذلان الداخلية الفلسطينية.

من المؤكد أن الشعب الفلسطيني المقاوم، وبالضرورة ليس في وارد قتل المدنيين، إلاّ أن شعور المستوطنين بالأمان والاستقرار، يعبر من وجهة نظر الكثيرين، عن مصادرة الحقوق الفلسطينية، إن إشعار الجانب الآخر، العدو، أنه لا أمان ولا استقرار له، طالما لم تلب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي أولويات هذه الحقوق زوال الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بات أمرا يأخذه شباب وشابات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة بالحسبان.

إلاّ أنه يجب الاعتراف، أن الرسالة وصلت مشوّشة ولم يدرك معانيها بعض الأطراف، خاصة الأمم المتحدة، إذ إن المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد، أدان الإجراءات الإسرائيلية التي اتخذت بحق الجمهور الفلسطيني، واعتبرها إجراءات انتقامية وعقوبات جماعية، دون أن ينسى إبداء القلق من أن هذه الخطوات ستؤدي إلى زيادة الشعور بغياب العدالة والإحباط لدى الفلسطينيين، المفوض المحترم تجاهل تماما، أن هناك احتلالا، وأن المطلوب ليس وقف الإجراءات الانتقامية والعقوبات الجماعية، بل إنهاء الاحتلال بشكل نهائي، على الأقل احتراما للقرارات العديدة والمتكررة التي اتخذتها منظمته الدولية!! 

وليت ردود الفعل اتسمت ببعض الإنصاف، مثلما فعل رئيس بلدية تل أبيب رون خولداي، الذي تعمد وهو يدين هذه العملية إلى التذكير بأسبابها: "نحن كدولة، الوحيدون في العالم الذي يعيش شعب آخر تحت احتلالها، ويحرمون من أية حقوق مدنية، ـ مؤكدا ـ المشكلة في أنه عندما لا يكون هناك إرهاب، فإن أحدا لا يتحدث عن الاحتلال، لا يمكنك أن تبقي الناس في وضع يكونون فيه تحت الاحتلال، ومن ثم تتوقع منهم أن يصلوا إلى استنتاج بأن كل شيء على ما يرام".

وباعتقادي أن رئيس بلدية تل أبيب، فهم وأدرك معنى الرسالة التي أرسلتها عملية تل أبيب، أكثر من العديد من الجهات والأفراد والمسؤولين والمحللين، ووضع بهذه الأقوال حدا للخلط بين الحقوق والأخلاق بما لا يصادر العلاقة بينهما، واعيا إلى أن للظواهر والأحداث أسبابا يجب عدم تجاهلها ونحن نحاكم الأفعال والمواقف، وعوضا عن البحث في التفاصيل والقشور، فإن الأجدى للحكم المنطقي، البحث عن الدوافع والأسباب، هكذا اقترب رون خولداي، وابتعد البعض منا عن حقيقة وجذور ما يجري على أرضنا المحتلة من احتلال في جانب، ومواجهة على الجانب الآخر!!

عن صحيفة الأيام الفلسطينية
0
التعليقات (0)