يريدون الحياة ويكافحون لتأمين لقمة عيش أبنائهم، رغم القصف اليومي والبطالة التي ارتفعت نسبتها، فالأهالي في ريف
حلب يصرون على الاستمرار، حيث تظهر مهن جديدة كل يوم لكسب الرزق، لكن بعض المهن خطيرة بشكل قد يؤدي إلى الموت في أي لحظة.
أحمد حاج خليل، أحد الشبان الذين أغلقت دروب الرزق في وجوههم فاضطروا لإبداع ما يشبه تدوير الموت وتحويله إلى حياة.
فبعد أن نشر ناشطون صورة الشاب وأمامه مجموعة كبيرة من
القنابل العنقودية غير المنفجرة، مشيرين إلى أنه يقوم بجمعها وبيعها لتأمين مبلغ يقيه العوز والفقر، تمكنت "
عربي21" من معرفة قصة الرجل رغم عدم القدرة على التواصل معه مباشرة.
فحاج خليل هو أحد مقاتلي الجيش السوري الحر، وكان قد انضم إلى فصائل الشمال السوري منذ بداية الحراك المسلح في حلب. وبعد أن طال زمن الحرب لم يعد أمام الشاب سوى البحث عن عمل مجدٍ يعيل به أطفاله، ففكر في أن جمع القنابل غير المنفجرة سيؤمن له دخلا مقبولا؛ لا سيما في ظل حملات القصف المتتابعة التي لا تهدأ، والتي يتعرض لها ريف حلب الشمالي تارة من قبل الطائرة الروسية وأخرى من قبل طائرات النظام، وتارة ثالثة براجمات الصواريخ وقذائف المدفعية.
وبما أن الشهور الأخيرة كانت بالنسبة للشمال الحلبي مأساوية نتيجة كثافة القصف، فرزق الرجل يتزايد وتنضج غلاله، إذ إن القصف العنقودي يخلف الكثير من القنابل الصغيرة الخطيرة التي لم تنفجر بعد، لكن أحمد يدرك خطورتها ورغم ذلك يجمعها ويقوم ببيعها.
وبحسب بعض أهالي المنطقة، فإن القنابل هذه تحتوي على مواد متفجرة بالإمكان استخراجها والاستفادة منها، وهكذا يقوم حاج خليل ببيعها إلى بعض الفصائل، أو إلى مصانع الذخيرة الصغيرة التي انتشرت في الشمال، والتي تصنع قذائف الهاون وذخائر أخرى متنوعة، فيما يحصل الرجل على مبلغ مالي لقاء ذلك.
ويقول أبو عدنان، وهو مهندس من ريف حلب الشمالي، لـ"
عربي21" حول الموضوع: "لقد كنت ضابطا مجندا خلال خدمتي الإلزامية منذ أكثر من 20 عاما، وكان اختصاصي يتعلق بالذخائر والقنابل وما شابه، وأدرك تماما أن القنابل العنقودية التي لا تنفجر خطيرة جدا، إذ إنه بالإمكان انفجارها لدى أية حركة قد تصيبها".
وأضاف: "تحدث باستمرار حوادث مشابهة لما أقول، فكيف يقوم الرجل بهذه المهنة؟ لا بد أنه وصل إلى مرحلة صعبة من الحاجة والفقر ليقوم بعمل قد يخسر خلاله حياته".
ويضيف أبو عدنان: "أعتقد أنه لا يجوز الاستمرار بهذا العمل، فنجاته اليوم لا تعني نجاته غدا.. إنك هنا تتعامل مع شيء شديد الحساسية، فخطورة القنابل التي لم تنفجر أكبر بكثير من التي انفجرت في لحظة يتم خلالها القصف، ويدرك الأهالي خطورة ذلك ويحاولون الاحتماء منها، أما بعد ذلك فقد يعبث أحد الأطفال بها أو قد تنفجر فجأة دون أن يلمسها أحد في أماكن سقوطها".
وأوضح أن "هذا السلاح المحرم دوليا تم منعه وتحريم استخدامه لهذا السبب، لكن من الواضح أن لكل قاعدة استثناءات، فتحريم استخدام القنابل العنقودية استثناؤه هو السماح باستخدامها لقتل السوريين"، مضيفا: "أتساءل دائما، لم يوافق العالم كله على قتلنا؟".
صورة رجل يجلس وأمامه عشرات القنابل العنقودية قد تكون صورة غريبة أو بطولية أو مؤلمة، وقد تبعث الكثير من المشاعر المختلفة، لكنها - وبحسب معلقين - أقل وقعا وتأثيرا من صورة أب يودع زوجته وأطفاله الأربعة الذين قتلوا بقنابل مشابهة، أو بأخرى أقل "ذكاء".