نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للكاتبة إريكا سالمون، بدأته بالقول إن القوات
العراقية منيت بهزيمة كبيرة قبل عامين، جعلتها على شفا الانهيار التام، مشيرة إلى أنها الآن، وبعد أن رفعت العلم وسط
الفلوجة، فإن هذه القوات تبدو وكأنها بدأت بانتصاراتها على
تنظيم الدولة.
ويشير التقرير إلى أنه بعد الهجوم على الفلوجة، الذي استمر أسبوعين، تقدمت القوات الحكومية إلى وسط المدينة، الواقعة غرب بغداد، في انتصار رمزي ورافع للمعنويات للعراق ضد تنظيم الدولة.
وتستدرك الصحيفة بأنه بالرغم من جهود التحالف الدولي، الذي تقوده أمريكا، لإعادة هيكلة القوات العراقية، إلا أن العيوب القديمة، التي أدت إلى ركوع الجيش قبل عامين، لا تزال موجودة، حيث الفساد لا يزال منتشرا، والدعم اللوجستي لا يزال ضعيفا، والكفاءات لتأمين الأراضي المسيطر عليها قليلة، ما يجعل قوات بغداد في خطر، وقد سارعت واشنطن للإنقاذ.
وتلفت الكاتبة إلى أن الولايات المتحدة أنفقت 25 مليار دولار على إعادة بناء الجيش، الذي حلته بعد غزوها للعراق عام 2003، مشيرة إلى أنها لا تزال تدفع الثمن اليوم، حيث تم إنفاق أكثر من 1.6 مليار دولار على المحاولة الأخيرة لإقامة قوة وطنية لديها الكفاءة.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أحمد علي من مجموعة الراصد الإنساني والأمني للعراق، قوله: "كانت هناك جهود كبيرة لتحسين الفعالية لدى الجيش، لكن إلى الآن لا يوجد الكثير من فرق الجيش الفاعلة، وبعض الفرق التي انهارت بعد معركة
الموصل عام 2014، مثل الفرقة الثانية والثالثة، لم يعد بناؤها بعد".
وتذكر الصحيفة أن القوات العراقية انهارت أمام هجمات تنظيم الدولة خلال حربه الخاطفة عبر الحدود عام 2014، عندما قام التنظيم باحتلال الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، وغيرها من المراكز، حيث قام الجنود بإلقاء السلاح والزي، وذابوا في المجتمع، في سلسلة من الهزائم الطاحنة لبغداد، لافتة إلى أنه منذ ذلك الوقت تم إنشاء فرقتين من بقايا تلك التي انهارت، وبناء قوات خاصة، مثل خدمات مكافحة الإرهاب التي تمت إعادتها.
وتبين سالمون أنه كان ينظر لقوات مكافحة الإرهاب في وقت من الأوقات على أنها قوات رئيس الوزراء الشيعي السابق نوري المالكي، الذي يتهم بتأجيج التوتر الطائفي، مستدركة بأنها اليوم كسبت احترام الخبراء والسكان المحليين، الذين يعدونها القوة الرائدة في الحرب ضد تنظيم الدولة.
وينوه التقرير إلى أن هذه القوات تعمل كرأس الحربة للعمليات، التي تدعمها الغارات الجوية من التحالف، الذي تقوده أمريكا، وتوفر القوات العراقية الدعم بعمليات ثانوية؛ لتنظيف المناطق وفرض السيطرة عليها.
وتفيد الصحيفة بأن القوات العراقية قامت في الأشهر الأخيرة باستعادة مدينتي الرمادي وهيت، مشيرة إلى أنها على وشك إخراج مقاتلي تنظيم الدولة المتحصنين في شمال غرب الفلوجة، التي كانت أول مدينة يحتلها تنظيم الدولة في العراق.
وتستدرك الكاتبة بأنه ليس من الواضح إن كان التقدم السريع في الفلوجة هو بسبب هجوم عسكري أو بسبب هروب معظم مقاتلي التنظيم في المدينة، لافتة إلى أن الجنرال العراقي المتقاعد ناصر العبادي، يعزو النجاح في هذا العام إلى أربعة أسباب رئيسة، وهي: مشاركة أمريكا وأعضاء التحالف الأفضل للمعلومات الاستخباراتية، والتخطيط الذي توجهه أمريكا، ومساعدة العشائر السنية، وإشراك الحشد الشعبي في العمليات، وهي قوات متطوعين مؤلفة من أكثرية شيعية، تم إنشاؤها بعد دخول تنظيم الدولة عام 2014.
وبحسب التقرير، فإنه لم يكن أي من هذه العوامل يتعلق بقيادة القوات العراقية، ويبقى الدعم اللوجستي الأساسي من توفير للطعام والوقود ضعيفا، حيث ضرب المحلل في معهد دراسات الحرب باتريك مارتين، مثالا على هذا الضعف، بنفاد الماء لدى وحدة عراقية منتشرة في شرق الرمادي، وقال: "كانت لديهم كل المعدات الأكثر حداثة، وأحدث تدريب، لكن الماء نفد لديهم، هذه ليست مسألة تدريب، بل مسألة بنيوية تتعلق بوزارة الدفاع".
وتورد الصحيفة أن معظم المحللين يربطون ضعف الدعم اللوجستي بالفساد، الذي يعد أحد عيوب الحكومة الأكثر خطورة، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء حيدر العبادي يحاول معالجة الفساد السياسي المستشري، لكن منافسيه وحلفاءه، الذين يخشون من الخسارة إذا انتهى نظام المحسوبية المربح، يفشلون جهوده.
وتقول سالمون إنه "ينبغي على القادة العسكريين، الذين يبحثون عن إمدادات أو ترفيع، دفع الرشاوى، بحسب المحللين، وهذا ما أضعف الجيش في حربه الأولى مع تنظيم الدولة عام 2014".
وتضيف الكاتبة أن الاعتماد على الحشد الشعبي تعقيد آخر، حيث إن هذه القوات مؤلفة جزئيا من مليشيات مدعومة من إيران، واتهمتها منظمات حقوق إنسان ومسؤولون سنة بأنها قامت بأعمال اختطاف وتعذيب، لافتة إلى أن هذا قد يعيق عمل الجيش في المناطق السنية، ويهدد برفع مستوى التوتر الطائفي.
ويشير التقرير إلى أن بعض أعضاء المليشيات الشيعية يرتبط بقوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، حيث إن وزير الداخلية العراقي هو محمد الغبان، عضو في منظمة بدر التي تدعمها إيران.
ويقول مارتين، في إشارة إلى التأثير الإيراني على المجموعات الشيعية في العراق: "يصعب في بعض الأحيان معرفة أين تنتهي القوة الوكيلة عن إيران، وتبدأ قوات الأمن العراقية، ويضيف مارتين أن أحد قادة الشرطة الفيدرالية، الذين دخلوا وسط الفلوجة، هو أيضا أحد قادة قوات بدر، بحسب الصحيفة.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم ذلك، فإن الحشد أدى دورا مهما في تمكين الجيش من الضغط على تنظيم الدولة، في أكثر من ميدان في الوقت ذاته، مشيرة إلى أنه لهزيمة هناك مجموعة تفضل الهجمات المضللة، بحسب المحلل العراقي هشام الهاشمي.
ويجد التقرير بأنه حتى مع الدعم، فإن على الجيش إثبات أنه قادر على الحفاظ على المناطق التي تتم استعادتها، حيث يقول هاشمي إن تنظيم الدولة سيطر ثانية على عدد من القرى الصغيرة في محافظة الأنبار، التي تضم الفلوجة والرمادي، وهو تراجع بسيط لكنه رمزي.
وترى سالمون أن الاختبار الحاسم للقوات العراقية سيكون عندما تحاول خوض المعركة الأكثر تعقيدا لاستعادة الموصل في الشمال، التي تعد من أولويات التحالف الذي تقوده أمريكا.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول هاشمي: "كانت الفلوجة مصدر رفع لمعنويات
الجيش العراقي، لكن الموصل ستكون الاختبار له".