نشر موقع "ناشونال إنترست" تقريرا للمتخصص في الهندسة الكيماوية وعلم المواد في جامعة ساوث كاليفورنيا، محمد سهيمي، يحلل فيه المواقف
الإيرانية من نظام بشار
الأسد في دمشق.
ويشير التقرير إلى خلافات المسؤولين الإيرانيين حول دعم النظام السوري، متحدثا عن تطورين مهمين؛ الأول هو عزل وزير الخارجية محمد جواد ظريف لنائبه للشؤون العربية والأفريقية، حسين أمير
عبد اللهيان، الذي قاد الجهود لحل الأزمة في
سوريا، أما الثاني، فهو التهديد الذي أطلقه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في 20 حزيران/ يونيو، لحكام البحرين، الذي توعدهم فيه بدفع الثمن لسحب الجنسية عن المرجع الديني في البحرين الشيخ قاسم عيسى.
ويعتقد الكاتب أن التطورين، وإن لم يكن بينهما رابط، إلا أنهما يعبران عن معركة حامية للصراع على السلطة في إيران، بين الرئيس حسن روحاني وداعميه من الإصلاحيين والمعتدلين، والمتشددين من الحرس الثوري والمرشد الروحي الأعلى للثورة علي خامنئي، لافتا إلى أنهما يكشفان عن صدع عمق في الجمهورية الإسلامية حول مصير سوريا، وبالتحديد مصير بشار الأسد.
ويقول الموقع إن "الصورة التي تقدم للغرب حول تدخل إيران في سوريا، ودعم حكومة الأسد، هي أن القيادة الإيرانية متحدة فيما يتعلق بمصالح إيران الاستراتيجية في المنطقة، خاصة سوريا وحزب الله اللبناني، رغم ما يعتري القيادة من خلافات حول قضايا محلية، وهذا في الحقيقة بعيد عن الحقيقة، حيث إن الخلاف قائم بين الإصلاحيين والمعتدلين من جهة، والمتشددين من جهة أخرى".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه رغم أن هناك الكثير من التكهنات في الصحف الإيرانية والعربية حول الأسباب التي دفعت ظريف لعزل أمير عبد اللهيان من منصبه، إلا أن القرار أدى إلى رد فعل من المواقع المتشددة والإعلام الجماهيري، بشكل ألقى ضوءا على الصدع داخل القيادة الإيرانية، حيث وصفه موقع "مشرق"، الذي يسيطر عليه الحرس الثوري، بـ"الدبلوماسي الثوري"، وقال رئيس اللجنة البرلمانية المتخصصة بالأمن علاء الدين بروجرودي، إن عبد اللهيان يجسد الدبلوماسية الثورية الإسلامية، وعبر عن عدم ارتياحه لعزله، مشيرا إلى أن لجانا تابعة للباسيج في ست جامعات أصدرت بيانا، اتهمت فيه ظريف بالاستسلام لضغوط الدول العربية والولايات المتحدة، وطرد أمير عبد اللهيان، ورفض ظريف هذه الاتهامات.
ويورد سهيمي أن بيان الجنرال قاسم سليماني عن البحرين، وهي البلد الواقع خارج النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، فيجب النظر إليه باعتباره رد فعل الحرس الثوري على طرد أمير عبد اللهيان، وهو خبير في العراق، وكان قريبا من فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وكان نائبا للسفير في البحرين، في الفترة من 1997 إلى 2001، ونائب المبعوث الإيراني الخاص للشؤون العراقية، في الفترة من 2003 إلى 2005، أي في ذروة الغزو الأمريكي لذلك البلد، وعمل مديرا لقسم الشؤون العراقية في وزارة الخارجية من 2005 إلى 2007، ومساعدا خاصا لوزير الخارجية لشؤون العراق، في الفترة من 2003 إلى 2006، حيث كان في تلك الفترة سفير إيران في العراق هو حسن كاظمي قمي، الضابط في فيلق القدس، وعمل مع أمير عبد اللهيان قريبا".
ويقول الكاتب إن "علاقة عبد اللهيان مع المتشددين تتجلى خلال عمله مع إدارة روحاني، وفي مكتب ظريف ونائبه عباس عراقجي، حيث تعرضا لانتقاد شديد من المتشددين، إلا أنه لم يتعرض للنقد أبدا، ومثل بقية المتشددين كان عبد اللهيان وقحا وهجوميا، وعادة ما اشتكى الدبلوماسيون العرب من نبرته (غير الدبلوماسية)، وأشارت بعض التكهنات في طهران إلى أن عزل عبد اللهيان هو إشارة من إدارة روحاني للدول العربية بأنها مستعدة لتحسين العلاقات معها".
ويذكر الموقع أنه في تعليق على انتقادات الحرس الثوري لعزل أمير عبد اللهيان، قال روحاني ساخرا: "لسوء الحظ، هناك البعض ممن لم يذهبوا إلى الحرب، أو المشاركة في الثورة، يتحدثون عن الأمة والثورة بطريقة تدهش الناس، لو أردنا أن نهتف بشعارات، فيجب ألا نفعل هذا على حساب الناس".
ويعلق الكاتب قائلا إنه "يجب أن نلاحظ أنه في الوقت الذي شجب فيه الجنرال سليماني سحب جنسية الشيخ قاسم، فإن زميله في السلاح، وقائد الباسيج الجنرال محمد رضا نجدي، اقترح سحب جنسية زعيم الثورة الخضراء رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، وزوجته الدكتورة زهرة رهنفارد، ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي.
ويلفت التقرير إلى أن "الخلاف حول سوريا يغلي تحت السطح منذ بداية الثورة عام 2011، حيث حث
المتشددون الإيرانيون الأسد على قمع المعارضة بشدة وبعنف إن اقتضى الأمر، وقد فعل الحرس الثوري الأمر ذاته مع الثورة السلمية في الفترة من عام 2009 إلى 2010، التي عرفت بالثورة الخضراء، ولهذا أوصى بفعل الأمر ذاته مع المعارضة السورية، وفي الوقت ذاته دعا
المعتدلون، الذين دعمت نسبة كبيرة منهم الثورة الخضراء، إلى الحذر في الدعم الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية لسوريا".
ويجد الموقع أنه "لهذا، فإن الصدع في المؤسسة الإيرانية حول سوريا مرتبط بمصير الأسد، حيث إن المتشددين يصرون على دعمه حتى النهاية، بتقديم مليارات الدولارات من المساعدات، وإرسال المستشارين العسكريين، وقوات حزب الله والمليشيات الشيعية غير الإيرانية، والمجندين، وقوات الجيش، والحرس الثوري، وفي الوقت ذاته يريد المتشددون أن يبقى الأسد في السلطة؛ لأنهم يعتقدون أن سقوطه يعني أن سوريا، أو ذلك الجزء المهم منها، أي معاقل العلويين على ساحل المتوسط، اللاذقية وطرطوس، وغرب البلاد على الحدود مع لبنان وإسرائيل، ستصبح في يد القوى السنية المعادية لإيران، ولا يعني هذا خسارة لسوريا، بل إنه يعني ضعفا لحزب الله، الذي تعتقد إيران أنه قوتها الرادعة الأولى في خط الدفاع أمام إسرائيل".
ويستدرك سهيمي بأنه رغم الدعوات المستمرة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والقادة الغربيين، لرحيل الأسد، إلا أن المتشددين الإيرانيين واصلوا دعمهم له، حيث قال رئيس هيئة الأركان الإيرانية المشتركة الجنرال حسن فيروز أبادي، في أيار/ مايو، إن "الأسد سيبقى في السلطة"، وقال عبد اللهيان أكثر من مرة إن الأسد سيظل في السلطة، حتى ينتخب السوريون شخصا غيره، مشيرا إلى أن الجنرال سليماني سافر إلى موسكو في تموز/ يوليو 2015، وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلا له إنه دون التدخل العسكري الروسي سينهار نظام الأسد، وكرر خامنئي أكثر من مرة القول إن الحرب في سوريا هي ضد إيران، ولهذا فإن الحرب هناك هي من أجل المصلحة القومية الإيرانية.
وينوه التقرير إلى أنه في المقابل، عبر الإصلاحيون والمعتدلون عن رفضهم للسياسة التي تربط إيران بمصير الأسد، حيث بقولون إنه في الوقت الذي يكون فيه منع سقوط سوريا في يد المقاتلين السنة المتشددين المدعومين من تركيا والسعودية ودول الخليج مهما من الناحية الاستراتيجية، فإنه ليس من الحكمة الإصرار على بقاء الأسد في السلطة بعد حرب وحشية وطويلة، مات فيها مئات الآلاف من الناس.
ويفيد الموقع بأن الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني انتقد حكومة النظام السوري بشدة، في لقاء مع مجموعة من الأشخاص في محافظة أصفهان وسط إيران، في أيلول/ سبتمبر 2013، وقال: "لقد عانى الشعب السوري كثيرا خلال العامين الماضيين، فقد قتل أكثر من 100 ألف (حتى ذلك الوقت)، وأصبح ما بين سبعة إلى ثمانية ملايين مشردين، وامتلأت السجون بالناس، بل حولت (الحكومة السورية) الملاعب إلى سجون، وعانوا ( الشعب السوري) من هجمات كيماوية قامت بها الحكومة، والآن ينتظرون القنابل الأمريكية"، في إشارة إلى تهديد الرئيس أوباما بمعاقبة النظام على استخدامه السلاح الكيماوي، لافتا إلى أن تعليقات رفسنجاني أدت إلى رد فعل قوية من المتشددين، حيث نفى التصريحات، لكن نفيه لم يكن حقيقيا.
ويبين الكاتب أنه "منذ تعليقات رفسنجاني، وجد الإصلاحيون والمعتدلون فرصة للتعبير عن عدم اتفاقهم مع المتشددين، وعلى سبيل المثال ينتقد هذا الفريق روسيا وبوتين، تعبيرا عن معارضتهم للسياسة الروسية تجاه الأسد، وهم يعرفون أنهم بهذا يثيرون غضب المتشددين، خاصة أن العلاقة قوية بين النظام الإيراني وروسيا، ويواصل موقع (كلمة)، الذي كان مقربا من موسوي، نقده لروسيا وسياستها تجاه سوريا، وعمليات الحرس الثوري هناك، ومنذ عام 2011 يخضع موسوي وزوجته رهنفارد وكروبي للإقامة الجبرية، ولهذا لا يعرف إن كانت (كلمة) تعبر عن مواقف موسوي".
وبحسب التقرير، فإنه مع تزايد عدد قتلى الحرس الثوري وفيلق القدس في سوريا، بدأ صوت المعتدلين والإصلاحيين الناقد بالارتفاع، حيث انتقد نائب الرئيس روحاني للشؤون البرلمانية مجيد أنصاري، قبل أسبوعين، المتشددين الذين اتهموا حكومة روحاني بأنها ليست ثورية بما فيه الكفاية، فرد على الاتهامات داعيا المتشددين إلى إظهار حماسهم الثوري، والسفر إلى سوريا، والقتال من أجل نظام الأسد؛ لأن "طاولة الشهادة موجودة هناك"، في إشارة لضحايا الحرس الثوري وفيلق القدس، وفي تلميح إلى أن الإصلاحيين والمعتدلين لن يفعلوا الأمر ذاته.
ويخلص سهيمي إلى القول إنه "في نهاية المطاف، سيقرر الشعب السوري مصير الأسد، دون تدخل خارجي، لكن مع إمكانية تصعيد الحرب في سوريا في الأشهر المقبلة، فإنه يجب التذكير بأن القيادة الإيرانية ليست متحدة في موقفها من مصير الأسد، وهذه الحقيقة المهمة تساعد على جسر هوة الخلافات بين إيران وروسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى".