شهدت مناطق
تنظيم الدولة تدهورا في الوضع الصحي في العامين الأخيرين، خلافا لما كان عليه الوضع في فترة سيطرة الثوار. فكل مصاب بالقصف، أو مريض بالأمراض المزمنة، مثل الفشل الكلوي والسرطان وأمراض القلب، في مناطق التنظيم، مشروع وفاة.
ويفسر الطبيب أبو حسن، من
دير الزور، هذه الحالة قائلا: "زمن الجيش الحر قُدِمَ دعم جيد للثورة وللأهالي في المنحى الطبي، ولم يفكر الأطباء حينها بالهجرة كما هو الآن، وكانت الهجرة في منظور الكثيرين خيانة".
وكان أفراد ومنظمات وهيئات إنسانية دولية يتولون، خلال سيطرة الثوار على تلك المناطق، تقديم الدعم الصحي، كما تعاطفت الحكومة التركية كثيرا، ولا سيما مع الحالات الإسعافية الناتجة عن القصف.
ويقول المهندس ماجد من ريف
حلب لـ"عربي21": "تعرضت لإصابة بالرأس نتيجة القصف وبقيت شهرين في تركيا، حوالي عشرة أيام منها في العناية المركزة وكانت الرعاية ممتازة جداً".
بداية التحول
وتبدلت الأمور في أعقاب سيطرة التنظيم الذي أصدر جملة قرارات كان لها أثر بالغ في تردي الوضع الصحي، لعل أبرزها، كما يقول الناشط الإعلامي وسام المحمد، من دير الزور: "القرار الذي منع بموجبه التنظيم المنظمات والهيئات ممارسة أي نشاط، فأُغلِقَت كافة المشافي والعيادات التي كانت تُقدم خدمات مجانية بالعلاج والدواء، كمنظمة الهلال الأحمر القطري وسيما وميديكال ريليف".
ويقول الناشط الإعلامي أبو أحمد الديري من دير الزور: "منع التنظيم منظمة ريليف إنترناشيونال من العمل بدعوى التجسس والسعي للتنصير، وصادر معدات المشفى الميداني؛ لأنه كان يعالج الثوار"، ما دفع الأطباء، ولا سيما أصحاب التخصص، للهجرة؛ نتيجة هذه الممارسات وغيرها.
وازدادت الأمور سوءا مع ازدياد وتيرة قصف المشافي من قبل طيران النظام السوري والطيران الروسي، وإغلاق الحدود مع تركيا، وتقلص مساحات سيطرة التنظيم وانغلاقها على محيطها، وصعوبة التواصل مع مناطق الثوار والنظام على حدٍّ سواء كما يؤكد ناشطون.
تأثيره مضاعف بعد القصف
تراجع المستوى الصحي زاد من آلام القصف الذي تتعرض له مناطق التنظيم، ولا سيما في ظل غياب تخصصات مهمة.
ويقول الطبيب محمد أبو إبراهيم، من ريف حلب، لـ"عربي21": "لا يتوفر في مناطق الدولة أطباء تخصص جراحة قلبية، وجراحة صدرية، ويوجد طبيب واحد جراحة أوعية في ريف حلب كلها".
وينتج عن ذلك حالات بتر للأطراف لأسباب بسيطة، بحسب الدكتور محمد، الذي يضيف: "أحياناً نضطر لبتر الأطراف، فلا يستطيع طبيب الأوعية معالجة أكثر من إصابة في وقت واحد، وذلك حفاظا على حياة المصاب".
وكثيرا ما يكون مصير الإصابات القلبية والصدرية الموت. ويقول أحد الممرضين من منبج: "يمارس الطبيب العام مهام طبيب القلبية والصدرية، وغالباً يفشل في مهمته".
ويزداد الخطر إذا كان القصف بعيداً عن النقاط الطبية، حيث يوضح الدكتور محمد أن "كثيرا من المناطق لا تتوفر فيها مشافٍ، فمريض في بادية حمص وحماة يحتاج لخمس ساعات حتى يصل لأقرب مشفى، وطبعاً يموت المريض قبل وصوله إذا كان يعاني من نزف".
ويلعب الوضع الأمني دوراً سلبياً، إذ يتأخر إسعاف المريض أحياناً، ولا سيما في الليل، ما يزيد من احتمال الوفاة أوالبتر.
نقص الخبرة والكوادر والمعدات
وترتب على نقص الكادر الإسعافي زيادة حالات الوفاة، ولا سيما في ظل نقص الأطباء وعدم تجاوبهم مع التنظيم.
ويقول الدكتور حسن، من ريف حلب: "سابقاً كان الأطباء يتوجهون طوعياً للمشفى الوطني مع كل حالة قصف، لكن سوء معاملة التنظيم قطعت المروة والنخوة".
يتابع الدكتور حسن لـ"عربي21": "الكادر الإسعافي مهم جداً، ففي ظل النقص الشديد لا يمكن للطبيب البقاء 24 ساعة بالإسعاف، لذلك يأتي وقت الطلب، وبما أن الكادر غير متخصص تكون العواقب وخيمة".
ويضرب الدكتور حسن مثلاً لذلك: "تصور يعامل طالب طب على أنه طبيب ويسلَّم الإسعاف وكلمته مسموعة، ومن المضحك المبكي تعيين طالب علم اجتماع طبيباً نفسياً يعالج المرضى في المشفى الوطني في منبج، وقِس على ذلك".
وتزيد ممارسات التنظيم من ارتفاع نسب الوفيات، إذ يمنع التنظيم في كثير من الأحيان الأهالي من المشاركة في عمليات الإسعاف، كما حصل مؤخراً في القورية التي سقط فيها أكثر من سبعين قتيلا بقصف جوي.
ويقول الناشط الإعلامي أحمد رمضان، من دير الزور: "منع التنظيم الأهالي من المشاركة بإسعاف المصابين رغم كثرة المصابين، ما ترتب على ذلك زيادة عدد الضحايا، ولا سيما أن الإسعاف جرى للمدن والبلدات المجاورة".
وما عزز المعاناة النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الرئيسية، كالخيوط الجراحية ومستلزمات التخدير وأسطوانات الأوكسجين، وانعدام أدوية بعض الأمراض، ما يعني انتظار الموت.
يقول الدكتور محمد: "لا تتوفر في مناطق التنظيم أدوية العلاج، فضلاً عن أدوية وأجهزة الفشل الكلوي وكثير من الأمراض الخطيرة كالسرطان، وعادت أمراض كثيرة للانتشار بشكل مخيف نتيجة تردي الوضع الصحي".