قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إنّ حكومته بحثت مسألة رفع الحصار عن قطاع
غزة، مع قادة حركتي "
حماس" و"فتح"، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قبل تطبيع العلاقات مع
إسرائيل، ولقيت دعما قويا منهم في هذا الشأن.
جاء ذلك في مقابلة أجراها "جاويش أوغلو" مع التلفزيون التركي، الأحد، مشيرا إلى "إرسال
تركيا سفينة مساعدات إنسانية من ميناء مرسين الدولي إلى غزة كخطوة أولية في إطار رفع الحصار عن القطاع".
وأضاف جاويش أوغلو، أن "فلسطين وغزة بحاجة إلى الدعم في مجالات مختلفة"، لافتا إلى "انهيار البنية التحتية، وتضرر المستشفيات والمدارس، وأزمة الكهرباء، والمياه، جراء الهجمات الإسرائيلية"، مؤكدا أن تركيا ستقدم الدعم للفلسطينيين في هذه المجالات.
وفيما يتعلق بالمساعدات التي أرسلتها تركيا إلى فلسطين حتى الوقت الراهن، أفاد جاويش أوغلو، بأن قيمة المساعدات "بلغت 500 مليون دولار، وأن تركيا تعمل حاليًا على إنشاء منطقة صناعية في محافظة جنين، ستوفر فرص عمل لنحو 6 آلاف شخص، فضلا عن إزالة العديد من العوائق، وخاصة فيما يتعلق بالتحويل المباشر للأموال".
وشدّد "جاويش أوغلو"، على أنّ الشعبين التركي والفلسطيني يثقان في الحكومة التركية ويدعمانها في هذا الإطار، محذّرا من أطراف تنتقد تطبيع تركيا لعلاقاتها مع إسرائيل وروسيا، وتسعى لاستغلال هذا الأمر كوسيلة سياسية لتحقيق بعض الأهداف.
وقال: "نحن لا نتخذ خطواتنا بناء على هؤلاء، لأنه لا يمكننا أن نواصل طريقنا مع أناس (لم يسمهم)، يغيرون أفكارهم بين تارة وأخرى، ويشقون طريقهم على أفكار سلبية تماما"، مبينا أن الحكومة التركية "ستقلّل من الأعداء وتزيد عدد الأصدقاء في المرحلة المقبلة".
ولفت الوزير التركي، إلى أن بلاده لم تتمكن من تحقيق أي مساهمة فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط منذ 6 أعوام، وأرجع سبب ذلك إلى "توتر علاقاتها مع إسرائيل وأطراف أخرى"، مؤكدا أن تركيا ستقدّم مساهمات هامة جدا لتحقيق السلام في المنطقة خلال المرحلة القادمة.
وفي ردّه على سؤال حول تقييمه لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، التي قال فيها إن "تركيا وليس اليونان هي التي لعبت دور الوسيط في نقل الغاز الإسرائيلي إلى الغرب"، قال جاويش أوغلو إن إسرائيل ترغب بالتعاون مع تركيا في مسألة الغاز الطبيعي المُستخرج من المنطقة.
وأشار إلى أن تركيا هي الطريق الأنسب لنقل غاز المنطقة إلى السوق الأوروبي، وأنها "تعدّ بمثابة مركز لخطوط أنابيب الغاز والبترول القادم من الشمال، والشرق، والجنوب"، مبينا أن الحكومة التركية "ستوافق دائمًا على التعاون مع الدول الأخرى كـ"دولة ترانزيت".
والإثنين الماضي، أعلن الطرفان الإسرائيلي والتركي، توصلهم إلى تفاهم حول تطبيع العلاقات بينهما، وقال رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم، إنه تمت تلبية جميع شروط بلاده، مشيرا إلى أنه سيتم تعيين سفراء بين البلدين، بعد المصادقة على التفاهم من قبل الحكومة الإسرائيلية، والبرلمان التركي.
ووفقا لما أعلنه يلدريم، ستدفع إسرائيل 20 مليون دولار، تعويضات لعائلات شهداء سفينة "مافي مرمرة" (وقعت أحداثها عام 2010)، وسيتم الإسراع في عمل اللازم من أجل تلبية احتياجات سكان قطاع غزة من الكهرباء والماء.
وستقوم تركيا في إطار التفاهم، بتأمين دخول المواد التي تستخدم لأغراض مدنية إلى قطاع غزة، من ضمنها المساعدات الإنسانية، والاستثمار في البنية التحتية في القطاع، وبناء مساكن لأهاليه، وتجهيز مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، الذي تبلغ سعته 200 سرير، وافتتاحه في أسرع وقت.
وحول العلاقات التركية المصرية، أوضح الوزير التركي أنّ بلاده تريد مصر قوية، ومستقرة، وآمنة، وقادرة على دعم الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي وفلسطين، معربا عن أسفه لكونها بعيدة عن كل هذه الميزات في الوقت الراهن، مشيرا أنّ مصر تعاني حاليا من مشكلة كبيرة من نواحي الأمن، والاستقرار، والاقتصاد.
وقال جاويش أوغلو، "إن تركيا ترى من مصر دولة شقيقة، رغم موقفها المعارض من النظام الحاكم حاليا"، مشدّدا على أن "الوضع الراهن في هذه الدول الشقيقة، يزعجنا نحن أيضا، وننتقد كما الدول الأخرى المشاكل السياسية فيها، والسجناء السياسيين، واعتقال الآلاف من الناس، وأحكام الإعدام فيها".
وحول تصريحاته التي أعرب فيها عن استعداده لعقد لقاءات مع مصر، واحتمال تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر في المرحلة المقبلة، أوضح جاويش أوغلو أن "مسألة الاستعداد ليست بالأمر الجديد، لأننا نولي أهمية كبيرة لاستقرار مصر، وليس عندنا أي قلق حول الأحزاب التي تصل إلى السلطة".
وتوقّع الوزير التركي، أن "تنعكس علاقات بلاده الجيدة في المنطقة بشكل إيجابي على مصر أيضا"، وقال: "يمكننا أن نتخذ بعض الخطوات التي من شأنها تحسين الوضع الراهن في مصر".
وفيما يخص اللقاء المرتقب بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، قال جاويش أوغلو إنّ هناك احتمالا كبيرا لعقد اللقاء نهاية تموز/ يوليو الجاري، أو مطلع آب/ أغسطس المقبل.
وردا على سؤال حول العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو، وفحوى لقائه بنظيره الروسي، سيرغي لافروف، على هامش الاجتماع الثالث والأربعين، لوزراء خارجية منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود، الذي عقد قبل يومين في مدينة سوتشي الروسية، قال جاويش أوغلو إنّ اللقاءات الرسمية خلال الفترة التي شهدت توترا في العلاقات بين البلدين، جرت مرة واحدة في 3 كانون الأول/ ديسمبر الماضي في العاصمة الصربية بلغراد.
ولفت إلى أنّ رسالة أردوغان إلى بوتين، وما أعقب ذلك من اتصال الأخير به، واللقاء الأخير الذي جمعه كوزير، بنظيره الروسي قبل يومين، "تعد تطورات هامة من شأنها إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها".
وأضاف جاويش أوغلو أنّ "الجانب الروسي بدأ باتخاذ خطوات جادة من أجل إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها المعهودة"، لافتا إلى أنّ "موسكو أصدرت قرارا برفع كافة العوائق التي كانت تحول دون قدوم السياح إلى تركيا، وستقوم بخطوات أخرى من شأنها رفع القيود المفروضة على دخول البضائع التركية إلى الأسواق الروسية".
وأردف جاويش أوغلو أن القيادة الروسية أعربت عن رغبتها في عقد حوار مع الحكومة التركية بشأن القضية الأوكرانية، وخاصة أزمة شبه جزيرة القرم.
وشهدت العلاقات الروسية التركية أزمة دبلوماسية، على خلفية حادث إسقاط الطائرة الروسية، التي اخترقت المجال الجوي التركي، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث أعلنت رئاسة هيئة الأركان الروسية، قطع موسكو علاقاتها العسكرية مع أنقرة، إلى جانب فرض قيود على البضائع التركية المصدرة إلى
روسيا، كما بادرت موسكو بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة.
وبخصوص مكافحة تنظيم الدولة ، أبدى الوزير التركي استعداد بلاده للتعاون مع الجميع في مكافحة "الإرهاب"، منوها أنّ التنظيم يسيطر حاليا على 40 بالمئة من الأراضي السورية.
كما تطرق جاويش أوغلو إلى مسألة رفع تاشيرة دخول المواطنين الأتراك منطقة شنغن الأوروبية (تضم 28 دولة)، مبينا أنّ بلاده لن تعمل باتفاق "إعادة القبول" في حال رفض الاتحاد الأوروبي رفع تأشيرة الدخول عن الأتراك، وأنّ "موقف أنقرة هذا لا يعد تهديدا، لأوروبا، إنما يعتبر بمثابة المعاملة بالمثل".
وتوصلت تركيا والاتحاد الأوروبي في 18 آذار/ مارس 2016 في العاصمة البلجيكية بروكسل إلى اتفاق "إعادة القبول" (بدأ تنفيذ 4 نيسان/ أبريل الماضي)، بهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر، وبموجبه تقوم تركيا، باستقبال المهاجرين الواصلين إلى جزر يونانية ممن تأكد انطلاقهم من تركيا.
وأصدرت المفوضية الأوروبية، مطلع أيار/ مايو الماضي، تقريرها الثالث حول سير المفاوضات بين تركيا والاتحاد، المتعلق بإلغاء التأشيرة، وجاء فيه أن أنقرة أوفت بـ 67 مادة من أصل 72، خاصة بإلغاء التأشيرة، وتضمن التقرير قرار توصية برفع التأشيرة المفروضة على دخول الأتراك "شنغن" بحلول نهاية يونيو/ حزيران المقبل، في حال أوفت تركيا بالشروط الخمسة المتبقية.
إلا أن إصرار أوروبا على تعديل قانون مكافحة الإرهاب في تركيا، أدّى إلى عرقلة إلغاء التأشيرة، إذ يؤكد مسؤولون أتراك، أنه لا يمكن تغيير قانون الإرهاب، لا سيما وأن البلاد تتعرض لهجمات "منظمات إرهابية" مثل تنظيم الدولة و"بي كا كا".