في تعليقها على
تقرير لجنة
تشيلكوت الصادر يوم الأربعاء حول ظروف غزو
العراق عام 2003، قالت صحيفة "الغارديان" إنه لابد قبل بدء الحديث عن التقرير التأكيد على النظرة الإنسانية التي "لابد أن تبدأ من الضحايا الذين سقطوا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق مدعومة من المملكة المتحدة في عام 2003، حيث تفاوتت تقديرات الخسائر في الأرواح بسبب العنف من ربع مليون إلى 600.000 قتيل، بالتأكيد فإن عدد المصابين سيكون أكبر عدة مرات، ويتراوح عدد الرجال والنساء والأطفال الذين نزحوا من أماكن سكناهم ما بين 3 إلى 5 ملايين نازح، بنسبة فرد نازح لكل عشرة أشخاص أو لكل ستة أشخاص من سكان العراق".
وتقول الصحيفة إن "أحدا لا ينكر الوحشية الصارخة التي تميز بها النظام العراقي السابق. ومع ذلك لا يوجد خلاف كبير أنه بعد 13 عاما تبقى معاناة الأسر العراقية كما هو موثق في إحصائيات الحرب هي أكثر مرارة من أي شيء يمكن تحمله حتى في زمن الحكم المستبد. ويظهر الانفجار الهائل الذي هز بغداد نهاية الأسبوع الماضي أن المأزق الذي يعانيه الشعب العراقي لا يزال بلا نهاية".
وتقول الصحيفة إن الفكر المعوج لتغيير النظام "بدأ عقب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر من قبل الشوفيني، ذي التفكير المحدود، والذي يفتخر أحيانا بجهله، رجل البيت الأبيض جورج بوش وقد أدى كما كان متوقعا لنتائج عكسية. فالقوات الجهادية التي كان يحتويها صدام حسين لم تثبط عزيمتها بعد الإطاحة به، بل على العكس أصبحت أكثر جرأة وقوة".
وتشير الصحيفة إلى أن الكوارث في العراق تجلت من خلال شعار "المهمة قد أنجزت". وبالتأكيد فتحقيق تشيلكوت الذي تم نشره اليوم فقط بعد سبع سنوات أخرى من العمل لم يتناول هذا التفكير الساذج من أجل تحقيق الفوز الساحق في وقت قصير. فبالرغم من اللجان المختصة المتعددة، وتحقيقات هاتون وباتلر والآن يأتي هذا التحقيق الإضافي، يبقى السؤال المطروح لماذا كان من المستحيل تجنب هذه الكارثة البشعة؟ وهو سؤال لم تقدم أي من التحقيقات السابقة جوابا عليه ولا عن السؤال المحوري المتعلق بتورط المملكة المتحدة في هذه المغامرة الفاشلة.
وبعد القراءة السريعة لتحقيق لورد هاتون، وهجوم باتلر على النظم والعمليات والتي ذهبت إلى حد بعيد ونطاق واسع لتحليل الأفراد من اللوم، كانت هناك مخاوف من أن يكون السير جون تشيلكوت أقل قسوة، أو أن يقدم سردا رسميا منمقا. ومع ذلك فقد قدم السير جون بيانا سريعا لمدة نصف ساعة، ذكر فيه اسم بلير مرة واحدة تقريبا في كل دقيقة.
وبالتأكيد، كما تقول الصحيفة، فالتقرير الذي يحتوي على 2.6 مليون كلمة سيحتاج وقتا أطول لاستيعابه إلا أن النقطة الحاسمة صاغها
توني بلير بنفسه في ست كلمات، في رسالته للرئيس بوش في تموز/ يوليو عام 2002: "سأكون معك، مهما كانت الظروف". فلدينا الوعد الخاص الذي سينتج عنه كل استخدام شيء للمؤسسات العامة، فضلا عن تفشي شعور سام أن الحكومة لم تكن واضحة بما فيه كفاية".
لم يكن رئيس الوزراء غافلا، فقد حذرت رسائله إلى الرئيس الأمريكي من وجود شكوك عميقة لدى أعضاء البرلمان البريطاني وعامة الناس، وتوقع بدهاء أن يجد صعوبة كبيرة في جر أوروبا بالقوة الى هذه الحرب.
لكنه، كما تقول "الغارديان"، ألغى هذه الرؤية العميقة، واختار على نحو مهلك بناء مسار آخر للحرب تباركه الأمم المتحدة واستبق كل ذلك بتعهد قوي أن بإمكان واشنطن الاعتماد عليه.
فقد كان تغيير النظام الهدف الواضح للبيت الأبيض، فمن خلال رهن نفسه إلى واشنطن بدون أي استراتيجية للخروج، وضع بلير نفسه في المعسكر نفسه الهادف لتغيير النظام. وكان هذا خطأ مروعا أولا وقبل كل شيء، وإلزام البلاد بحرب اختيارية لم تكن هناك مبررات حقيقية لشنها إلا الشعور الغاضب للانتقام من تفجير البرجين في نيويورك ومن دون التفريق بين المتشدديين الإسلاميين والبعث العلماني. فحالما التزم بالسياسة، أبطل بلير عمل المؤسسات الناقدة لسياسته وصم أذنيه عن سماع تحذيرات الخبراء حول الصعوبات التي يمكن أن تتبع الغزو، والشكوك حول الادعاء بأن العراق يشكل تهديدا وشيكا.
وتشير الصحيفة إلى التحولات التي أصابت بلير الفائز في الانتخابات والذي أصر دائما على أن الشعب البريطاني هو "الرئيس" أو صاحب القول الفصل وأصم أذنيه عن سماع طبقات كبيرة من البلاد، من اليساريين الراديكاليين إلى بعض المحافظين، وهو خليط كان من الصعب جمعه وكان مهموما وقلقا على بريطانيا ومن ضمنهم صحيفة "الغارديان".
ونزلت أعداد كبيرة من الناس للاحتجاج في تظاهرة لم يشهد البلد مثلها في تاريخه. وفي هذه الحالة لم يعتبر بلير الشعب البريطاني "الرئيس" بل الرئيس الأمريكي.
وقال: "أحيانا أخشى أني فعلا أؤمن بذلك"، كما لو كان هذا التأكيد بديلا عن حجته لشن الحرب. فأي سياسي يميني كان بمقدوره أن يكون واضحا في حساباته فيما يخدم مصلحة بريطانيا بشكل جيد قبل أن يسرع لأي تحالف أمريكي، مهما كانت النتائج. فمثل هذا الأمر بالتأكيد لم يكن أمرا سائغا للذين يؤمنون بالمثالية، ولكنه كان مقنعا للمتعصبين لآرائهم والذين لا رحمة عندهم، ومع ذلك، فليس هذا هو العرف الذي وضع بلير نفسه فيه. فقد كشفت النبرة العاطفية العالية في مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء مرة أخرى رفضا بالاعتراف باتخاذ القرار الخاطىء، وإصرارا غريبا على أن الحرب قد جعلت العالم أكثر أمنا.
فهو يهتم دائما بألا تكون المصلحة وطنية فقط، ولكن أكبر بكثير، كان يعلم أنه كان على حق، وكما بدا فقد كان مخطئا بشكل مخيف، وأن هذا اليقين كانت له عواقب وخيمة.
وقد أسس هذا اليقين للفشل في التخطيط لما بعد الغزو، وتمت إدانته مباشرة من قبل السير جون، بعبارات صارخة وأنه كان الأكثر كارثية على الشعب العراقي، وألحق الأذى بالعسكريين البريطانيين. وللأسر المكلومة كل الحق في التساؤل عما إذا كان أبناؤها وبناتها قد ماتوا عبثا، الأمر الذي سيجعل أي رئيس وزراء يجفل من أي قرار يلزم القوات المسلحة بمهمة مماثلة باعتباره أصعب قرار بإمكانه أن يتخذه بعد الآن، وبعد أن لحقت أضرارا كبيرة بالعملية السياسية والخطاب السياسي، ومكانة المملكة المتحدة في العالم، وربما حتى أضرارا نفسية، وتطلب الأمر تأطير القرار الأساسي للوقوف مع الولايات المتحدة بإطار من الحق والشرعية.
وكان هذا هو السياق الذي استطاع المسؤول الإعلامي الحكومي من خلاله المشاركة في كتابة المسودة الأولى لإحدى ملفات المخابرات، ثم قام بعدها بنسج روايته بعناية لإضفاء إثارة كافية تتماشى مع الادعاء الهستيري أن لندن يمكن أن تتعرض للهجوم في ظرف 45 دقيقة. وكان هذا هو السياق نفسه الذي جعل فريق بلير يعتقد أنه من الممكن جدا أن يقتطع بعض المعلومات القديمة من الإنترنت حول ترسانة السلاح السابقة لصدام والتي دمر معظمها منذ فترة طويلة وتسليمها للصحافيين كملف ثان. في تلك الأثناء، ذكرت وثيقة "وايت هول" أن مناقشة جرت في الولايات المتحدة لتعديل الحقائق لأن المسار العام كان يجب دائما أن يؤكد أن الدوافع الأمريكية كانت خالصة النية. كما أن الإصرار المبدئي للنائب العام أن الحرب لن تكون قانونية، ويجب إعطاء فرصة للنقاش تم بعد ذلك إعادة صياغة مشورته بطريقة فظيعة لإعطاء الضوء الأخضر لشن الحرب.
وفي الوقت نفسه تآمر جاك سترو مع كبار المسؤولين بالخفاء لتأمين مصداقية الأمم المتحدة على عمل تم الاتفاق عليه فعليا، واحتج السيد بلير علنا بأنه كان يسعى إلى حل دبلوماسي. هل فعلا كان هناك أي حل دبلوماسي؟ في الحقيقة كانت هناك دبلوماسية تهدف إلى إعطاء الإذن بالحرب. عندما فشل حتى هذا الادعاء، كانت نقاشات مجلس الوزراء أقل اهتماما بشأن معركة حقيقية تلوح في الأفق من اهتمامها بحرب علاقات عامة مع الفرنسيين. فكما يؤكد تقرير تشليكوت فقرار الغزو لم يكن لدعم سلطة الأمم المتحدة كما زعم، بل إلى تقويضها.
وتقول الصحيفة إن فجوة حدثت بين المنطق العام والخاص وترسخت عدم الثقة منذ ذلك الحين بسبب أزمة نفقات النواب ودفعت للتصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي. لقد تم الاستهانة بكل العملية السياسية في بريطانيا، ولكن الثمن الباهظ تم دفعه من قبل اليسارين. فجاء الصعود غير المتوقع لجيرمي
كوربن الذي جر حزب العمال إلى أتون حرب أهلية. ولا يزال الكثير من نواب حزب العمال يحاولون فهم ذلك الصعود. وعندما يقومون بذلك، ينبغي لهم أن يعكسوا الغضب الرزين للسيد كوربن، الذي عارض الحرب دائما، في مجلس العموم اليوم، ومقارنته بنبرة الرضا عن الذات التي اعتمدها ديفيد كاميرون الذي صوت في الأصل لصالح شن الحرب.
إن دافع السيد بلير للهرولة إلى جانب راعي البقر الذي لا يفقه أي شيء يعكس رغبة ملحة لدفن شارة نزع السلاح النووي التي كان يرتديها بلير في شبابه وارتداء أخرى لاستعراض عضلاته.
إن الصعود السياسي للسيد كوربن قد يبدو الأمر الأكثر المفارقة ونتاجا للخطأ التاريخي الذي ارتكبه بلير. ولكن الأمر الأكثر خطورة لا يزال يجري، هناك بعيدا في شوارع العراق.