لم نبنِ مضمون عنوان المقال وهو حكم الرأي العام بفشل حكومة الوفاق على نتائج استطلاع علمي شامل لكل الليبيين، ولكن هناك مؤشرات عديدة تساعد على القبول بما نقول به منها آراء النخبة، ومنها اتجاهات شريحة كبيرة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضا رجل الشارع الذي عادة ما يبني موقفه تجاه الحكومة على ما يلمسه من تحسن في وضعه المعيشي، الاقتصادي والخدمي.
شهدت العاصمة طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية اضطرابات قادها شباب قاموا بإغلاق شوارع في بعض الأحياء وأضرموا النار في إطارات سيارات وهتفوا ضد الحكومة مطالبين بتسحين الأوضاع وفي مقدمتها الكهرباء التي تشهد انقطاعا يصل إلى عشر ساعات يوميا، بالإضافة إلى مشكلة السيولة.
مشكلتا انقطاع الكهرباء والنقص الشديد في السيولة تمثلان أكبر التحديات الاقتصادية والمالية، بل ربما أكبر التحديات على الإطلاق أمام الحكومة، ومن المتوقع أن يكونا سبب اضطرابات واسعة في طرابلس بالذات.
تراجع ثقة بعض من أيدوا حكومة الوفاق تعود إلى عوامل عدة من بينها الفشل في معالجة أي من الملفات الضاغطة، بل إن مشكلتي انقطاع الكهرباء ونقص السيولة ازدادتا حدة منذ دخول السيد فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لطرابلس، وهما كفيلاتان بوضع المجلس الرئاسي وحكومته في موقف صعب أمام الرأي العام.
وللإنصاف فإن مشكلتي الكهرباء والسيولة ليستا من المشاكل الطارئة التي يمكن احتواؤها يإجراءات سريعة وقرارات تصدر عن السلطة التنفيذية العليا ما لم يتوفر لها الإمكانيات اللازمة. ومن الإنصاف أيضا القول إن مشكلتي الكهرباء والسيولة هما نتاج تراكمات وقعت خلال الخمس أو أربع سنوات الماضية قادت إلى وضع صعب يعسر معه احتواؤهما.
انقطاع الكهرباء مرتبط بعجز يصل إلى نحو ألفي ميغاوات وذلك بازدياد الاستهلاك الذي ارتفع بشكل كبير خلال العشر سنوات الماضية، مقابل بطء في التوليد خلال الفترة نفسها، ثم تراجع في الكميات المولدة بسبب نقص الصيانة وأثار الحروب والاعتداء على كوبل نقل التيار الكهربائي وغيرها من المستلزمات والمعدات التي أصبحت سوقا رائجة للبيع من قبل عصابات إجرامية استفادت من ضعف المؤسسات الأمنية والانفلات الأمني.
أزمة السيولة استفحلت بسب تراجع إيرادات النفط إثر تراجع إنتاجه بشكل كبير منذ منتصف 2013، الأمر الذي ألجأ السلطات النقدية إلى اتخاذ إجراءات احترازية قادت إلى انهيار ثقة المواطن، خاصة رجال الأعمال، في المنظومة المصرفية وإحجامهم عن إيداع أموالهم في المصارف.
بالمقابل فإن ضعف المجلس الرئاسي في إدارة الأزمة بشكل عام أسهم في تزعزع ثقة من أيدوه واستبشروا بتأسيسه وبدخوله العاصمة في مارس الماضي، وقلقهم من أن المجلس وحكومته يراوحان ولا يعيشان الواقع المر والوضع البائس الذي يواجهه المواطن.
ما يظهر للمراقب أن المجلس الرئاسي يتخبط وذلك بالنظر إلى الخلاف الشديد بين أعضائه، ويفتقر إلى رؤية محددة وفاعلة لمعالجة الأوضاع المتردية.
حتى هذه اللحظة لم يقدم رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة رؤية أو استراتيجية أو خطة لمعالجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية.
كانت القضية الأبرز في تصريحات السيد السراج في المرات التي ظهر فيها مخاطبا الرأي العام هي الإرهاب، إلا أن مواقفه من الظاهرة تشكك في تقديره الصحيح لها، ومن ثم التعامل الفاعل لمجابهتها. والمثال على ذلك استمرار سخط القوات التي تحاصر تنظيم الدولة داخل سرت من أن الحكومة لم تقدم لهم الدعم لإتمام المهمة، وظل معظم الدعم اللوجستي قائما على المجهودات الذاتية لمدينة مصراتة التي تتحمل العبء الأكبر بمساندة بعض المدن المجاورة.
على مستوى مشكلتي الكهرباء والسيولة لم يظهر أن حكومة الوفاق اتجهت إلى معالجة جذورها، ولا يبدو أنها قادرة على ذلك في ظل الأداء المتواضع للمجلس وللحكومة، وفي ظل غياب رؤية مقتعة للجموع الفاعلة في العاصمة وفي المدن الرئيسية التي من دونها يصعب تفعيل إلى مقاربة لاحتواء الأوضاع المأزومة. بل الذي يظهر للمواطن أن الحكومة غير مهتمة بهاتين المعضلتين، ولم يتحدث رئيسها عن خيارات تخفف من آثارهما الخطيرة، فضلا عن تبنيها الفعلي لخطوات سريعة لتحقيق ذلك، الأمر الذي ينذر بتصعيد ربما سيطال حتى المجلس الرئاسي والحكومة.