كشفت وثائق عن حصول مستشارين لملك
المغرب وكبار موظفي الدولة وزعماء أحزاب سياسية، على قطع أرضية في أحياء راقية من العاصمة الرباط بأثمنة بخسة، ما أثار رجة سياسية وشعبية تتصاعد وتيرتها تدريجيا داخل المغرب.
الفضيحة المفتوحة على المجهول، أثارها قرار والي (محافظ) جهة الرباط،
تفويت قطعة أرضية تبلغ مساحتها حوالي 4000 متر مربع لصالحه بثمن رمزي قدره 350 درهما المتر (أقل من 35 دولار).
فيما طالب أمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران، أعضاء حزبه بعدم الرد على وزيريه في المالية والداخلية اللذين اتهما الحزب بافتعال هذه الضجة.
ودعا القيادي والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي بإقالة الوزيرين وعزل الوالي، ومحاسبة كل من سولت له نفسه التلاعب بالمال العام وتضييعه.
لائحة خدام الدولة
وكشفت وثائق مختلفة استفادة أزيد من 60 شخصية مما بات يعرف بتجزئة "خدام الدولة"، من بينهم مستشارون للملك ووزراء سابقون وموظفون سامون وشخصيات أجنبية، من بقع أرضية في الملك الخاص للدولة بطريق زعير كلم 9 بمدينة الرباط أو ما بات يعرف إعلاميا بتجزئة "خدام الدولة".
وتضم لائحة أولية بأسماء المستفدين من بقع أرضية، يتقدمهم المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، الرجل القوي في الدولة والصديق الشخصي للملك، حيث حصل على البقعة ذات الرسم العقاري 50/4905، سجلت بتاريخ 14 تموز/يوليو 2004، بمساحة تصل إلى 3206 أمتار مربعة بتجزئة "مكريزه 43"، وفق معطيات نشرها موقع "لكم2".
بعده جاء المستشار الملكي محمد معتصم رفقة إسماعلي نبيلة، اللذين حصلا على البقعة ذات الرسم العقاري 50/4904، سجلت يوم 12 كانون الأول/ديسمبر من سنة 2006، بمساحة تصل إلى 3484 مترا مربعا، بثمن 370 درهما للمتر واحد. (بتجزئة "مكريزه 43"، الرباط طريق زعير).
كما استفاد من التجزئة أفراد من عائلة المستشار الملكي الراحل مزيان بلفقيه، وهم أبناؤه مرية مزيان بلفقيه، رضى مزيان بلفقيه، ليلى مزيان بلفقيه، مهدي مزيان بلفقيه، حليمة مزيان بلفقيه، الغوتي رقية، والمسعودي أسماء: البقعة ذات الرسم العقاري 50/4903، بمساحة تصل إلى 3416 مترا مربعا، بثمن 350 درهما للمتر واحد.
وحصل أفراد عائلة الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، حسن أوريد وهم: إسماعيل أوريد، خديجة أوريد، سامية أوريد على قطعة أرض هي البقعة ذات الرسم العقاري 50/4394، بمساحة تصل إلى 3168 مترا مربعا، بثمن 370 درهما للمتر الواحد. (تجزئة مكريزه 33، الرباط طريق زعير).
وعلى صعيد الزعامات السياسية جاء الكاتب الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي المعارض حاليا والمشارك في الحكومة أثناء إبرام عقد اقتناء البقعة، إدريس لشكر، الذي حصل عليها بمقتضى عقد عرفي في 2003، بمساحة تبلغ 3160 مترا مربعا، وبسعر لم يتجاوز 1.169.200 درهما، أي ما يعادل 370 درهما للمتر المربع الواحد.
وتبعه زميله في الحزب الوزير السابق لحبيب المالكي، حيث حصل على البقعة ذات الرسم العقاري 50/4900، سجلت يوم 25 شباط/فبراير من سنة 2014، بمساحة تصل إلى 3283 مترا مربعا، بثمن 370 درهما للمتر الواحد. (تجزئة مكريزه 39، الرباط طريق زعير كلم9).
وحصل توفيق احجيرة وزوجته إلهام المغاري، من حزب الاستقلال على البقعة ذات الرسم العقاري 50/4878، سجلت يوم 2 آذار/مارس سنة 2006، بمساحة تصل إلى 3446 مترا مربعا، بثمن 370 درهما للمتر المربع الواحد. ("مكيرزه 17"، الرباط طريق زعير).
كما حصل الوزير الاستقلالي السابق بوعمر تغوان على بقعة ذات الرسم العقاري 50/4896، سجلت يوم 3 تشرين الأول/أكتوبر سنة 2002، بمساحة تصل إلى مترا مربعا 3577 مترا مربعا (تجزئة مكريزه 35، الرباط طريق زعير، بثمن 370 درهما للمتر الواحد.
أمراء الإمارات
وكشفت الوثائق ذاتها عن حصول الشيخ سعيد بن زايد بن سلطان آل نهيان ممثل حاكم أبوظبي، ويرأس مجلس غدارة ناي الوحدة الإماراتي، على البقعة ذات الرسم العقاري 50/4913، في 2005، بمساحة تصل إلى 3585 مترا مربعا، (مكيرزه الرباط طريق زعير) يضيف الموقع.
كما أثبتت الوثائق حصول أسماء إماراتية أخرى من الأراضي المغربية، بينهم الملحق العسكري لدولة الإمارات العربية –الرباط، وعبودي حمد أبوشهاب، وسعيد خلفان مطر الرميثي.
الوالي أصل الحكاية
فضيحة التفويتات فجرها قيام والي جهة الرباط ـ سلا ـ القنيطرة عبد الوافي لفتيت، باقتناء قطعة أرضية وشرع في شهر شباط/فبراير 2016 في تسجيلها لدى التحفيظات العقارية، ثم مواقفة وزارة الاقتصاد والمالية على تفويت الأرض التي تقارب مساحتها 4 آلاف متر مربع في أحد أغلى وأرقى أحياء العاصمة، وذلك بثمن لا يتجاوز 350 درهما للمتر المربع الواحد.
وكشف الرسم العقاري الصادر في شباط/فبراير 2016، عن تحويل ملكية القطعة الأرضية مديرية أملاك الدولة (الملك الخاص)، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، إلى الوالي وتحمل توقيع المدير الجهوي لأملاك الدولة بالرباط، من جهة، ووالي الرباط عبد الوافي لفتيت، من جهة ثانية.
وبحسب وثائق التحفيظ، التي أشرفت عليها موثقة بمدينة تمارة، فقد تم تحويل الأرض العارية المسماة "مكرنزة 55"، والمتواجدة بشارع محمد السادس (طريق زعير سابقا ـ كيلومتر 9)، إلى الملكية الخاصة للمسؤول الأول في وزارة الداخلية بعاصمة المملكة، وهذا بما قدره 350 درهما للمتر المربع الواحد.
وتبلغ مساحة الأرض المذكورة 3755 مترا مربعا، وتحديدا 37 آر و55 سنتيار كما هو وارد في الوثائق الرسمية، ودفع مقابلها الوالي الفتيت مليونا و395 ألفا و350 درهما مقابل استفادته من جميع الملك، بكل مرافقه ومنافعه، وهو الثمن الذي سدده المشتري لدى قباضة الرباط.
برلمان الشعب
فور صدور الخبر، سارع العشرات من المدونين والنشطاء إلى الهجوم على الوالي وإدانة سلوكه المتمثل في الحصول على قطعة أرض في منطقة راقية بثمن بخس.
حملات النشطاء لخصها هاشتاغ
#خدام_الدولة طالبت بمحاسبة الوالي وإعفائه من مهامه لأنه عوض حماية المال العام، استغل موقعه من أجل التربح غير المشروع والاغتناء من أملاك الدولة.
ودخل على الخط أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والاتحاد الاشتراكي، التي طالبت فرقها البرلمانية بمساءلة وزيري المالية والداخلية على قرار تفويت القطعة الأرضية للموظف العمومي الكبير.
وكان لافتا خلال جلسة مجلس النواب التي عقدت الثلاثاء، تغييب سؤال أراضي خدام الدولة، وهو ما اعتبره كثير من النواب تهربا، خاصة من طرف الوزيرين اللذين خرجا في بيان مشترك يدافعان عن الوالي، لكنهما تراجعا عن المحاسبة أم البرلمان.
دفاع وزيرين
ساعات بعد هذا الجدل، خرج وزير الداخلية محمد حصاد، ومحمد بوسعيد، وزير المالية، ليردا على تفويت بقعة تابعة للملك الخاص للدولة إلى والي الرباط سلا القنيطرة، عبد الوافي لفتيت، بثمن رمزي في واحد من أغلى وأرقى أحياء الرباط.
وقال الوزيران في بلاغ رسمي عممته وكالة الأنباء الرسمية، إن الأمر يتعلق بـ"شراء قطعة أرضية تابعة للملك العمومي، موضحة أن هذه القطعة الأرضية جزء من تجزئة سكنية، مخصصة لموظفي وخدام الدولة، منذ عهد الملك الحسن الثاني".
ووصف الوزيران الوثائق التي تثبت البيع بثمن رمزي لبقعة أرضية تبلغ مساحتها نحو 4 آلاف متر مربع بسعر 350 درهما للمتر الواحد، وهي الوثائق التي نشرتها عدة وسائل إعلامية، وكان موقع "لكم" من السباقين إلى نشرها، بأنها مجرد "مزاعم واتهامات مغرضة موجهة ضد والي جهة الرباط-سلا- القنيطرة"، بخصوص شراء قطعة أرضية تابعة للملك العمومي، موضحة أن هذه القطعة الأرضية جزء من تجزئة سكنية، مخصصة لموظفي وخدام الدولة، منذ عهد الملك الحسن الثاني.
وأوضح بلاغ الوزيرين أن "ثمن وشروط اقتناء القطع الأرضية التابعة لهذه التجزئة، يحددها بالتدقيق مرسوم للوزير الأول صادر بتاريخ 26 كانون الأول/ديسمبر 1995"، واتهم البلاغ حزبا سياسيا، دون أن يذكره بالاسم، في إشارة واضحة إلى حزب "العدالة والتنمية" بأنه هو من يقف وراء ما وصفها بـ "الحملة المغرضة".
أفتاتي يرد
قال البرلماني والقيادي المثير للجدل في حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، إن فضيحة تفويت أراضي ملك الدولة إلى الوالي، كما بلاغ الوزيرين، تستدعي عزل الأول وإقالة الوزيرين لأنهما تعاملا باستهتار واستخفاف مع المغاربة وقبله المال العام.
وأضاف عبد العزيز أفتاتي في تصريح لـ"
عربي21"، أن المرسوم الذي بموجبه تم تفويت عقار خاص للدولة إلى والي جهة الرباط- سلا- القنيطرة بثمن ''زهيد''، لا يمكن وضعه في خانة المراسيم التنظيمية العامة، فهو مرسوم سري يهم عملية مشبوهة'.
وقال على سبيل الدعابة: "قضيت فترات طويلة من حياتي في الرباط، ولم تبد إعجابها بي، ولم تطلب أية قطعة أرضية يدي (باش نتكاتبو)، فلماذا فقط يستفيد هؤلاء دون سواهم، ودون وجه حق؟".
وأفاد أفتاتي بأن ''بيع هذه الأراضي يتم بناء على مرسوم يعود إلى عام 1995، ولم يتم نشره بالجريدة الرسمية، لأنه مشبوه، يهم كبار القوم، الباحثين على الثراء الفاحش، مستدركا كلامه قائلا: إن ''أي عملية بيع تتم بطريقة سرية، بعيدة عن المساطر القانونية، يكفي فقط الحصول على الأساس الشكلي للسطو على أملاك الدولة، في واضحة النهار''.
وأشاد أفتاتي "بنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لدورهم في حماية المال العام ومحاصرة التحكم واليقظة تجاه الفاسدين الكبار الذين لا يرقبون في هذا الشعب إلا ولا ذمة".
مخالفة القانون
ويدعم موقف البرلماني أفتاتي ما كشفه المحامي سعد السهلي، الذي أوضح أن ''بيع الأراضي تم بناء على مرسوم يعود إلى عام 1995، موقع من طرف كل من الوزير الأول وزير الشؤون الخارجية والتعاون آنذاك، عبد اللطيف الفيلالي، ووزير المالية والاستثمارات الخارجية، محمد القباج، وينص على بيع 86 قطعة أرضية بأسعار تتراوح ما بين 350 و370 درهما للمتر المربع تتراوح مساحاتها ما بين 2800 متر مربع وأكثر من 4000 متر مربع".
ويستفيد من بيع العقارات، كل من الجماعات المحلية والمؤسسات أو المقاولات العامة، والأشخاص الطبيعيين أو المعنويين قصد إنجاز مشروع استثماري.
وكشف المحامي عن أن هذا المرسوم تم تغييره في سنة 2002، حيث لم يعد بإمكان الدولة تفويت العقارات للأشخاص الطبيعيين أو المعنويين بالمراضاة إلا عن طريق مشروع استثماري أو بعد المزاد العلني إلا إذا نصت أحكام تشريعية أو تنظيمية على خلاف ذلك.
وتقول المادة الأولى من المرسوم الملكي: "تنسخ أحكام الفصل 82 من المرسوم الملكي المشار إليه أعلاه رقم 330.66 الصادر في 10 محرم 1387 (21 نيسان/أبريل 1967) وتحل محلها الأحكام التالية: الفصل 82 – يرخص اقتناء العقارات وبيعها من طرف الدولة بقرار للوزير المكلف بالمالية. ويباشر بيع العقارات من ملك الدولة الخاص عن طريق المزاد العلني ما عدا إذا نصت أحكام تشريعية أو تنظيمية على خلاف ذلك".
وأضافت: "يمكن بيع عقارات من ملك الدولة الخاص بالتراضي بموجب قرار للوزير المكلف بالمالية لفائدة: الجماعات المحلية والمؤسسات أو المقاولات العامة؛ والملاك على الشياع مع الدولة إذا كان تقسيم العقارات غير قابل للاستغلال العقلاني؛ والأشخاص الطبيعيين أو المعنويين قصد إنجاز مشروع استثماري، إذا كانت القيمة التجارية الحقيقة للعقار المراد بيعه لا تتجاوز 10% من التكلفة التقديرية الإجمالية للمشروع المذكور".
وأوضحت "أن البيع المذكور يرخص من طرف ولاة الجهات عندما يتعلق الأمر بإنجاز مشاريع استثمار في قطاعات الصناعة والتصنيع الفلاحي والمعادن والسياحة والصناعة التقليدية والسكن تقع داخل نفوذهم الترابي ويقل مبلغها عن 200 مليون درهم".