اشترط عدد من مناهضي الانقلاب، على أستاذ العلوم السياسية، ومقدم برنامج "أنا مصر" على التلفزيون المصري، معتز بالله عبد الفتاح، الذي يعتبرونه أحد أبرز عرابي الانقلاب، كي يسامحوه، ويقبلوا اعتذاره وطلبه أن يساعدوه في الخروج من "التيه"؛ أن يتراجع عن تأييد الانقلاب، ويقول كلمة الحق، ويرد المظالم لأهلها.
ماذا قال عبد الفتاح؟
وكان عبدالفتاح كتب الاثنين، في صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلا إنه اكتشف أن أمراضا أخلاقية خطيرة قد تسللت إلى نفسه، طالبا الدعاء له، ومسامحته لو كان قد "ظلم أي أحد".
واستشهد بما قاله له أخوه من أنه "في التيه"، قائلا: "ربي إني ظلمت نفسي"، واصفا نفسه بأنه في منحدر خطير، ومؤكدا أن الله أرسل إليه من يلفت نظره إليه.
وتابع: "جزاهم الله خيرا، وليسامحوني علي خطئي فيهم، وظلمي لهم، وربنا يعني أن أرد ظلمي عنهم".
ولم يحدد عبد الفتاح من يقصد بذلك، لكن مراقبين حملوا كلامه على أنه يقصد مناهضي الانقلاب، وفي القلب منهم "الإخوان المسلمون"، الذين كثيرا ما حرض عليهم، وبرر ذبحهم وقتلهم، داعيا إلى ديمقراطية "إقصائية" لهم، مبررا لانقلاب السيسي، ومروجا لمبرراته.
وفي تدوينته قال عبد الفتاح أيضا: "زمان كنت أحسن.. كنت أصدق، كنت أشجع، كنت أكثر خوفا من الله، أكثر حفاظا على وعودي، أكثر حرصا على تجنب الحرمات".
وبأسلوب عاطفي أضاف: "أنا بأعري نفسي أمامكم، لأني مش خايف منكم، ولكن خايف عليكم مني، أحسن تفتكروني كويس، وأنا مش كويس خالص.. يمكن ربنا يهديني، وأرجع إلى أصلي، اللي أمي ربتني عليه".
وتابع: "أنا في محاولة لاسترجاع نفسي، بالعودة إلى ربي.. ادعوا لي أن يردني إليه رد الكرام عليه.. اللهم أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، واغفر لي ظلمي لناس أحسنت الظن في أخلاقي، وخذلتهم".
وتابع دعاءه: "يا رب.. يا رب.. يا رب.. نفسي أقوى مني، لكنك أقوى منها.. اللهم إني ألوذ بك، فسارع لإنقاذي يا ربي.. رب إني ظلمت نفسي وغيري، فأنقذني واهدني.. آمين".
شروط النشطاء لقبول الاعتذار
وشارك مئات من النشطاء التدوينة، وعلق عليها العشرات، وتقدموا بطلبات عدة إلى عبد الفتاح، كي يقبل الله توبته، وقدم بعضهم عددا من النصائح، في هذا الصدد.
وقال الناشط السياسي علاء الروبي على صفحته في "فيسبوك": "بمناسبة كلام معتز عبد الفتاح عن التيه، ورغبته في العودة إلى الله، والتوبة من المظالم.. فللمساعدة، والنصح، ولقطع طريق المزايدة والاستغفال؛ أذكره بأن للتوبة شروطا"، أجملها في "مفارقة معسكر الظلم والقتل والطغيان، والدخول في معسكر الحق".
وطالب الروبي عبد الفتاح أيضا بـ"الاعتراف بالذنب، والعزيمة على ألا يعود للجرم، وإظهار الندم على ما وقع منه، ورد المظالم، وأداء حقوق العباد".
وخاطبه قائلا: "أكمل طريق التوبة يا معتز، واقبل بتبعاتها إن كنت صادقا، ولو كان من تبعاتها أن تلقى جزاء مشاركتك في الانقلاب، وما أدى إليه من قتل ونهب وانتهاكات، أما أن يعتذر أحدهم بكلام عاطفي مرسل ليقبله الثوار في صدارة المشهد مرة أخرى، فذلك حال المغفلين الذي لا يليق بالثوار الأحرار".
وأردف: "لو قبلنا اليوم اعتذار معتز عبد الفتاح فأدخلناه في الصف الثوري، غدا يُعرض علينا قبول اعتذار السيسي مقابل القبول ببقائه رئيسا، وبعدها نقبل اعتذار نتنياهو مقابل بقاء سيطرة الصهاينة على فلسطين المحتلة، وهكذا تضيع كل الحقوق مقابل كلمات اعتذار لا تعيد حقا، ولا تشفي غليلا، ولا تأخذ على يد ظالم، أو طاغية، أو مجرم".
وشدد الروبي على أن "مشكلتنا مع الانقلاب وأعوانه ومؤيديه ليست خلافا سياسيا ينتهي باعتذار، بل هي معركة ضد الظلم والطغيان، بُذلت فيها أنفس وأموال، وانتهكت فيها أعراض، وسلبت فيها حقوق مئات الآلاف - بل ملايين - من المصريين، فأنى لاعتذار أن يكافئ قليلا من هذا؟".
ومن جهته، قال الباحث السياسي أحمد غانم: "الحسنات يذهبن السيئات.. وليس هناك حسنة أفضل من قول حق عند سلطان جائر".
وأضاف غانم: "قل للسيسي: أنت مجرم وقاتل، وكن صوتا لآلاف الشباب المعتقلين بغير ذنب".
وقال محمد عبد المعبود (كلية التجارة): "من شروط التوبة رد المظالم إلى أهلها، وقول كلمة الحق".
وقال مجد مسلم: "أن تأتي متأخرا أفضل من أن تستمر في تأييدك للظلم".
وقال وائل السمان: "ابعد عن الصحبة اللي عملت فيك كده يا دكتور".
فيما قالت "وعد الله آت.. تربية إسكندرية": "لا أسمح لنفسي بالتشكيك في حسن نيته .. ولكن لابد له من أن يكون صريحا في رفضه للانقلاب ودعمه للشرعية".
وقال رضوان زكي: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)، ونتمنى أن تكون توبة مصحوبة بندم، وإصرار على عدم العودة إلى هذه الأمراض الأخلاقية، والعزم على الوقوف بجانب الحق، مهما كلفك من ثمن".
وقال يوسف حسن (جامعة الإسكندرية): "لم يقل لنا ما خطاياه التي يتوب منها، ومن الذين ظلمهم، وكيف يرد لهم حقوقهم، وكيف سيتغير؟ وعموما سوف نرى في الأيام المقبلة نوع هذه التوبة هل هي توبة صادقة؟ أم إنها بطعم أمني مخابراتي؟".
صل ركعتين وعد لنفسك
أما المسؤول والخطيب بوزارة الأوقاف (المناوئ للإسلاميين)، الشيخ أحمد تركي، فقال: "صل ركعتين، وأطل في السجود، واختل بنفسك شوية، واقرأ مناجاة سيدي ابن عطاء الله، وما دمت بهذا الحس، وهذه المحاسبة، فأنت بخير".
وقال حمدي مورجان: "زلة العالم يزل بها عالم".
وقال إبراهيم أحمد (كلية الاقتصاد والإدارة): "لأنه اكتشف أن السيسي طلع خائن، وقتل الشعب المصري، واغتصب نساءه، وباع أرض مصر للصهاينه".
وقالت هدى الجوهري: "تذكر المعيد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قبل السفر، وعد إليه.. استعن بالله، وإن شاء الله يردك إليه ردا جميلا، ويرزقك رؤية الحق حقا، والقدرة على اتباعه.. اسأل الله العظيم أن يجزي من لفت نظرك خير الجزاء، واحمد الله على هذا".
تشكك في صدق ندمه
لكن عددا من النشطاء شكك في مصداقية عبد الفتاح في إعلان توبته، وتقديمه اعتذاره، وإعلان ندمه.
وعلق مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان، الحقوقي جمال عيد، عبر "فيسبوك" بالقول: "أحد عرابي القمع، يطلق نداء: سامحوني.. لم يزد على ذلك حرفا.. ولم أشعر بصدقه، لكن شعرت من كلامه المبهم والمكرر أنه سيتحول، من دولجي قح إلى سلفي مخضرم".
وأضاف عيد: "إن كان الأمر كذلك.. فيا ريتك يا أبوزيد ما غزيت، وإن كنت أتمنى أن أكون مخطئا".
وقال أحمد نادي (معلم رياضيات بمدرسة إعدادية): "هو حاسس أن المركب بتغرق، وعايز يقفز منها قبل ما البلد تنهار، ويهربوا للخارج".
وقال محبوب قناوي (صاحب مهنة حرة): "هو أنت فاكر أصلا أنك تهم أحدا؟ لا والله.. احنا الشعب المصري عارفينكم، انتو شوية عالم أفاقين بتجروا ورا المال".
وقال شريف أحمد (مهندس): "أنا نفسي أسامح نفسي أني انخدعت فيك.. إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".
وأضاف: "على العموم: باب التوبة مفتوح وهذه عبرة لأنصار السيسي يمكن يتوبوا؟".
وسخر أشرف علي فقال: "ماشي يا عم القديس.. قل لنا الحقيقة: ثورة دي، ولا انقلاب؟".
وقال وليد جيف: "هاموت وأعرف إيه المقابل أو الضغوط اللي اتعرضت لها خلت منك شخصية لزجة وبلا مبادئ كده".
وقال عماد سليمان: "ده هيغيب شهرين تلاتة، ويرجع زي يوسف الحسيني، ويقول: كنت بعمل مش عارف إيه.. يعني بعد ما المخابرات تعيد تشفيره وبرمجته.. دول ولاد ..".
وقالت رجاء صادق (الجامعة الأمريكية بالقاهرة): "أنت إيه بالضبط.. عايز تختفي بدون أسلوب الشحتفة (التوسل).. اللي عايز يكون مع نفسه وربه يعملها بدون ما يستجدي الناس.. الحمدلله أنك حتختفي، وتعود لربك تهتدي بيه ويوريك طريق واحد تتقيه فيه مش تقول حاجة لسان حالك بيقول حاجه تانية".
وأخيرا قال سيد أحمد: "قرأت معظم التعليقات.. ما شفتش حد قال في حقك كلمة كويسة ليه.. علشان نفاقك، وظلمك وافتراءك على الناس.. تب إلى الله، وكن صادقا، وقف في وجه الظالمين وقل كلمة حق في وجه سلطان جائر لعل الله يسقط من رقبتك دماء الأبرياء أنت والمنافقين أمثالك".
فراق بين التلميذ وأستاذه
وكان أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، سيف الدين عبد الفتاح، أبدى ندمه على علاقته الأكاديمية السابقة بمعتز بالله عبد الفتاح، زميله في الجامعة نفسها، على خلفية تبرير الأخير لزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى "
إسرائيل"، ولقائه بنتنياهو، بالقول: "إن الزيارة تشبه ما كان يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما كان يرسل البعض لمعرفة خطط الأعداء".
وعلق "سيف الدين" على هذا التصريح من "معتز"، الذي يعتبر الأول أستاذه - بالقول: "دا لو ماسك عليكم زلة.. مش هتوصلوا للانحطاط دا.. بيقولك لمعرفة خطط أعدائه.. أنا آسف إني عرفتك".
ماذا قدم "معتز عبد الفتاح" للسيسي؟
ويذكر أنه كثيرا ما لجأ معتز بالله عبد الفتاح إلى تلميع السيسي، ونقل عنه ضمن حوار مطول، قال إنه جرى بينهما في مقاله بجريدة الوطن، 25 أيار/ مايو 2015، تحت عنوان: "الرئيس السيسي.. "إصدار 2" قوله إن السيسي زعم أن "خطاب 3 يوليو 2013 لم يكن يهدف للقضاء على جماعة الإخوان بالضرورة، كما يصور الإخوان، وإنما على "بعث" جديد لهم، بعد أن يكونوا تعلموا من أخطائهم، ووعوا الدرس، وفهموا أن مصر ليست جماعة الإخوان فقط".
ومضى إلى القول: خرجت بانطباع أن الرئيس السيسي يفرق بين السنة الأولى، وما يليها، معربا عن آماله بأن تكون السنون الثلاث المقبلة للسيسي مختلفة، وأن يكون فيها عمل أكبر على بناء الشخصية الوطنية المصرية، وعمل أكبر على ملف العدالة الاجتماعية، واهتمام أكبر بملف الحقوق والحريات، والتحول الديمقراطي".
وبأسلوب دعائي، أضاف: "إصدار السنة الثانية" من حكم الرئيس السيسي سيكون مختلفا عن "إصدار السنة الأولى"، في جوانب كثيرة، كما فهمت منه، وكما أتمنى".
واعتبر أن عشرات المقالات التي كتبها عبد الفتاح منذ الانقلاب كانت نوعا من التلميع للسيسي، الذي يعاني من تراجع شعبيته بمعدلات مريعة.
"الخوان المسلمون": الجريمة التي كان ينبغي أن نرتكبها
واعتبر معتز عبد الفتاح، إلى وقت قريب، أحد أشد أفراد النخبة المصرية تعصبا للسيسي، وموالاة له، وكتب مقالا عنصريا بعنوان: "الخوان المسلمون": الجريمة التي كان ينبغي أن نرتكبها"، بجريدة "الوطن"، 20 آذار/ مارس 2015.
وقال: "الخوان المسلمون: هو المصطلح الذي استخدمه عباس محمود العقاد في وصف جماعة الإخوان. والجريمة: أي الغلطة التي وقعنا فيها بحسن نية أو بسوء نية، لكنها في كل الأحوال خطأ، لو عاد بنا الزمن لما عدنا إليه. "التي كان ينبغي أن نرتكبها": أي الفعل أو القرار الذي، رغما عن كل عيوبه وتكلفته، فإننا تعلمنا منه درسا قاسيا حتى نتعلم من الخطأ، وإلا كنا سنظل نظن فيهم خيرا، ونلتمس لهم الأعذار، وهم لا يستحقون حسن الظن فيهم".
واستطرد: "لقد ارتكب الإخوان "الكارثة الوطنية"، والآن علينا أن نطلق العنان للعقل المصري لإبداع "ديمقراطية استبعادية"، ترفع شعار "لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية"، ولا مجال في الفضاء العام إلا لمن يحترم إرادة الشعب ودستوره وقوانينه، شريطة أن تكون ديمقراطية حقيقية في كافة ممارساتها لمن يلتزم بالوطنية المصرية، ويقبل بشروط الديمقراطية: ديمقراطية الوصول إلى السلطة، ديمقراطية ممارسة السلطة، ديمقراطية الخروج من السلطة".
وأضاف: "لقد ارتكبنا جريمة بأن مكنا للإخوان في الأرض، ولكنها جريمة كانت ضرورية؛ لأنه بدونها كنا سنظل مخدوعين في هؤلاء.. السؤال الآن: كيف نصنع مصر جديدة ناهضة، تنموية، عادلة، ديمقراطية، استيعابية لكل الفصائل الوطنية، استبعادية لكل الفصائل غير الوطنية؟ هذا هو الجهد الفكري المطلوب الآن".