نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافية
السودانية المقيمة في بريطانيا نسرين مالك، حول علاقة السودان الجديدة مع أوروبا، والدور الذي بات يؤديه الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، لمنع تدفق المهاجرين إلى شواطئ أوروبا.
وتبدأ مالك تقريرها بالمثل العربي "مصائب قوم عند قوم فوائد"، وتقول إن "المثل يشير إلى استفادة النظام السوداني من المصائب التي أسهمت في إطالة عمره، حيث إن من عادة النظام تجيير المصالح لصالحه، والمصيبة الأخيرة التي تفيد حكومة البشير، الذي تحول إلى منبوذ عندما استقبل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وغيره من الإرهابيين في السودان، أثناء حقبة التسعينيات من القرن الماضي، ويحمل لقب الرئيس المطلوب من العدالة الدولية، هي أزمة المهاجرين الكبرى، التي تضرب شواطئ أوروبا، وحصلت حكومة البشير على دعم لإخراجها من عزلتها الدولية، مقابل مساعدتها
الاتحاد الأوروبي على وقف موجات المهاجرين القادمين من شرقي أوروبا".
وتضيف الكاتبة أن السودان واجه عقوبات أمريكية وأوروبية قاسية لعقود، أدت إلى شل اقتصاد البلاد، ثم أصبح البشير منذ عام 2009 مثل الهارب من العدالة، بعدما أصدرت محكمة الجنايات الدولية أمرا باعتقاله؛ بتهمة ارتكاب جرائم في دارفور، حيث لم يعد قادرا على زيارة إلا عدد قليل من الدول الأفريقية والخليجية.
ويكشف التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أن حكومة البشير تلقت مبلغ ملياري دولار أمريكي من صندوق الطوارئ الخاص بأفريقيا في الاتحاد الأوروبي، الذي يهدف لاستئصال مشكلة الهجرة من جذورها، من خلال تشجيع التطوير، وتقوية الأمن، مشيرا إلى أن أزمة اللاجئين تعد منحة من السماء بالنسبة للسودان.
وتشير المجلة إلى أن السودان أصبح بسبب عوامل عدة، منها قربه من مصر وليبيا، وحدوده الطويلة، ومناطقه الخارجة عن السيطرة، منطقة عبور رئيسة للمهاجرين القادمين من أثيوبيا وإرتيريا وسوريا، ممن يأملون بعبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا.
وتلفت مالك إلى أن "الحكومة السودانية كانت متسامحة مع المهاجرين الذين مروا من أراضيها، لكن الاتحاد الأوروبي قدم لها الجزرة، وإمكانية تطبيع علاقاتها مع الدول الأوروبية، وأصبحت الحكومة السودانية، وبطريقة مفاجئة، آكثر ضبطا لحدودها، ولحركة الناس عليها".
ويورد التقرير أنه بحسب شهادات لاجئين، فإن قوات الأمن لم تعد مستعدة لقبول الرشوة، كما في الماضي، وأًصبحت قوات الشرطة المعروفة بفوضويتها أكثر تنظيما عندما يتعلق الأمر باعتقال المهاجرين واحتجازهم، خاصة القادمين من إريتريا.
وتذكر المجلة أنه في أيار/ مايو، تم اعتقال حوالي ألف أرتيريا في العاصمة الخرطوم، سجن بعضهم، ورحل آخرون إلى إرتيريا، وفي حزيران/ يونيو، قامت السلطات السودانية بالقبض على مهرب المهاجرين الأرتيري ميريد ميدهاني، الذي يعتقد أنه مسؤول عن غرق 400 مهاجر في عام 2013، قرب الجزيرة الإيطالية لامبيدوسا، وقامت الخرطوم بترحيله وتسليمه للسلطات الإيطالية.
وترى الكاتبة أن صحوة المواطنة الدولية الجيدة ليست مصادفة، ففي نيسان/ أبريل أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التنمية الدولية نيفن ميمكا، عن حزمة مساعدات بقيمة 110 ملايين دولار عبر صندوق الطوارئ لأفريقيا، التي خصصت على ما يبدو من أجل مواجهة الفقر، وتقديم الخدمات الأساسية، خاصة في المناطق المهمشة، التي تعاني من نزاعات.
وينقل التقرير عن ميمكا، قوله إن "دعمنا الجديد (110 ملايين دولار) سيركز بالضرورة على تحسين ظروف الحياة للذين يتخذون من السودان وطنا لهم، ومساعدة العائدين إلى البلد على الاندماج في المجتمع، وتحسين الأمن على الحدود"، وكان ميمكا يأمل أن ينتبه العالم للموضوعين الأولين من المساعدة، لكن الموضوع الأخير، وهو أمن الحدود، كان وراء التقارب السوداني الأوروبي.
وتنوه المجلة إلى أن مجلتي "دير شبيغل" الألمانية، و"نيوستيمان" البريطانية، ذكرتا في أيار/ مايو أن بروكسل خصصت أموالا لتدريب قوات الشرطة السودانية، خاصة حرس الحدود، وأظهرت الوثائق التي حصلت عليها المجلتان أنه قدمت للسودان أجهزة كاميرا وأجهزة كشف من أجل تسجيل القادمين من اللاجئين، وبناء مراكز استيعاب لهم في بلدة الغضارف وكسلا، لافتة إلى أنه ليس من الواضح إن كانت الأموال التي قدمت في نيسان/ أبريل، هي جزء من قرض قدمه في السابق صندوق الطوارئ الأفريقية، مشيرة إلى أنه أيا كان الحال، فإن السودان تلقى دعما من أجل وقف تدفق المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا، ومن أجل بناء سجون مفتوحة لاحتجازهم بها.
وتعلق مالك قائلة إن "الدعم الأوروبي للسودان، المعروف بسجله الفقير بحقوق الإنسان، لا يعني توفير الدعم المالي، وزيادة معاناة اللاجئين فقط، بل إنه يشير إلى تقوية النظام السوداني، عبر تخفيف عزلته الدولية".
ويفيد التقرير بأن متحدثا باسم مديرية التعاون الدولي والتنمية التابعة للاتحاد الأوروبي، قال إن صندوق الطوارئ من أجل أفريقيا أنشئ لإدارة أزمة المهاجرين بطريقة جيدة، وأضاف: "لن يتم تمرير المال إلى الحكومات كي تنتفع منها".
وتجد المجلة أن التصريحات مضللة؛ لأن الفرق بين المال العام والخاص في دول أفريقيا غير واضح، وحتى لو تم توزيع الأموال على مؤسسات غير ربحية وغير حكومية، فإن الحكومة السودانية هي التي تتحكم بالأموال في النهاية، مشيرة إلى أنه لا يوجد إلا مستوى قليل من المحاسبة والشفافية في عقود الحكومة، كما أن القوى التي ستقوم بمتابعة السياسة، ومنع تدفق المهاجرين، وهي الشرطة وحرس الحدود وقوات الدعم السريع، هي بالضرورة أجهزة تابعة للحكومة السودانية.
وبحسب الكاتبة، فإن قوات الدعم السريع تتهم بارتكاب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان، وقد شكلت عام 2013 من عناصر الجنجويد المعروفة بممارساتها في دارفور، وهي مرتبطة بشكل مباشر مع المخابرات الوطنية العامة، وكان الهدف من إنشائها مواجهة التمرد وحراسة قادة الحكومة ومؤسساتها، مشيرة إلى أن قوات الدعم السريع تقوم بحراسة الخرطوم، التي تحولت بشكل متزايد إلى ثكنة عسكرية، وتقوم الآن بمتابعة سياسات منع الهجرة التي يريدها الاتحاد الأوروبي.
ويذهب التقرير إلى أن تصرف الاتحاد الأوروبي مثير للقلق؛ لأنه يمنح الحكومة السودانية المصداقية والشرعية والمساعدة، خاصة أنها تعاني من أزمة مالية؛ بسبب تراجع أسعار النفط، وفقدانها الشرعية في عيون الكثير من المواطنين السودانيين، لافتا إلى أنه بدلا من ممارسة الضغط على حكومة البشير، فإن الاتحاد الأوروبي يسهم في إخراجه من عزلته الدولية.
وتورد المجلة أن المسؤولة الأممية المقيمة لحقوق الإنسان مارتا روداس زارت في حزيران/ يونيو الرئيس البشير في القصر الجمهوري، وكانت أبرز المسؤولين الذي يلتقون مع البشير، كما التقى ميمكا مع النائب الأول للرئيس السوداني، بالإضافة إلى المسؤولين في وزارة التعاون الدولي والخارجية والداخلية.
وتبين مالك أن هذه ليست هي المرة الأولى التي استخدم فيها النظام كارثة لصالحه، مشيرة إلى تعاون نظام البشير مع الولايات المتحدة في المجال الأمني عقب هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، وحصلت الحكومة مقابل هذا التعاون على مميزات في مفاوضات السلام مع جنوب السودان، ووعدت واشنطن برفع العقوبات عن الخرطوم، بعدما يتم تحقيق الانفصال في عام 2011، وتراجعت الولايات المتحدة عن وعودها، بعدما انفجر نزاع آخر في منطقة النيل الأزرق وجنوب كردفان عام 2011، مع أن واشنطن واصلت التعاون بشكل قريب مع المخابرات السودانية.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن الكثير من المسؤولين الأمريكيين يعترفون في أحاديثهم الخاصة بالرغبة بشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لافتة إلى أن هذه خطة بدت غير عملية من الناحية السياسية.