فيما يحاول بنك إنجلترا المركزي خفض التوقعات السلبية التي تواجه
الاقتصاد البريطاني، أكد خبراء أن خفض الفائدة ما هو إلا إجراء مؤقت لا يمكن التعويل عليه لفترات طويلة.
وخفض
البنك المركزي البريطاني أمس الخميس تكلفة الاقتراض إلى مستوى قياسي جديد بنحو ربع نقطة مئوية، وتمتد تأثيرات التخفيض إلى كل قطاعات النشاط الاقتصادي البريطاني لتظهر علامات الانكماش منذ الركود الأخير قبل سبع سنوات، إضافة إلى طرح خطة تحفيزية بقيمة 170 مليار جنيه إسترليني تساوي نحو 227 مليار دولار.
مع الموافقة على إعادة برنامج التيسير الكمي وشراء السندات وزيادته بمقدار 60 مليار جنيه إسترليني ليصل الإجمالي إلى 435 مليار جنيه إسترليني في أول زيادة للتسهيل الكمي منذ 2012.
وبموجب البرنامج سيشتري البنك المركزي 10 مليارات جنيه إسترليني من ديون الشركات، كما كشف عن برنامج جديد تصل قيمته إلى 100 مليار جنيه إسترليني لتشجيع البنوك على إقراض الأسر والشركات، مما رفع القيمة الإجمالية للحوافز إلى 170 مليار جنيه إسترليني.
ورغم اعتراف البنك بتأثير نتائج الاستفتاء، إلا أنه أبقى على توقعاته بأن يحقق الاقتصاد نموا بنسبة 2 في المائة خلال 2016، بينما خفض البنك توقعاته للنمو إلى 8.0 في المائة لعام 2017 و8.1 في المائة لعام 2018 بعد أن كان يتوقع تحقيق نمو بنسبة 3.2 في المائة خلال العامين 2017 و2018.
في حين لم يخفض البنك أسعار الفائدة بشكل أعمق؛ لأنها قادرة على توفير بعض الحوافز بطرق أخرى، وترى كاتلين ألن، المحللة الاقتصادية في بنك ستاندرد تشارتر، أنه إذا استمرت البيانات الاقتصادية في التدهور فسيكون خفض الفائدة غير ممكن في الأشهر المقبلة.
ولا تزال هناك شكوك حول التزام مارك كارني محافظ المركزي البريطاني بالسياسة النقدية التي يتبعها، خاصة أن عقده بالبنك يستمر خمس سنوات منذ عام 2013.
وتمتد تداعيات الخفض على المدخرين حيث قالت سوزن هانمز، مديرة الاستثمار بأحد شركات إدارة الأصول، وفقا لصحيفة "الشرق الأوسط"، إن هناك عددا كبيرا من حسابات الادخار القابعة في معدلات خسارة كانوا تكيفوا معها منذ 2009 فعليهم الاستعداد حاليا لمزيد من الخسارة في العوائد، في حين لا تعتقد هانمز أن هناك وسيلة لكبح هذه الخسائر على المدى القصير قائلة: "علينا الانتظار لنهاية الشهر الحالي وبداية أيلول/سبتمبر المقبل حتى تتضح الأمور بشكل أكبر".
ولا توجد تأثيرات واضحة للمقترضين من ذوي الرهن العقاري الثابت، أما مقترضو المعدل المتغير فهم أكبر المستفيدين ويصل عددهم إلى 5.1 ملايين مقترض، فسيرون خلال الفترة القليلة المقبلة انخفاضا في معدل الأقساط الشهرية بداية من أيلول/ سبتمبر المقبل، فعلى سبيل المثال مقترض رهن عقاري بمبلغ قدره 150 ألف إسترليني سيشهد القسط هبوطا من 673 إسترلينيا في الشهر إلى 654 إسترلينيا.
في حين ستتأثر أسعار العقارات بالارتفاع بعد خفض تكلفة الاقتراض رغم أنه لن يكون دافعا لتدفق الأموال إلى السوق على المدى القصير بسبب حالة عدم اليقين، إضافة إلى اختبارات معايير القدرة على تحمل التكلفة التي لا تتغير بالضرورة مع معدلات الفائدة؛ لأنها أصبحت قواعد أساسية منذ الأزمة المالية العالمية.
وتعد المهمة الأصعب في الفترة المقبلة هي إطلاع الملايين من عملاء القطاع المصرفي على التغيرات في معدلات الإقراض والادخار، وسيتعرض القطاع لتراجع الأرباح المستندة على الفرق بين ما يمكن أن تقدمه للمدخرين والمقترضين، إضافة إلى عدم رغبة القطاع الخاص في تحمل ديون جديدة التي تمثل ضرورة في التغلب على الرياح المعاكسة لدفة الاقتصاد البريطاني، فأصبحت مسؤولية التوسع في النشاط الاقتصادي مسؤولية القطاع الحكومي بعد افتقار القطاع الخاص للثقة في زيادة القدرة على الائتمان المطلوب.
وضعف الفائدة يؤدي من ناحية أخرى إلى التأثير المباشر في شريحة كبيرة من مدخري المعاشات الذين يحصلون على أقساط منتظمة من أوعية ادخارية على غرار التمديد في خطط التيسير الكمي، فإن عوائد السندات ستهبط، وهو ما سيزيد مواصلة الخفض في معدلات الأقساط الشهرية لمدخري المعاشات.
لكن انخفاض عوائد السندات قد يزيد أسعار الأسهم لاسيما من الشركات البريطانية، مما سيدفع المستثمرين في الفترة المقبلة لرفع الحد الأدنى من المخاطرة بحثا على العوائد، وهنا يكمن الخبر السار لمدخري المعاشات في صناديق الاستثمار في الأسهم.
ومع اعتراف المركزي أمس باحتمالات الركود خلال الفترة المقبلة وارتفاع توقعات الحذر خاصة مع ضعف الإسترليني الذي سيؤثر في الواردات البريطانية، أصبح تأثر الاقتصاد عموما أمرا "محتوما"، حيث تراجعت الأسعار في متاجر التجزئة البريطانية لأبطأ معدل منذ آب/ أغسطس 2015.