نشرت صحيفة "نوفيل أبسارفاتور" الفرنسية، لقاء صحفيا مع الطبيب المختص في طب النفس السريري بالقدس، ماكسيميليان زيمرمان، بيّن فيه أن الترهيب الذي يتعرض له
الفلسطينيون، وسوء المعاملة، ونقاط التفتيش الإسرائيلية، ومداهمة المنازل ليلا؛ أثرت سلبا على بناء شخصية الطفل الفلسطيني.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن اثنين من جنود
الاحتلال المسلحين قاما بافتكاك دراجة من طفلة فلسطينية لم تتجاوز سن الثامنة من عمرها، بحجة تواجدها قرب الطرق المخصصة لمرور الإسرائيليين، مشيرة إلى أنه "تم تصوير ونشر مقطع الفيديو الذي يعكس إحدى مشاهد العنف اليومي من قبل منظمة (بتسيلم)، وهي منظمة إسرائيلية مؤلفة من محامين وصحفيين وبعض أعضاء الكنيست، تعمل على فضح انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة".
وأضافت أن هذه المنظمة أثارت مرة أخرى؛ مسألة
المشاكل النفسية الناتجة عن هذا النوع من الاعتداءات المسلطة على
الأطفال الفلسطينيين، لافتة إلى أن الطبيب "ماكسيميليان زيمرمان" العضو في منظمة "أطباء العالم" والمشرف على برامج الصحة النفسية التابعة لهذه المنظمة، تدخل في الضفة الغربية وقطاع غزة لتقديم المساعدة للأطفال الفلسطينيين وأسرهم عقب وقوع حوادث العنف.
وفي تعليقه على حادثة مصادرة دراجة الطفلة الفلسطينية؛ قال زيمرمان: "حقا لقد صدمني هذا الفيديو، فهو يعكس -للأسف- واقع الحياة اليومية للفلسطينيين".
وأضاف: "بالأمس فقط؛ زارت فرق علماء النفس التابعة لمنظمتنا؛ عائلة فلسطينية قام جنود إسرائيليون بمداهمة منزلها، وكسر أبوابه، وتدمير أثاثه أمام أنظار الأطفال، في إطار ما يسمى (عمليات التفتيش). وقد تأثر الصغار بذلك كثيرا، وقضوا كامل ليلتهم وهم يتقيؤون".
وأوضح أن "من المثير للقلق؛ أن بعض الجنود فقدوا إنسانيتهم، وأصبحوا لا ينظرون للآخر إلا كعدو، ومن هذا المنطلق؛ صارت كل الاعتداءات متاحة عندهم، فهم ينفذون عمليات التفتيش بطريقة وحشية وعشوائية، حتى في المدارس، ويزعمون أنهم يبحثون عن شباب قاموا بإلقاء الحجارة، ولكن؛ في كثير من الأحيان ليس ذلك سوى عذر".
وتابع زيمرمان حديثه عن غياب الإنسانية في صفوف بعض جنود الكيان الصهيوني قائلا إنه بصفته عاملا مستقرا في فلسطين منذ ثلاث سنوات؛ يعتقد بأن "غياب الإنسانية مرتبط بفقدان التواصل، فالكراهية نمت بين صفوف الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب القطيعة بينهما".
وبين أن "إفلات مرتكبي انتهاكات مماثلة من العقاب قد يحرض على العنف، ذلك أن ضحايا هذه الاعتداءات لا يجرؤون على رفع شكوى قضائية، خشية من الانتقام، أو فقدان تصاريح عملهم في إسرائيل، وإذا أقدموا على هذه الخطوة؛ فغالبا ما تُحفظ القضية أو تُسجل ضد مجهول، ما يدفعهم إلى الرد على الانتهاكات بعنف".
وحول انعكاسات العنف على
الأطفال الفلسطينيين؛ قال زيمرمان إن "85 بالمئة من الأطفال الذين يتابعهم نفسيا؛ يعانون من مشاكل حادة، كالتوتر أو القلق، و30 بالمئة منهم لديهم مشاكل في التركيز في المدرسة، أو في القدرة على الاندماج داخل الوسط المدرسي، كما أنهم يعانون من صعوبات في النوم، وبعضهم قد وصل إلى سن المراهقة وما زال يتبول في السرير، ما يدل على الإجهاد والتعب اللذين يعاني منهما".
وأضاف أن "للعنف انعكاسات على المجتمع بأسره، فتعبير أفراده عن مشاعرهم ومخاوفهم ومعاناتهم أصبح من المحرمات، ما دفعهم إلى الانتقال للتعبير الجسدي، إلى درجة أن التوتر تفشى بين صفوف الكبار والصغار"، مشيرا إلى أن "للعنف نتيجة أخرى تتمثل في الخوف والانعزال، إذ إن الناس لا يشعرون بأنهم أحرار ولهم الحق في الحياة، كالشعوب الأخرى، ما يدفعهم إلى عدم مغادرة منازلهم".
وعن رؤيته لمستقبل مجتمع نشأ أطفاله على التعنيف وإذلال آبائهم وأمهاتهم؛ أوضح أن "الأطفال يحتاجون إلى حماية آبائهم لبناء شخصياتهم، وغياب ذلك سيؤثر تأثيرا عميقا عليهم وسيجعل منهم شبابا هشا"، مستدركا بالقول: "إلا أن هناك فلسطينيين يثورون، ويحاولون تجاوز وضعياتهم، لعلّ واقعهم يتغير، فتنخرط مجموعة منهم في منظمات غير حكومية مثلا، في حين يختار آخرون المواجهة، بالإضافة إلى أنهم مستعدون لكل التضحيات دفاعا عن قضيتهم، إلا أن النضال يمكن أن يكلفهم حياتهم".
وفي الختام؛ أشار الدكتور ماكسيميليان زيمرمان إلى أن "معدلات حالات الانتحار قد ارتفعت في المجتمع الفلسطيني، مما يمثل مشكلة أخرى، وهو ما يفسر أن يقوم شاب فلسطيني بحمل سكين ليهاجم بها جنديا إسرائيليا مسلحا، وهو واع تماما بأنه يمكن أن يكون عرضة لإطلاق النار أو الموت"، على حد قوله.