بدأت وزارة الأوقاف الأردنية بتطبيق قرار جديد يقضي بحصر صلاة الجمعة في مساجد كبيرة، وتوحيد محاور الخطبة. ويأتي القرار الذي حمل اسم "
المسجد الجامع"، بالتزامن مع إعلان خطة حكومية "لمحاربة الفكر المتطرف".
وتتضمن الخطة محاور تتعلق بوزارة الأوقاف، من أبرزها "إعادة هيكلة منظومة الوعظ والإرشاد، وتكليف مديرية الوعظ والإرشاد باختيار خطب مناسبة تتلاءم مع المستجدات والحوادث وحاجة المجتمع، وخفض أعداد المساجد التي تقام فيها خطبة الجمعة من خلال التحول نحو المسجد الجامع".
وقال وزير الأوقاف الأردني،
وائل عربيات، في خطبة الجمعة الماضي، التي ألقاها في مدينة السلط كانطلاقة لتطبيق فكرة المسجد الجامع، إن "الوزارة تسعى لإعادة الخطاب الديني إلى وضعه الصحيح الذي يدعو إلى الوسطية، ويرفض التطرف والغلو".
وزارة الأوقاف تبرر
من جهته؛ أوضح مساعد الأمين العام لشؤون الدعوة والإرشاد في وزارة الأوقاف، حسن كريرة، أن الغاية من تطبيق قرار "المسجد الجامع" هي "خلو بعض المساجد الصغيرة من أعداد كافية من المصلين، بالإضافة إلى كون الوزارة تعاني من نقص في أعداد الأئمة".
وحول توحيد محاور خطبة الجمعة؛ قال كريرة إن "الفكرة هي توحيد الموضوع، وليس الحيثيات، بما يخدم توجيه المجتمع"، وأضاف لـ"
عربي21": "نعمّم كل جمعة من خلال رسائل نصية وعلى صفحتنا في (فيسبوك) محاور للخطبة تتعلق بمواضيع كالنظافة والنظام، وهذه محاور مقترحة وليست ملزمة، ولا نلزم الخطباء إلا عند وقوع بعض الأحداث التي لها تعلق مباشر بالبلد، وسياسة الدولة، والأمن الوطني، والسلامة الوطنية".
تأصيل شرعي أم أبعاد سياسية؟
وتؤكد الوزارة أن فكرة المسجد الجامع هي تأصيل شرعي، إذ أجمع الفقهاء على أن صلاة الجمعة تصلى في المسجد الجامع، اقتداء بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
غير أن الكاتب المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، وائل البتيري، يرى في فكرة المسجد الجامع "أبعادا سياسية، وليس حرصا من الحكومة على التزام آراء الفقهاء".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "القرار يأتي في سياق استراتيجية الحكومة في محاربة ما يوصف بـ(التطرف)، حيث إن وزارة الأوقاف تعاني نقصا كبيرا في الأئمة والخطباء، وتخشى الحكومة أن يملأ هذا الفراغ من يحمل أفكارا متطرفة".
وحول الترويج لفكرة سيطرة الفكر المتطرف على المنابر في الأردن؛ قال البتيري إن "هذا غير صحيح، فالأئمة والخطباء والمدرّسون يعيشون ظروفا معيشية سيئة؛ بسبب تدني الرواتب التي يتقاضونها، وأكثرهم حريصون على عدم انقطاع هذه الرواتب رغم تدنيها، وبالتالي فهم يتجنبون طرح أفكار متطرفة في خطبهم ودروسهم، وكثير منهم يخشون من الاستدعاءات الأمنية المتكررة، ما يدفعهم إلى تجنب الحديث فيما يُغضب الدولة، حتى إن أحداثا جساما تقع في سوريا والعراق وفلسطين وغيرها من الدول العربية والإسلامية، ولا تكاد تجد خطيبا يتحدث عن هذه الأحداث خشية المساءلة الحكومية والأمنية".
إقصاء تيارات وخطباء
ويتخوف خطباء وتيارات الإسلام السياسي من أن يكون هدف فكرة "المسجد الجامع" فرض مزيد من إحكام القبضة الحكومية على المنابر، وإقصاء الآراء التي تغرد خارج سرب الحكومة، استكمالا لقانون الوعظ والإرشاد الذي قيد الخطباء والأئمة في الأردن، كما يقولون.
وأعرب الرئيس السابق للجنة التحضيرية لنقابة الأئمة في الأردن، ماجد العمري، عن خشيته من أن تكون فكرة المسجد الجامع ذات أبعاد سياسية، وقال إن "أخشى ما أخشاه؛ أن يتم اختيار الخطباء من لون واحد، لا يتكلم إلا باسم الدولة والحكومة، ولا يرى إلا حسناتهما، ويبعد المنبر الواقع الذي يعيشه المسلمون، سواء في الأردن، أم في العالم الإسلامي".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "المساجد الرئيسة في المحافظات لا يرتقي منابرها منذ سنوات؛ إلا أئمة وخطباء من لون الحكومة والدولة، ما يبعد الخطباء المتصفين بالوعي والفهم والجرأة في قول الحق عنها"، مشيرا إلى أن "الحكومة تمنع من الخطابة أكثر من 100 من خيرة علماء الأردن وحملة الماجستير والدكتوراه".
وكانت الحكومة الأردنية قد عدلت قانون الوعظ والإرشاد عام 2006، مانحة من خلاله صلاحيات واسعة لوزارة الأوقاف بوقف الخطباء والأئمة وتوجيه خطب الجمعة، ما نتج عنه إيقاف السطات عددا كبيرا من الخطباء المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين.
وذهب العمري إلى القول بأن "قانون الوعظ والإرشاد وُجد لمحاسبة الخطباء على المنابر، وهو سيف مسلط على رقاب الأئمة الأخيار، الذين يتحدثون في واقع الأمة، ويعالجون الأحداث بالكتاب والسنة".
رقابة أمنية
بدوره؛ أكد الكاتب البتيري أن "الرقابة الأمنية لا تغيب عن منابر المساجد عموما"، مشيرا إلى أن "وزارة الأوقاف أوقفت في الفترة الأخيرة العديد من الخطباء، منهم المستقل، ومنهم من ينتمي إلى الإخوان المسلمين، وآخرون مقربون من السلفية الجهادية، من دون أن تُعلم هؤلاء الخطباء بأسباب إيقافهم".
وحول ما يدفع الحكومة للتعاطي الأمني مع المنابر؛ فقد أوضح أنه "لا يتوفر لدى الحكومة العدد الكافي من الخطباء الذين يتحدثون بوجهة نظرها، وبالتالي فإنها تلجأ إلى إحكام الرقابة الأمنية على الخطباء، وترهيب الذين يتجاوزون منهم الخطوط الحمراء؛ من خلال مساءلتهم، والتحقيق معهم، وتهديدهم بالإيقاف عن الخطابة لفترات محدودة أو كليا، أو استدعائهم من قبل جهات أمنية".
أما كريرة فأكد أن "المساجد تخضع لقانون الوعظ والإرشاد، وأي ملاحظة تصل من المواطنين أو من خلال الأئمة المشرفين، أو مراقبي المساجد؛ فإنه يترتب عليها استدعاء الشخص المعني بالأمر، لتقابله لجنة مشكلة من مديرية الوعظ والإرشاد في الوزارة، وتأخذ أقواله، وبالنظر إلى إجاباته فإنه يتم إما إيقافه عن الخطابه، أو إعادته إليها".