لا تخلو مواقع الإنترنت عند تصفحها في الأراضي
الفلسطينية؛ من رؤية إعلان
إسرائيلي ممول. لكن هذه الإعلانات لا تروج لمنتجات تجارية، بل هي موجهة للشباب الفلسطيني في قطاع
غزة، تدعوه إلى العمل مع المؤسسات والشركات الإسرائيلية براتب يفوق أربعة أو خمسة أضعاف ما يمكن أن يحصل عليه في مدينته.
حالة واقعية
أحمد نور، هو أحد الذين وافقوا على الدخول إلى هذه الروابط والإدلاء بالمعلومات الشخصية الخاصة به، حيث عمل مندوبا للمبيعات ومخلصا جمركيا لمجموعة من الشركات الإسرائيلية على معابر قطاع غزة منذ العام 2010.
وأشار في حديث لـ"
عربي21" إلى أن التواصل يتم عبر الإيميل فقط، منوها إلى أن الشركة الإسرائيلية التي يعمل معها أرسلت له تأشيرة لدخول الأراضي الإسرائيلية أكثر من مرة، ولكنه رفض هذا المبدأ، خوفا من اعتقاله من قبل الإسرائيليين والتحقيق معه لأي سبب كان، كما يقول.
من جانبه، أشار خبير أمن المعلومات في غزة، أشرف مشتهى، إلى أن "إسرائيل دولة أمنية في الدرجة الأولى، وتصنف في المراتب الأولى على مستوى دول العالم، حيث يتمتع الجهاز الاستخباري لها بدعم كامل من قبل الدولة، وتخصص له المليارات سنويا لمحاولة إسقاط الشباب الفلسطيني من خلال شركات الدعاية وإعلانات
التوظيف، والسفر والعلاج المجاني، بشكل يغري ضعاف القلوب، ما قد يوقعهم في ثغرات أمنية من خلال إدلائه ببياناتهم الشخصية دون أن يشعروا بذلك".
استغلال للحالة الاقتصادية السيئة
وأضاف مشتهى لـ"
عربي21" أن "إسرائيل تعلم جيدا حجم الحالة الاقتصادية السيئة التي يعاني منها القطاع، من فقر وبطالة وانعدام فرص التوظيف، لذلك هي تحاول جاهدة توظيف هذه الأمور بما يخدم مصلحتها الأمنية والاستخبارية".
ويعاني قطاع غزة من ارتفاع كبير في معدلات البطالة والفقر منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في العام 2006، حيث فرض الجانبان الإسرائيلي والمصري حصارا شديدا عبر إغلاق المعابر بشكل خاص، ما تسبب في صعوبة إيجاد فرص للعمل في القطاع، الأمر الذي دفع بالكثير من السكان للبحث عن
وظائف في الشركات الإسرائيلية عبر الإنترنت.
وأظهر التقرير السنوي لمسح القوى العاملة في فلسطين لعام 2015، الصادر عن جهاز الإحصاء الفلسطيني، أن معدل البطالة في قطاع غزة وصل إلى 41 في المئة، فيما بلغ أعلى معدل للبطالة بين الشباب في الفئة العمرية بين 15 و24 سنة لكلا الجنسين.
مسؤولية الحكومة
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة، إياد البزم، إن "وزارة الداخلية تتابع بخطورة هذا الملف، نظرا لحالات السقوط المتكررة التي تم رصدها في السنوات القليلة الماضية لكثير من الشباب الفلسطيني في قطاع غزة؛ لذلك قامت الوازرة بحملات توعية وعقد ندوات تثقيفية لبيان وتوضيح حقيقة ما تنشره إسرائيل من إعلانات من هذا القبيل".
وأضاف لـ"
عربي21" أن هناك تعاونا وثيقا بين وزارة الداخلية ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لمنع تسلل هذه الإعلانات إلى صفحات المواقع الفلسطينية، مشيرا إلى أن "هناك تطورا لمسناه في السنوات الثلاث الماضية بما يخص هذا الأمر"، مع الإشارة إلى ضعف الإمكانيات المتاحة لدى الوزارة للتعامل مع هذه الحالات.
وتحاول "إسرائيل" على الدوام؛ ربط الاقتصاد الفلسطيني بها، فقد بدأ تدفق العمالة الفلسطينية إلى "إسرائيل" منذ عام 1968، عندما فتحت "إسرائيل" أبوابها أمام الفلسطينيين، ليصل عدد الفلسطينيين العاملين في "إسرائيل" قرابة 116 ألف عامل في عام 1993، بل وارتفع العدد ليصل إلى 120 ألف عامل عشية انتفاضة الأقصى في عام 2000، بحسب بيانات مركز المعلومات الفلسطيني "وفا".
ولكن مع وصول حركة حماس إلى الحكم؛ اعتبرت "إسرائيل" قطاع غزة كيانا معاديا، فأوقفت جميع تأشيرات الدخول الخاصة بعمال القطاع.
أهداف اقتصادية
ويشير أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، معين رجب، إلى أن "إسرائيل سعت منذ تأسيسها إلى استدراج العمالة الفلسطينية لعدة أسباب، أهمهما تدني معدلات الأجور التي يحصل عليها العامل الفلسطيني مقارنة بنظيره الإسرائيلي، إضافة إلى الكفاءة والمهنية العالية لدى العامل الفلسطيني، ولاعتبارات أخرى تتمثل بفرض السلام الاقتصادي مع الجانب الفلسطيني".
وأضاف لـ"
عربي21" أن الحالة السياسية والاقتصادية السيئة التي وصلت إليها الأمور في الأراضي الفلسطينية، دفعت الشباب الفلسطيني إلى البحث عبر الإنترنت عن فرص للعمل داخل "إسرائيل"، محملا الانقسام الفلسطيني وأطرافه مسؤولية وصول الأمور إلى هذا الحد.